توفي 17شخصا على الأقل ونقل أزيد من 160 آخرين إلى المستشفى لتلقي العلاج بمنطقة سيدي علال التازي ضواحي العاصمة المغربية الرباط، بعد إصابتهم بتسمّم حادّ جراء تناول مشروبات كحولية محلية الصنع تحتوي على مادة الميثانول بإحدى حفلات الزفاف. الفاجعة التي هزت الرأي العام المغربي أعادتْ إلى الواجهة، حسب المفكرة القانونية، إشكالية تقنين بيع واستهلاك الخمور في ظل وجود قوانين تحظر عملية تداولها بين المسلمين، مما يسهم في تشجيع تداول المشروبات الكحولية غير الآمنة.
تضارب الأرقام الرسمية حول حصيلة ضحايا فاجعة الكحول الفاسد
تضاربت الأرقام المتداولة حول عدد ضحايا فاجعة منطقة علال التازي غرب المغرب، بين الحالات التي تم استقبالها داخل المستشفيات، وحالات الوفيات خارجها، وأعلنت المديرية الجهوية للصحة والحماية الاجتماعية بالرباط سلا القنيطرة، عن تسجيل حالات إصابات تسمم بمادة “الميثانول” في صفوف 114 شخصا على مستوى جماعة سيدي علال التازي التابعة ترابيا لإقليم القنيطرة، تم تأكيدها مخبريا من طرف المركز المغربي لمحاربة التسمم ولليقظة الدوائية بالرباط، فضلا عن وجود 81 حالة إصابة أخرى تحت الرعاية الطبية عبر مختلف المراكز الاستشفائية التابعة للجهة، ويتعلق الأمر بـ 28 حالة بالمركز الاستشفائي الإقليمي الإدريسي بالقنيطرة، من بينها 3 حالات توجد بمصلحة الإنعاش، فيما تم تسجيل مغادرة 38 شخص المستشفى بعد تحسن حالتهم.
كما كشفت أيضا عن تواجد 40 حالة بالمركز الجهوي مولاي يوسف بالرباط منها حالتان تمت إحالتهما على مصلحة الإنعاش بمركز تصفية الدم بالمستشفى الجامعي ابن سينا بالرباط نتيجة مضاعفات تناول مادة الميثانول، فيما تخضع 20 حالة لتصفية الدم بذات المؤسسة الاستشفائية.
وطالبت المديرية الجهوية للصحة المواطنات والمواطنين بإقليم القنيطرة إلى الإبلاغ عن أي حالة مماثلة والتوجه مباشرة لأقرب مؤسسة صحية من أجل أخذ الرعاية المناسبة، وتفادي حدوث أي مضاعفات وخيمة على الصحة.
فاجعة الكحول الفاسد مأساة متكررة تحصد المزيد من الضحايا كل عام
تعتبر فاجعة منطقة علال التازي حلقة من حلقات مسلسل طويل يحصد كل سنة عشرات الأرواح التي تذهب ضحية استهلاك الكحول الفاسد أو الخمور المغشوشة محلية الصنع حيث سجلت سنة 2021 وفاة أزيد من عشرين شخصا بمدينة وجدة و11 شخصا في مدينة الناضور.
وفي سنة 2022 سجلت 9 وفيات ببلدة العروي، قبل أن تستيقظ مدينة قصر الكبير على هول فاجعة وفاة 20 شخصا عثر على بعضهم جثتا هامدة في مناطق متفرقة من أزقة وشوارع المدينة، وفي سنة 2023 تسبب الكحول الفاسد في مقتل 7 أشخاص بمدينة مكناس ونقل عشرات آخرين إلى المستشفى.
وتنتشر بعدد من المدن المغربية محلّات سرية لصنع المشروبات الروحية وبيعها، حيث يرتفع الإقبال عليها بسبب القوانين التي تضيق عملية تداولها بين المغاربة المسلمين، فضلا عن ارتفاع أثمنتها بسبب رفع الضرائب المفروضة عليها، ورفض بعض المحلات التي تتوفر على رخصة تسليم فواتير لزبنائها.
