كارثة الفنيدق: والآن…

صار الكل الآن يعرف تفاصيل وحكايات وصور ما حدث في الفنيدق والمحاولات الجماعية للتسلل لسبتة المحتلة، والجميع يكاد يتفق على التوصيف وقراءة الوقائع بشأن ما وقع الأحد الماضي، ولكن السؤال الجوهري اليوم هو: وبعد؟؟؟
بداية، دعونا نسلم بوجود جهات دعت أو حرضت أو حتى خططت لهذا الإقتحام الجماعي لسبتة المحتلة أو هذه الهجرة الجماعية غير النظامية بلغة أهل الحياد والمساطر والشكليات، ولكن هذا المعطى بقدر ما يسائل، في حد ذاته، السلطات العمومية، فهو كذلك لا يخفي العوامل الماثلة هنا أمام أعيننا كلنا.
أول ما يجب أن يرعبنا في قضية الفنيدق هو أعمار الذين رموا بأنفسهم إلى البحر واختاروا المغامرة، فأغلبهم أطفال وشباب من الجنسين، وهؤلاء كان يجب أن يكونوا داخل المدارس بدل هذا السعي إلى الهروب… الانتحاري.
هنا يتجلى انعدام الثقة في أفضع صورة…، وهنا يبرز اليأس الخطير للأسر التي لا تتردد في رمي أبنائها القاصرين نحو المجهول…
ليست كارثة الفنيدق هي التي كشفت عن المعاناة أو عن تنامي الإحتقان الاجتماعي، ولكن قبل ذلك حدثت أزمات أخرى، مثل: أزمة التعليم وموظفي التربية الوطنية في العام الماضي، ازمة طلبة كليات الطب المتواصلة، اختلالات برامج إعمار وتأهيل مناطق زلزال السنة الماضية، الغلاء الفاحش لمختلف المواد وتقهقر القدرة الشرائية لفئات واسعة من شعبنا، تفاقم البطالة وازدياد مستويات الفقر، الغلاء المستمر لأسعار المحروقات، التضخم…، وكل هذه الأزمات الواضحة والفاضحة اليوم فشلت الحكومة في معالجتها أو حتى التخفيف من حدتها، واختارت أن تصمت وتختفي تاركة المغربيات والمغاربة وحدهم أمام غول الغلاء والتضخم وعواقب الجفاف وندرة المياه ومخلفات الزلزال.
اليوم، تستمر الحكومة في ذات الأسلوب بشأن ما وقع في الفنيدق، وعدا قوات الأمن والسلطات الترابية التي تصدت للأزمة بما توفر لها من إمكانات، وبما يمكن أن يقع من اختلالات ميدانية، فإن حكومة «الكفاءات» المشكلة من ثلاثة أحزاب اختارت تسجيل نفسها ضمن لائحة المتغيبين أو المستقيلين، وكأنها غير معنية بكل هذا الذي يحدث.
إن قراءة وتحليل ما وقع في الفنيدق لا يقتضي أي سطحية فجة أو مزايدات شعبوية أو إمعان في الغرق في معادلات أمنية معزولة، ولكن ذلك يتطلب استحضار السياقات ذات الصلة، ذلك أن كارثة الفنيدق ليست معزولة عن الأزمات الأخرى المشار إليها أعلاه، وعن فشل الحكومة في تدبير ذلك، ومن ثم كارثة الفنيدق أعطت دليلا إضافيا لواقع الاحتقان الاجتماعي المتفشي وسط شعبنا منذ مدة، وعرت عن انعدام الثقة في الحكومة وفي… المستقبل لدى الشباب وباقي شعبنا.
لقد سبق لفروع هيئات سياسية أن نبهت مؤخرا في بلاغ مشترك إلى ما تعانيه الفنيدق واعتبرت ذلك بمثابة حصار لها، وقبل ذلك بكثير نبه آخرون إلى أن إغلاق المعبر الحدودي، سواء نحو سبتة أو مليلية المحتلتين، كان يفرض إعمال بدائل ميدانية ملموسة لتعويض آلاف الأسر كانت تعيش على التهريب المعيشي، ووجدت نفسها بلا دخل أو معيل أو فرص عيش أو أي مساعدة.
