كشفت “الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة ” أن سنة 2023 شهدت نقص ما يقارب 400 دواء في الصيدليات بالمغرب، نصفها من إنتاج ما أسمته الشبكة بـ”الشركات الاحتكارية”، فيما لم تخرج سنة 2024 عن القاعدة في فقدان عدد كبير من الأدوية، كنقص مخزون أدوية أمراض القلب والشرايين وأمراض نفسية وأمراض نادرة.
وكشف تقرير جديد للشبكة، توصلت بيان اليوم بنسخة منه، عن اختلالات خطيرة يعرفها قطاع صناعة الأدوية بالمغرب، تنعكس على صحة المواطن الذي يعاني الأمرين جراء ارتفاع أسعار الدواء والنقص الكبير في المخزون، في وقت تحقق فيه الشركات المصنعة أرباحا طائلة.
وذكر التقرير أن سعر دواء التهاب الكبد الفيروسي، على سبيل المثال، يبلغ ما بين 3 ألاف درهم و6 ألاف درهم، في حين لا يتجاوز سعره 800 درهم في مصر، وأن هناك اختلافا كبيرا بين أثمنة نفس الدواء المستورد تحت علامات تجارية مختلفة، بل إن بعض الأدوية الجنيسة سعرها يفوق سعر دواء أصيل في بعض الدول.
وكان الوزير المنتدب المكلفة بالميزانية، فوزي لقجع، قد أقر ضمنيا بهذه الاختلالات، الأسبوع الماضي، خلال عملية التصويت على الجزء الأول من مشروع قانون مالية 2025، حيث تطرق إلى ظاهرة ارتفاع أسعار الأدوية بالمغرب، مقارنة مع عدد كبير من دول العالم بحوالي 4 مرات، وقدم مثالا على ذلك بأن “هناك أدوية تستورد منذ عشر سنوات بسعر 10 دراهم، ويتم بيعها في المغرب بـ70 أو 80 درهما”، مطالبا “بتجنب احتكار السوق من طرف الشركات المصنعة لهذه الأدوية”.
وفي نفس الاتجاه، يمكن إدراج تصريحات أمين التهراوي، وزير الصحة والحماية الاجتماعية، المعين حديثا، والذي قال، الأسبوع الماضي كذلك، خلال مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة الصحة، ضمن لجنة القطاعات الاجتماعية، إن مراجعة “أسعار الأدوية وهوامش الربح أصبحت مسألة ضرورية؛ وذلك لما تشكله من خطر على ديمومة صناديق التأمين”، و”اعتبارا لمحدودية طريقة تحديد أسعار الأدوية المعمول بها حاليا؛ بالنظر إلى نوعية الأدوية الجديدة باهظة الثمن وما تشكله من تحديات ناجمة عن تعميم التأمين الإجباري عن المرض”.
وعبرت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، في تقريرها، عن استغرابها لاستمرار استفادة ما أسمته “اللوبي الاحتكاري” لصناعة الأدوية بالمغرب من الحماية والتحفيزات القانونية والضريبية، وذلك على الرغم من صدور تقارير عن مؤسسات دستورية ولجان تقص مختلفة، حول الاختلالات في تدبير منظومة الأدوية بالمغرب، وكان آخرها التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات حول السياسات الدوائية، الذي صدر في مارس 2023 ووقف التقرير على مجموعة من الاختلالات بينها وجود 25% من الأدوية في وضع احتكاري.
وكشف تقرير الشبكة أن صناعة الأدوية بالمغرب واصلت نموها خلال السنوات الأخيرة حيث بلغ حجم مبيعاتها السنوية ما يقدر بـ17 مليار درهم سنة 2024، وذلك على الرغم من عدم توفر أرقام حقيقية عن أرباح شركات الأدوية التي تحقق أرباحا كبيرة جدا، كما يقول التقرير، مضيفا أن حصة الدواء الجنيس تمثل أقل من 40% من مجموع الأدوية المستهلكة، وأن الهيمنة مازالت للدواء الأصلي الذي يظل باهظ الثمن، مقارنة بالمعدل الدولي (58%، و(70%) في فرنسا، و(80%) في ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
وأكد التقرير، في نفس السياق، أن الفاعلين الوطنيين قادرون على إنتاج ما لا يقل عن 50% من الأدوية التي تظهر في المراكز العشر الأولى، من حيث الحجم وقيمة الأدوية المستوردة. لكنهم يفضلون العمل على استيرادها وبيعها بسعر أعلى ثلاثة وأربعة إلى عشر مرات عن مثيلاتها في بلدان المنشأ.
