بتاريخ 15 مارس 2024 أصدرت المحكمة الإدارية بالرباط حكما بإلغاء عقوبة الإنذار الصادرة في حقّ أستاذ متعاقد، بعد تنفيذه إضرابا جزئيا في إطار حراك الأساتذة المتعاقدين بالمغرب المطالبين بالإدماج في سلك الوظيفة العمومية. وتبرز أهمية الحكم القضائي الذي نشرته “المفكرة القانونية”، ونعيد نشره في ” بيان اليوم”، تأكيده على أن الاضراب حق دستوري، ولا يسوغ اعتبار ممارسته خطأ تأديبيا موجبا للعقاب. كما أنه اعتبر إصدار عقوبات انتقائية في حق عدد من الأساتذة المضربين دون سواهم مسًّا بمبدأ المساواة أمام القانون.
ملخص القضية
تعود فصول القضية إلى تاريخ 14 يوليوز 2023 حينما تقدّم المدّعي بدعوى أمام المحكمة الإدارية بالرباط يعرض فيها بأنه أستاذ متعاقد ينتمي لأطر الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بجهة الرباط سلا القنيطرة، وقد شارك في الإضراب الوطني الذي دعتْ إليه “التنسيقية الوطنية للأساتذة وأطر الدعم الذين فُرِضَ عليهم التعاقد بتاريخ 07 أكتوبر 2022″، والذي انخرط فيه عشرات الآلاف من الأساتذة المطالبين بإدماجهم في سلك الوظيفة العمومية. فقد اتّخذ هذا الإضراب أشكالا تصاعدية عدة، من ضمنها الإضراب عن تسليم نقاط وأوراق امتحانات المراقبة المستمرة إلى الإدارة ومقاطعة منظومة مسار. وبسبب ذلك تمت إحالته على المجلس التأديبي الذي أنزل به عقوبة الإنذار، معتبرا أن هذا القرار غير مشروع لكونه يمس حقه في الإضراب، فضلا عن خرقه للضمانات التأديبية المقررة لفائدته وخرقه مبدأ المساواة لكون العقوبة التأديبية طالته هو دون أن تشمل بقية الأساتذة الذين شاركوا في الإضراب.
لأجله التمس الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك.
وأدلت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة الرباط سلا القنيطرة بمذكرة جوابية التمست من خلالها رفض الطلب لكون القرار التأديبي الصادر في حقّ المدّعي استند إلى ما ارتكبه من مخالفة مهنية تمثلتْ في رفضه تسليم الفروض وعدم مسكه نقاط المراقبة المستمرة الخاصة بالأسدس الأولى في آجالها رغم المراسلات الموجهة إليه لدفعه للقيام بذلك. وأضافت أن حقّ الإضراب الذي يتمسك به المدعي يتعين أن تتحقق فيه مجموعة من الشروط من أجل ضمان استمرارية المرفق العمومي، طبقا للاجتهاد القضائي، في ظل عدم صدور القانون التنظيمي الذي ينظّم هذه الحق.
موقف المحكمة
استجابت المحكمة لطلب المدعي معتمدة على العلل التالية:
- الإضراب يتحقّق في بعض صوره من خلال امتناع عدد من الموظفين أو العاملين بالإدارات العمومية بشكل جماعي وإرادي ومُدَبَّر عن العمل كليّا أو جزئيّا عن طريق الإحجام عن أداء كل المهام الموكولة لهم أو بعضها خلال مدة من الزمن بغاية تحقيق مطالب مهنية، وهو حق مشروع ومضمون بموجب الفصل 29 من الدستور، ولا يسوغ اعتبار ممارسته خطأ تأديبيا موجبا للعقاب.
- إن واقعة تأخّر المدّعي في تسليم نقط فروض المراقبة المستمرة لم تصدر عنه في سياق تصرّف انفرادي ناتج عن إهماله وإخلاله بوجباته المهنية، بل جاءت في إطار ممارسته للحقّ في الإضراب بوصفه عملا جماعيا مشروعا يرمي لتحقيق مطالب مهنية وشارك فيه رفقة الآلاف من زملائه، ومن ثم لا يصح تكييف الواقعة المنسوبة له في هذا الإطار بوصفها خطأ مهنيا موجبا للعقاب التأديبي.
- ممارسة المدعي لاضراب جزئي انصب فقط على بعض المهام الموكولة اليه من خلال امتناعه المؤقت عن مسك النقط وتسليم أوراق الفروض، بينما ظلّ مستمرّا في الحضور للمؤسسة التعليمية المُعَيَّن بها وتقديم الخدمة التربوية والتعليمية للتلاميذ بشكل منتظم بوصفها المهمة الأساسية المنوطة به، لم يترتب عنه تعطيل كلي للمرفق العمومي في أداء مهامه، وبذلك يظل هذا الإضراب الجُزئي أَوْلَى بالحماية.