كما أن الجميع يحس في السنوات الأخيرة بانسداد واضح في الأفق، وبتفاقم الفوارق الإجتماعية والمجالية، وباحتداد الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، وحذر العديدون من أن ما يقع في بلادنا لا يخلو من خطورة، واستمرار هذا التفقير المقترن بلامبالاة الحكومة سيهدد استقرارنا المجتمعي العام، ومن ثم من الضروري وقف العبث التدبيري للحكومة الحالية وتغيير الاتجاه.
اليوم، وبعد الذي حدث في الفنيدق لا بد أن يجري البحث عن الأجوبة ضمن محددات السياسة وليس في مكان آخر.
حكومتنا غرقت في ملفات الفساد وفضائح أنصارها التي عجت بها مواقع التواصل الإجتماعي ومجالس الكلام في كل مكان وأيضا المحاكم بالنسبة لبعضها، وكبلت الحكومة نفسها بقيود تضارب المصالح الواضح على أعضائها، ولم تقدم لنا ولو مرة واحدة جوابا سياسيا عن أي من الأزمات المشار إليها أعلاه.
الحكومة اليوم لن ينفعها التعديل المروج له وإنما هي في حاجة إلى أكبر من ذلك، والمغرب في حاجة، تبعا لما وقع، إلى وقفة حقيقية لبلورة جواب سياسي رصين ومسؤول بشأن مستقبل بلادنا.
إلى أين تسير بلادنا في ضل كل هذه الأزمات المتفاقمة وأمام الضعف الفاضح للحكومة الحالية وما يلفها من ملفات وفضائح؟
من هنا يجب أن نبدأ كلنا البحث عن مدخل لإنقاذ بلادنا وإعادة الأمور إلى طريق… السياسة وحسن التقدير والنظر.
الدولة الاجتماعية تعني ما تحدثنا عنه هنا، تعني معالجة الأزمات المذكورة أعلاه، وتعني تأمين كرامة المغربيات والمغاربة وحقوقهم كبشر في هذا القرن الحالي.
هذه هي الدولة الإجتماعية التي شرحتها الإدبيات التقدمية منذ زمان، وهذه هي الدولة الاجتماعية التي نادى بها جلالة الملك، وهي قطعا ليست بنفس المعنى الذي يتبجح به رئيس الحكومة أو يدعي أنه حقق فيه السبق بالقارة الإفريقية.
بعد كارثة الأحد 15 شتنبر 2024، يجب أن تخجل الحكومة وتعتذر لشعبنا عن كل الأزمات التي نجمت عن سياساتها غير الاجتماعية، وعما تسببت فيه من غياب الثقة وسط الشباب وتفشي اليأس والخيبة والإحباط، ومن ثم تقدم للبلاد جوابا سياسيا للمستقبل بدل استبدال شكلي لمواقع الوزراء بلا أي أثر.
البلاد اليوم في حاجة إلى حسن التقدير السياسي بعيدا عن عقلية التيكنوقراطي الذي يمعن في مراكمة الأرباح أمام أنظار الكل ولا يبالي بنتائج سياساته وبرامجه الكارثية على واقع شعبنا واستقرار بلادنا وعلى… المستقبل.
ما حدث في الفنيدق فقط أفاض كأس الاحتقان، واستمرار الأزمات من شأنه مفاقمة الاحتقان وتكرار «الهروب الجماعي» في الفنيدق أو من مناطق أخرى بأشكال مختلفة.
لنبحث عن الحل في… السياسة، وأن نفكر أولًا في بناء الإنسان المغربي وتأمين العيش الكريم له، وحقوقه في التعليم والصحة والشغل والسكن والتعبير…
مهما كانت مشاريع البنيات التحتية والمنشآت الضخمة مهمة وإيجابية لبلادنا وتدعو للفخر بها، فإن بناء الإنسان المغربي وتأمين حقوقه الأساسية يعتبر الأولوية الكبرى اليوم.
هذه هي الدولة الاجتماعية الحقيقة، أي محورها الإنسان.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Top