وأضاف التقرير أنه على الرغم من إعفاء الأدوية والمواد الأولية التي تدخل في تركيبها من الضريبة على القيمة المضافة بنسبة 7% منذ فاتح يناير 2024، فقد ظلت شركات صناعة الأدوية في المغرب تراكم الأرباح على حساب جيوب المواطنين وصحة وحياة المرضى، وتفرض عبئا ثقيلا سواء عند شرائها مباشرة من الصيدليات أو من خلال تغطيتها بتعويضات صناديق الحماية الاجتماعية، حيث يبقى هامش الربح في المغرب مرتفعا جدا بل يعتبر ثاني أكبر هامش ربح في دول شمال أفريقيا ودول البحر الأبيض المتوسط، وهو الأمر الذي عبر عنه تقرير سابق لـ”كنوبس” وإدارة الجمارك بأن بلادنا تعد بمثابة “جنة الأسعار الباهظة للدواء التي تستفيد منها الشركات المتعددة الجنسيات، مما يعمق نزيف احتياطاتنا من العملة الصعبة ويعرقل مسيرتنا نحو التغطية الصحية الشاملة”.
كل ذلك يجعل المواطن تحت رحمة التكاليف الباهظة للدواء على الرغم من الجهود المعلن عنها في العقد الأخير لمراجعة السياسة الدوائية، علما أنه في إطار تعميم الحماية الاجتماعية والتأمين الإجباري الأساسي عن المرض، لوحظ في السنوات الأخيرة ارتفاع متوسط الاستهلاك الوطني للأدوية إلى 580 درهما للفرد سنويا. وإجمالا، يبلغ إنفاق المغاربة على الأدوية حوالي 21.468.4 مليون درهم، كما يقول ذات المصدر. كما أن تعويض مصاريف الأدوية يتم على أساس 70 في المائة من سعر الدواء الجنيس ويتحمل المنخرط نسبة هامة حينما يوصف له دواء أصيل.
وبجانب ارتفاع أسعار الأدوية تعاني فئة واسعة من المرضى وأسرهم من فقدان أدوية في المستشفيات والسوق الوطنية بسبب سوء تدبير مخزون الأدوية من طرف الشركات المستوردة للأدوية التي لا تحترم القانون المتعلق بتدبير المخزون الأمني مما يؤدي إلى نفاذ مخزون بعض الأدوية الضرورية لضمان الأمن الدوائي.
ونبه التقرير إلى أن ارتفاع أسعار الأدوية لا يثقل فقط كاهل الأسر المغربية، بل يهدد أيضا، على المدى القريب والمتوسط، توازن نظام التغطية الصحية وموارد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي كهيئة تدبير موحدة للنظام الأساسي، بما أن الأدوية تشكل مكونا جوهريا من مكونات تكلفة النظام الصحي في المغرب، إذ مثلت سنتي 2022 و2023 حوالي 40٪ من تكلفة النظام الصحي المغربي، وبالمقارنة مع بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) فهي تبلغ فقط نسبة 18٪.
ومن أجل وضع حد للفوضى التي يعرفها القطاع، دعت الشبكة إلى تدخل حاسم من صناع القرار السياسي لوضع حد للاحتكار، وللأسعار الباهظة على المواطن المغربي، والنفخ غير المشروع في حسابات شركات الدواء متعددة الجنسية، وذلك من خلال إصلاح المنظومة القانونية للأدوية والصيدلة وتعديل عيوبها وثغراتها، وتشجيع الصناعة الوطنية والاستثمار الوطني في الأدوية واللقاحات والمستلزمات الطبية لتحقيق السيادة الصحية والدوائية الوطنية، ومراجعة النظام الضريبي وفرض رسوم جمركية على الأدوية المستوردة ومراقبتها ومحاربة الاحتكار، وكذا مراقبة أسعار الأدوية عن طريق وضع معايير محددة سلفا يتم مراقبة تأثيرها كل سنتين على الأقل. كما طالبت بالإسراع بتنزيل القانون رقم 22-10 والمراسيم التطبيقية للوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الصحية الموكول لها إعداد السياسة الدوائية الوطنية والإسهام في تنفيذها وتتبعها وتقييمها.
سميرة الشناوي