حماية المستهلك في ظل قوانين تجرم البيع لا الشراء
استفزت فاجعة بلدة علال التازي جمعيات حماية المستهلك التي دخلت على الخط، واعتبرت أن قوانين حظر بيع الخمور إلى المغاربة المسلمين، وسياسة رفع الضرائب المفروضة عليها، أربكت خيارات المستهلكين الذين اضطرّوا إلى البحث عن أيّ بديل آخر يتوافق مع قدرتهم الشرائية، حتى لو كان عشوائيّا غير خاضع لأيّة مراقبة، وفي هذا الصدد، قال بوعزة الخطي، رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك، إن ” الخمور عرفت ارتفاعا مهولا في الأسعار، حيث أن قنينة النبيذ التي كان سعرها قبل ثلاث سنوات يساوي 40 درهما (حوالي 4 دولارات) أصبح ثمنها الآن يتعدى 100 درهم (حوالي 10 دولارات)، وبما أن المستهلك قدرته محدودة فهو يلجأ لمن يوفر له هذا المنتوج، رغم المخاطر التي قد يتعرض لها والتي قد تكلفه حياته”.
وأضاف: “إن حماية المستهلك تستوجب توفر القدرة الشرائية لاقتناء ما يباع في السوق، علما أن هناك محلات لبيع الخمور لغير المسلمين، ما يعني أنها تتيح شراء منتوج خاضع للمراقبة، في حين أن المنتوج غير الخاضع للمراقبة وجب على السلطات التدخل لحماية هذا المستهلك”.
في نفس السياق، يعتبر المفكر المغربي أحمد عصيد أن استمرار تجريم بيع الخمور للمغاربة أغرق الدولة في التناقضات، حيث يفترض القانون أن المشروبات الكحولية تباع للأجانب فقط بينما يؤكد الواقع أن عددا كبيرا من المغاربة يستهلكون هذه المواد أمام أنظار الدولة التي تعطي هي نفسها رخص بيع الخمور التي تمنعها قانونيا”، ويضيف أن “هذه من المظاهر الكاريكاتورية المضحكة. فالمطلوب اليوم إلغاء جميع المواد المجرمة للحريات وجعل القانون الجنائي حاميا للحريات وليس متحاملا عليها”.
بيع الخمور للمغاربة المسلمين واقع يتجاوز الحظر القانوني
يخضع تقطير المشروبات الروحية أو تصنيعها أو تعبئتها أو الإتجار فيها لرخصة تمنحها وزارة الداخلية، كما يتم تنظيم هذا القطاع –إلى جانب الضرائب من خلال مجموعة من النصوص القانونية التي تعود إلى فترة الستينات، أبرزها:
-المرسوم الملكي الصادر بتاريخ 14 نوفمبر 1967 بمثابة قانون يتعلق بالمعاقبة على السكر العلني، حيث يعاقب بالحبس لمدة تتراوح بين شهر وستة أشهر وغرامة مالية يتراوح قدرها بين 150 و500 درهم، كل شخص وجد في حالة سكر بين في أماكن عمومية.
مع انطلاق ورش ملاءمة القوانين المغربية مع الدستور الجديد، عاد الجدل من جديد ليحتدم حول القوانين التي تنظم الحريات الفردية. وفي هذا السياق سبق لجمعية بيت الحكمة وهي منظمة غير حكومية- أن دعت إلى إلغاء حظر استهلاك المغاربة للخمور وشرائها، وجاء في بيان أصدرته المنظمة: “ان القانون الذي ينص على إباحة بيع الكحول للأجانب مخالف للدستور الذي يقر الحريات الفردية الأساسية”.
من جهته اعترف المستشار البرلماني لحسن حداد، أن “القانون الذي يجرم بيع الخمور بالمغرب، لا يعكس حقيقة ما يجري داخل المجتمع، فالقانون في واد وما يفعله المواطن في واد آخر”، معتبرا أن “منع بيع الكحول للمغاربة المسلمين ليس بحل، لأنه في كثير من المدن الصغرى والمتوسطة منعت بها الكحول نهائيا، وانطلقت الكثير من عمليات إنتاج الكحول خارج القانون والتي لها خطر كبير على صحة المواطن لأنها لا تخضع لأي مراقبة، بل وحتى على المستوى القانوني ليس هناك ما يثبت أن المواطن مسلم الديانة في البطاقة الوطنية”. وأضاف “القانون لا يجرم من يشرب الخمر لكن يجرم من يبيعها”، واستطرد قائلا: “إنه يجب صراحة فتح النقاش حول تجريم القانون الجنائي لاستهلاك الخمور، ونذهب في اتجاه تقنينه حتى لا يكون هناك نفاق اجتماعي”.