ما حدث في الفنيدق يوم الأحد الماضي بقدر ما يسائل مختلف المؤسسات والفاعلين والنخب، ويفضح فشل سياسات وبرامج الحكومة وانعدام الثقة لدى الشباب وفئات واسعة من شعبنا، فهو أيضا يسائل واقع إعلامنا الوطني ومهنيته ونجاعته.
لقد تابع الجميع حملات تحريض على الهجرة غير النظامية الجماعية والتسلل الى سبتة المحتلة، وذلك عبر الشبكات الاجتماعية، وكان التضليل يقترف علانية وجهارا طيلة أيام، لكن وحدها حكومتنا وإعلامها الرسمي العمومي لم يعتبرا الأمر حقيقيا ولم يهتما به أصلا، ووضعا نفسيهما خارج كل الأدوار والمسؤوليات حول ما يحدث أو ما يخطط لحدوثه فوق التراب الوطني.
الإعلام في إسبانيا انشغل كثيرا بالموضوع وأفرد له تحقيقات وبرامج، والقنوات التلفزيونية هناك استضافت خبراء ومحللين وفاعلين سياسيين للحوار والتفاعل بهذا الخصوص.
وإعلام الجار الشرقي للمملكة بدوره انغمس بطريقته في الموضوع وتقيأ الكذب والتلفيق في حق المغرب، واستغل المناسبة لنفث سمومه من جديد.
وحده إعلامنا الرسمي العمومي بقي غير مبال بكل هذا الذي يقع بين قدميه وأغلق عيناه وفمه وأذنيه، ورمى بالأمر كله بعيدا عنه.
متى إذن يفهم مسؤولونا أن لهذا الإعلام الوطني العمومي دورا ومسؤولية لتوعية الناس وتثقيفهم واطلاعهم، وأيضا التصدي للتضليل ولمثل هذه الدعوات التحريضية وكشف زيفها وخطورتها، ومن أجل تقوية شعور الانتماء وسط الشباب؟
من جهة ثانية، لما وصل يوم الأحد وتجمع آلاف الشباب والأطفال بين الفنيدق وسبتة المحتلة ينوون الهجرة غير النظامية، صدم المغاربة لما شاهدوه في الصور والفيديوهات، وبحثوا بلا جدوى عن مسؤول مغربي أو جهة رسمية حكومية تقدم لهم معلومة أو تفسيرا لما يحدث.
ومرة أخرى تسقط حكومتنا في امتحان التواصل مع المغاربة ومع الصحافة الوطنية، وتختار الصمت والتواري إلى الخلف وكأنها غير معنية بتاتا.
لقد حضرت قوات الأمن في عين المكان وقامت بالدور الموكول لها كما في كل العالم، ولكن لم يكن هناك مسؤول حكومي سياسي ليملأ فراغ المعلومات وليتواصل مع الرأي العام الوطني وليشيع الاطمئنان والسكينة، أي ليمارس دوره السياسي والتأطيري.
في سنوات سابقة كانت الحكومة أو الدولة أو السلطات العمومية تنظم من فترة لأخرى لقاءات محدودة أو في» الأووف» أو» بريفينغ» لمسؤولي المؤسسات الإعلامية الوطنية المهنية، ويتم تزويدهم بمعلومات أو مواقف أو حقائق، وهم يتولون ايجاد الأشكال المهنية المناسبة لتعميمها، لكن ذلك كان في زمن آخر ولم يعد اليوم مفكرا فيه حتى.
وحيث أن بعض وزرائنا في هذا الزمن باتوا هم أنفسهم منبهرين بوجوه الشبكات الإجتماعية ويعتمدون عليها لتلميع صورتهم، وأحيانا يأخذونهم معهم لحضور لقاءات رسمية للوزراء بدل الكلام مع الصحافة الوطنية المهنية، ويغدقون عليهم العطايا والأموال بأشكال مختلفة، فهم اليوم لما يصطدمون بالأدوار السلبية والتضليلية لبعض هذه المواقع والوجوه، يتوارون الى الوراء ويخرسون.
لقد قلنا دائما بأن التصدي للتضليل يكون من خلال دعم الصحافة الوطنية المهنية واحترام مؤسساتها، وقلنا بأن بلادنا في حاجة إلى مخطط استراتيجي وطني من أجل إعلام وطني، مكتوب ورقمي وسمعي- بصري في مستوى المطروح عليها من تحديات ورهانات، وهذا لن يتحقق بدون الكلام مع المهنيين، وبدون الاعتماد على المهنيين، وبدون احترام المنظمات الجادة الممثلة للمهنيين.
أيها» لفهايمية» جدا حوالي مهنتنا والقابضين على أمورها:
أين المنابر المفضلة لديكم والمغدق عليها بسخاء؟ هل نجحتم في جعلها تبدو ذات مصداقية في نظر الناس؟
هل تنفع اليوم المغرب في مثل هذه الامتحانات الصعبة؟
لقد فشلتم في جعل إعلامنا العمومي الرسمي حاضرا في انشغالات المغاربة ومتفاعلا معها
لقد فشلتم في دعم وإسناد الصحافة الوطنية المهنية ذات الجدية والتاريخ والمصداقية ووضوح النظر الوطني لتلعب دور التأطير والتوعية والتصدي للتضليل، بل إنكم حاربتموها بقوة.
مقابل ما سبق، دعمتم ومولتم مواقع التفاهة والتضليل والتزييف والقذف والسب، وذلك من دون ان تنجحوا في جعل المغاربة يثقون فيها، ولكنكم أنتم من تخشون اليوم سلاطتها عليكم ووضعتم أنفسكم رهائن لديها.
وقبل كل هذا وبعده، أنتم لا تخرجون للكلام مع المغاربة ولا تتواصلون مع الصحافة الوطنية التي تحترم نفسها، ولا تبنون لكم أي حضور سياسي وتواصلي وسط المغاربة في مثل هذه الأزمات، لأنكم بلا مصداقية، ومن دون قدرات و.. كفاءة.
المغرب الذي يعتزم الإقدام على كثير أوراش، وحقق منجزات، وتنتظره تحديات جوهرية، لا يستحق فعلا كل هذه التفاهة التي تلف عنق الاعلام والصحافة، ولا يستحق تدبيرا ارتجاليا كارثيا لمثل هذا الملف كثير الحساسية وبالغ الأهمية في عالم اليوم.
الأزمة التي وقعت في الفنيدق فضحت هذا الفشل الحكومي في الصحافة والإعلام والتواصل الحكومي مع المغاربة.
من يمنح لحكومتنا ووزرائنا ذرة حياء؟
محتات الرقاص