أصدرت محكمة النقض بالمغرب مؤخرا قرارا مبدئيا يخصّ القروض البنكية، حيث قضتْ بكونها مشمولة بعقود التأمين على الوفاة بقوة القانون
القرار الذي تنشره المفكرة القانونية يعتبر من بين التطبيقات النادرة لقانون حماية المستهلك، ويُعيد الى الواجهة بعض الممارسات المنافية للقانون التي تقوم بها بعض المؤسسات البنكية من خلال محاولتها استخلاص مبالغ القروض المتبقية في حالة وفاة المقترض رغم أنها مشمولة بالتأمين على الوفاة والمخاطر.
ملخص القضية
تعود فصول القضية إلى مقال افتتاحي تقدّمت به إحدى المؤسسات المانحة للقروض أمام المحكمة التجارية بمراكش تعرض فيه، بأن زوج المدّعى عليها سبق أن حصل على قرض شخصي بمبلغ 200.000 درهم، والتزم بإرجاعه بموجب أقساط شهرية، غير أنه توقف عن الأداء، فأصبح مدينا لها بمبلغ 263.217 درهم، وبعد وفاته أصبحت زوجته وريثته الوحيدة، وحلت محله في جميع التزاماته، وأنها بهذه الصفة امتنعت عن تسديد مبلغ الدين المذكور، ملتمسة الحكم عليها بأدائه للمؤسسة المقرضة المبلغ المذكور مع الفوائد القانونية وفوائد التأخير والضريبة عن القيمة المضافة الى تاريخ التنفيذ، وأداء مبلغ عن التماطل قدره 5000 درهم.
وأجابت المدعى عليها بتقادم الدعوى، نظرا لمرور أزيد من خمس سنوات المقررة لتقادم الالتزامات التجارية بموجب المادة الخامسة من مدونة التجارة، فضلا عن أن مبلغ الدين مشمول بتأمين على المخاطر على غرار كل عقود القروض البنكية.
وبعد تبادل المذكرات، قضتْ المحكمة الابتدائية برفض الطلب، وقد تمّ تأييد الحكم استئنافيا.
قدّمت الشركة المقرضة طعنا بالنقض في القرار الاستئنافي، حيث عابت عليه نقصان التعليل ذلك أن المحكمة اعتبرت أن المدعي لم ينازع بكيفية جدية في قيام التأمين على الحياة والاكتتاب فيه وترخيص المقترض للبنك في استخلاص أقساط مبلغ التأمين من حسابه المفتوح لديه لفائدة شركة التأمين، والحال أن المدعى عليها –زوجة المتوفى المقترض- لم تدلِ بعقد التأمين على الحياة الذي تمسّكت به، علما بأن عبء إثبات ادّعائها التأمين يقع على عاتقها، مما تكون معه المحكمة قد قلبت عبء الاثبات، ويكون معه القرار المطعون فيه لم يستند على أساس قانوني.
موقف محكمة النقض
قضتْ محكمة النقض بتأييد القرار الاستئنافي ورفض طلب الشركة المقرضة، معتمدة على العلل التالية:
- أن الدعوى تتعلق بدين ناتج عن قرض استهلاكي يخضع في تطبيقه لأحكام قانون حماية المستهلك ومشمول بعقد تأمين عن الوفاة وعن العجز؛
- أن المقترض الهالك رخص للبنك بمقتضى البندين العاشر والحادي عشر من عقد القرض بالانخراط بشأنه في التأمين، ورخص له باقتطاع أقساط التأمين من رصيد حسابه المفتوح لديه لفائدة شركة التأمين المؤمنة؛
- أن عقد القرض مشمول بعقد التأمين، وأن تحقق خطر الوفاة يتيح للبنك المقرض تفعيل عقد التأمين وذلك بالرجوع على الجهة المؤمنة.
تعليق على القرار
تبرز أهمية هذا القرار الذي تنشره المفكرة القانونية في كونه يعيد إلى الواجهة إحدى الممارسات المنافية للقانون التي تقوم بها بعض البنوك بالمغرب، بعدم تمكين زبائنها المقترضين من نسخة من عقد التأمين عن الوفاة وعن العجز، رغم استخلاصها لاقتطاعات مالية بهذا الخصوص، حيث تقوم في حالة تحقق خطر الوفاة أو العجز، بالحجز على العقارات أو الأموال موضوع الرهن ومطالبة الورثة أو المقترض الذي أصبح في حالة عجز عن العمل بأداء باقي المبالغ المتبقية في ذمته من مبلغ القرض، مع الفوائد القانونية وفوائد التأخير والضريبة عن القيمة المضافة إلى تاريخ التنفيذ، وأداء تعويضات عن التماطل نتيجة التوقف عن الدفع.
وما يجعل هذه الممارسات منتشرة داخل عدّة أوساط هو جهل عدد من زبائن البنوك بقانون حماية المستهلك، والصعوبات المتعلقة بالولوج إلى القضاء التجاري للمنازعة في القضايا المتعلقة بالقروض البنكية خاصة وأن المحاكم التجارية لا تتواجد في جميع جهات المغرب، وصعوبة الحصول على المشورة القانونية المجانية، مما يجعل عددا من المؤسسات البنكية تستخلص مبالغ الأقساط البنكية رغم كونها مشمولة بعقود التأمين ضد الخطر، مستغلة كونها لا تمكن زبائنها من نسخة من عقد التأمين، وهو ما يجعلها في حالة أي نزاع أمام القضاء تدفع بانعدام التأمين.
يعيد هذا القرار إلى الواجهة الإشكاليات المتعلقة بتفعيل قانون حماية المستهلك خاصة في مجال القروض البنكية، والتي تعتبر عقود إذعان في ظل غياب نشر المعلومة القانونية والمعلومة البنكية على وجه الخصوص، وفي ظلّ استمرار غالبية البنوك في اعتماد اللغة الفرنسية مما يجعل عددا من الزبائن لا يطلعون على حقوقهم المكفولة في العقود أو التي يكفلها القانون.
ومن المأمول أن يسهم نشر هذا القرار في كشف بعض الممارسات المنافية للقانون التي تقوم بها بعض المؤسسات البنكية، وفي نشر المعلومة القانونية، وفي تعريف زبائن البنوك بحقوقهم المكفولة في قانون حماية المستهلك.