أكد المشاركون في المنتدى الدولي الثالث للأشجار، أول أمس السبت بمتحف محمد السادس لحضارة الماء بمراكش، على الأهمية التي يكتسيها القطاع الغابوي ودوره الأساسي في الحفاظ على التوازن البيئي وصون التنوع النباتي والثروة الحيوانية.
وأبرز مؤسس جمعية الأشجار والعلوم والتقاليد، كلود لوفيبفر، خلال الجلسة الافتتاحية للمنتدى، الذي تستمر أشغاله إلى غاية مساء يومه الاثنين، الدور الهام الذي تضطلع به الأشجار في حياة الإنسان وفي الحفاظ على المصادر المائية وعلى الفضاءات الخضراء، فضلا عن دورها في تخصيب الأرض وتنقية الهواء والمياه.
وأضاف أن الأشجار ومن خلالها الغابات تعتبر عنصرا أساسيا لحياة الإنسان مما يتطلب إيلاءها عناية كبيرة في ظل التغيرات المناخية التي يشهدها العالم حاليا، مبزرا مكانة الغابة كموطن للتنوع البيولوجي وفي خلق التوازن البيئي وفي ترسيخ قيم الجود والعطاء لدى الإنسان.
من جهته، أوضح رئيس مؤسسة ابن رشد لتشجيع البحث العلمي والابتكار والتنمية المستدامة، بدر الدين قرطاح، أن هذا المنتدى يتمحور حول الأشجار باعتبارها الحل الأول لمشاكل المستقبل التي تطال بشكل مباشر الحياة البيولوجية والاجتماعية للإنسان، مضيفا أن هذا الحدث الذي يلتئم فيه حوالي ثلاثين باحثا متخصصين في الأشجار والغابات والمياه، يربط في إطار مقاربة فريدة ومتنوعة، بين ما هو اقتصادي وبيئي وعلمي وتقاليد ذات الاهتمام بالشجرة والماء.
وأشار إلى أن المنتدى يهدف إلى تمكين المشاركين من التطرق لأهمية الحفاظ على الموارد المائية والإرث الغابوي والنباتي في المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية، فضلا عن التقنيات التقليدية والحديثة في تدبير المياه، وحماية الأشجار والغابات للحفاظ على المياه العذبة والتنوع البيولوجي لمواجهة التقلبات المناخية.
من جانبها، أبرزت زبيدة شروف، رئيسة جمعية ابن البيطار للأعشاب الطبية، أن الدورة الثالثة لهذا المنتدى تسعى إلى إبراز الدور الأساسي للأشجار في المحافظة على المياه العذبة والتنوع البيولوجي في ظل التغيرات المناخية على المستوى العالمي، مشيرة إلى أن الغابات والأشجار ليستا فقط عنصرين لبيئة الإنسان، بل أكثر من ذلك فهما مستقبله وحماة إرثه الطبيعي.
أما نائبة عميد كلية العلوم السملالية المكلفة بالبحث العلمي والتعاون، نائلة وزاني، فأبرزت أهمية هذا الملتقى في الظرفية الحالية المتسمة بندرة مصادر المياه مما يتطلب إجراءات استعجالية والعمل على البحث على موارد غير تقليدية كتحلية مياه البحر واستعمال المياه المعالجة في الري باعتبارها أصبحت من الحلول البديلة أمام قلة المياه، إلى جانب المحافظة على الغطاء النباتي والأشجار التي تساهم في الحفاظ على الموارد المائية.
وخلال اليوم الثاني من أشغال المنتدى والتي تمحورت حول موضوع “الغابات مصدر الحياة”، سلط المشاركون الضوء على الأسباب التي كانت ولا زالت وراء تدهور الغابات بفعل الكوارث الطبيعية أو تدخل الإنسان مما أفرز تحديات كبيرة استدعت القيام بعدة دراسات للوقوف على هذه الاختلالات والبحث عن أفضل السبل لمعالجتها حفاظا على الثروة التي يختزلها هذا المجال الطبيعي وتحسين علاقته بالإنسان.
وفي هذا الصدد، أكد الباحث السويسري في المجال الغابوي إيرنس زورشير، في عرض حول “تأثير الغابات على التوازن المناخي .. غرس الأشجار والعناية بالغابات سبيل للحفاظ على الموارد المائية”، أنه على غرار عدة مناطق في العالم، عرف القطاع الغابوي بأوروبا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط منذ استيطان الإنسان تراجعا كبيرا في مساحاته وتشويه مناظره الطبيعية مما أسفر عن بروز عدة تحديات همت على الخصوص، تغير المناخ بالإضافة إلى تضرر الغطاء النباتي والتراجع الملموس في نسبة الثروة الحيوانية بالمنطقة.