- التوازن بين حق الأساتذة في ممارسة الإضراب ومصلحة المرفق العمومي في استمرارية تقديم الخدمة المنوطة به يتحقق بالاقتطاع من أجور المُضْرِبين بسبب عدم أدائهم للمهام الموكولة إليهم، وهو الاقتطاع الذي أقرّ القضاء مشروعيّة اللجوء إليه من قبل الإدارة، لكن من غير أن تكون لهذه الأخيرة صلاحية المسّ بالوضعية الإدارية للأستاذ المُضْرِب في إطاره الأصلي عن طريق معاقبته تأديبيا بسبب ذلك، وإلا ترتب عنه إلغاء الحقّ في الإضراب بصورة كليّة والمسّ به بشكل يعطّل الاستفادة من الضمانة المقررة بالفصل 29 من الدستور، وهو ما يُحْظَر على الإدارة القيام به.
- العقاب التأديبيّ لم يشمل إلا المدّعي الى جانب فئة قليلة من زملائه، دون باقي الأساتذة المشاركين في الإضراب الذين لم يصدر في مواجهتهم أي إجراء تأديبي بهذا الشأن، وبذلك تكون الإدارة قد مكّنت بقية الأساتذة من ممارسة حقهم في الإضراب من دون أن يصدر في حقّهم أي إجراء يمسّ به ومن دون مواجهتهم بأيّ مسطرة تأديبية، في مقابل المسّ بوضعية المدعي عند ممارسته لهذا الحق عن طريق معاقبته تأديبيا بسبب ذلك بموجب القرار المطعون فيه في النازلة، والحال أن الإدارة يتعين عليها أن تضمن ممارسة الإضراب لجميع الأساتذة على قدم المساواة، الأمر الذي يجعل الجهة المطلوبة في الطعن، عندما عاقبت الطاعن بسبب الإضراب دون باقي زملائه المشاركين فيه، قد خالفت مبدأ المساواة بين المواطنين باعتباره مبدأ قانونيا مُلْزِما.
وعليه خلصت المحكمة الإدارية بالرباط الى أن قرار الإنذار الموجه الى الأستاذ المتعاقد مخالف للفصل 29 للدستور وخارقا لمبدأ المساواة بين المواطنين، مما يجعله مشوبا بعيب مخالفة القانون، وهو بذلك فاقد لأحد أركان مشروعيته ومتسم بتجاوز السلطة، ويتعين الحكم بإلغائه.
تعليق على الحكم
يعيد حكم المحكمة الإدارية بالرباط إلى الواجهة حراك الأساتذة المتعاقدين بالمغرب والمطالبين بدمجهم في سلك الوظيفة العمومية، بعد تأسيس تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليهم التعاقد، حيث خاضوا عدة أشكال احتجاجية دفاعا عن مطالبهم المهنية.
وكان لافتا في الحكم أنّه انتصر للحقّ في الإضراب، معتبرا أن الإضراب الجزئي الذي مارسه المدّعي لم يؤدِّ إلى تعطيل المرفق العمومي، وأنّه لا يمكن للإدارة أن تعتبر ممارسة الإضراب خطأ موجبًا للمسؤولية التأديبية، لأنه يبقى حقا دستوريا، حتى وإن تأخر صدور القانون الذي ينظمه.
اعتبر الحكم القضائي أن لجوء الإدارة إلى إصدار عقوبة تأديبية في حقّ عدد محدود من الأساتذة المتعاقدين المضربين عن العمل، رغم ممارسة هذا الحق من طرف الآلاف من دون معاقبتهم، يعني أن الإدارة أخلّت بمبدأ المساواة أمام القانون حينما مكّنت البعض دون الآخر من ممارسة حقهم الدستوري.
وتجدر الإشارة إلى أن ملف الأساتذة المتعاقدين بالمغرب يعود إلى سنة 2017 حينما قررت الحكومة المغربية توظيف المعلمين بعقود مؤقتة بدل التعيين الدائم، مقابل توقيعهم على عقود يقبلون فيها صيغة التوظيف الجديدة، وذلك في إطار تنزيل توصيات المؤسسات المالية الدوليو المانحة للقروض، وبعد أشهر قليلة تم خلق إطار تنسيقي يجمع المعلمين المعينين وفق هذه الصيغة، قاد مجموعة من الاحتجاجات الكبرى من أجل إلغاء هذا النمط من التشغيل، من بينها الدخول في إضرابات وطنية، ورفض تسليم علامات وأوراق اختبارات المدارس، فضلا عن تنظيم عشرات المسيرات الإحتجاجية.