وأبرز أنه يتعين على جميع المتدخلين في هذا القطاع، العمل على إعادة النظر في الأساليب المتبعة في تدبير المجال الغابوي، في أفق المحافظة عليه واسترجاع دوره الحيوي في خلق التوازن البيئي والحفاظ على التربة والتنوع البيولوجي وأيضا صيانة المصادر المائية.
من جهتها، أبرزت الأستاذة الباحثة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، منية أشباح، خلال تطرقها لحكامة الغابات المغربية، من التدبير الأمني إلى التدبير المندمج والتشاركي الذي يسعى إلى إرساء الاستدامة، أن الغابات بالمغرب، التي تشكل فضاء متعدد الوظائف وعنصرا أساسيا في حماية البيئة، تعرضت لفترة طويلة، لاستغلالات مختلفة وجائرة من قبل الإنسان.
وأضافت أن قراءة أنماط التدبير هذا الفضاء الطبيعي، وتقييم تحولاته حسب الإطار السياسي والاقتصادي والاجتماعي مكن من استيعاب أكبر للحالة الراهنة التي تتسم بها وضعية المجال الغابوي، والتأكيد على أن كل مرحلة من مراحل التدبير ساهمت في تحسين حكامة الغابات وتحديد التحديات التي تواجهها، مؤكدة على أن التنمية المستدامة تعتبر ذات أهمية في تحسين وتعزيز دور المجال الغابوي مما يتطلب تعبئة والتزام جميع الجهات المتدخلة.
وركزت باقي التدخلات على أن من شأن إعادة النظر في الأساليب الفلاحية التقليدية المدمجة في النظام البيئي المحلي، وإعطاء الأولوية للتنوع البيولوجي المعزز لهذا القطاع، وضمان التنوع الوراثي للمحاصيل، المساهمة في ظهور وتعزيز الأنظمة الغذائية القادرة على الصمود والتكيف على المستوى المحلي.
وبعد أن شددوا على أهمية تكثيف علمية زرع الأشجار بالفضاءات الفلاحية والغابوية، أبرز المتدخلون الدور الذي تلعبه شجرة الأركان في منع التصحر وتآكل التربة وكذا دورها الاقتصادي بالمناطق المتواجدة بها، مشيرين إلى أن هذه الشجرة لها فوائد اقتصادية مباشرة وغير مباشرة بالنسبة للعديد من الأسر المغربية.
وذكروا في هذا الصدد، بـ”مشروع زيت الأركان” الذي يعتبر نجاحا اقتصاديا مواكبا لأهداف التنمية المستدامة، وللتطور الاجتماعي والاقتصادي بالمنطقة، حيث تشمل المراحل الرئيسية لهذا المشروع دراسة علمية (كيميائية وصيدلانية) وإرادة قوية في تنمية المناطق القروية المغربية من خلال إنشاء تعاونيات نسوية.
ويتميز المنتدى الدولي الثالث للأشجار، المنظم بمبادرة من جمعية الأشجار والعلوم والتقاليد، ومؤسسة ابن رشد، وجمعية ابن البيطار، بدعم من جامعة محمد الخامس بالرباط وجامعة القاضي عياض بمراكش، بمشاركة خبراء دوليين، ونشطاء بيئيين، وممثلي المنظمات غير الحكومية، والسلطات المحلية.
ويهدف إلى خلق فضاء للحوار والتعاون، حيث يتيح للمشاركين تبادل معارفهم وأفكارهم ومشاريعهم من أجل مستقبل أكثر استدامة، فضلا عن كونه يعد فرصة لتقاسم الخبرات والأفكار ومناقشة الحلول المبتكرة لمواجهة التحديات البيئية التي تواجه العالم.
وتمحورت أشغال هذا الحدث الدولي حول عدد من المواضيع ذات الصلة بالدور الأساسي للأشجار في جذب المياه والحفاظ عليها وتنظيمها على نطاق عالمي، والأبعاد المتعددة للعلاقة الحيوية بين الأشجار والغابات والمياه والحياة على الأرض.
وتضمن برنامج هذا المنتدى تنظيم محاضرات، وموائد مستديرة، وعرض أفلام، ومعارض علاوة على تنظيم خرجات وزيارات لمتحف محمد السادس لحضارة الماء وزرع اشجار بمنطقة النخيل من قبل تلاميذ إحدى المؤسسات التعليمية في إطار برنامج المدارس الإيكولوجية لمؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، إلى جانب زيارة مرصد النخيل بمراكش ولبعض الحدائق بالمدينة ونواحيها.