النيابة العامة تقيّد حقوق الجمعيات في الدفاع عن المال العام

في سابقة مثيرة، قرّرت النيابة العامة بمراكش مؤخّرا حفظ الشكاية التي تقدّم بها الفرع الجهويّ للجمعيّة المغربيّة لحماية المال العام بخصوص وجود شبهات فساد، بعلة عدم توفر الجمعية على الوصل النهائي الذي تماطل وزارة الداخلية في منحه لبعض الجمعيات. الواقعة  التي نشرتها ” المفكرة القانونية”، أثارت جدلا حقوقيا حول مدى جواز إخضاع الشكايات المقدمة من طرف منظمات المجتمع المدني لقيود إجرائية إضافية من قبيل اشتراط التوفر على الوصل النهائي وهو ما يكرّس سياسة الأمر الواقع الذي تحاول الداخلية فرضه في عدم تمكين بعض الجمعيات من وصل نهائي رغم استنفاذ الإجراءات القانونية.

حفظ شكاية لانعدام الوصل هل يكرس إفلات جناة مفترضين من العدالة؟

بتاريخ 19 أبريل 2024 نشر رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام بلاغا للرأي العام أكد فيه أن “الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بمراكش اتّخذ قرار حفظ شكاية الفرع الجهوي بشأن شبهات فساد بعلة أن الجمعية لم تدل بالوصل النهائي للجمعية والذي ترفض وزارة الداخلية تسليمه لها لحدود الآن رغم إيداع ملفّها القانوني لدى السلطات مند سنة 2014، طبقا لمقتضيات الفصل 5 من قانون الجمعيات دون أن تبدي السلطة أي تحفّظ”.وتساءل البلاغ: “هل يحقّ للوكيل العامّ للملك حفظ شكاية الجمعية استنادا إلى علّة كون الفرع الجهوي للجمعية لم يدلِ بالوصل النهائي؟ .ألا يشكل ذلك من الناحية القانونية إنكارا للعدالة وسببا مباشرا لإفلات جناة مفترضين من العقاب مع العلم أن قانون المسطرة الجنائية يفرض على النيابة العامة فتح بحث قضائي ولو تعلق الأمر بوشاية مجهولة ؟ .هل صفة المبلغ أو المشتكي تعتبر محددة لفتح بحث قضائي بخصوص وقائع تفيد وجود شبهة فساد وتبديد المال العام أو أية جريمة أخرى أم أن الصفة لا تناقش إلا حين عرض الملف على القضاء وتنصيب الجمعية نفسها طرفا مدنيا انطلاقا من المادة 7 من قانون المسطرة الجنائية؟”.

تعليقا على هذه الواقعة، قال المحامي بهيئة الرباط  محمد ألمو ،إن التبليغ عن أمور مشبوهة تخص المال العام لدى القضاء ينطلق أساسا من شكلين؛ الأول يتعلق بالشكاية التي تتم مباشرة من المتضرر أو الجهة المتضررة إلى النيابة العامة للنظر في الموضوع، في حين إن الشكل الثاني يرتبط أساسا بتقديم الوشاية من قبل الأطراف غير المباشرة في القضايا إلى الجهة القضائية نفسها”. وأضاف أن “للنيابة العامة الحقّ في فتح تحقيق في الوشاية المتوصّل بها للنظر في صحتها ومدى توفر إثباتاتها، وهو ما يصل إذا لم تتوفر هذه الاثباتات إلى درجة وشاية كاذبة، الأمر الذي شددت عليه نصوص القانون الجنائي المعمول بها وعلى عقوباته”.

وأردف قائلا: “إن جمعيات حماية المال العام يمكنها تقديم الشكايات والوشايات لدى النيابة العامة بخصوص اختلالات مفترضة ومرتبطة بالمال العام”، موضحا أن “القانون المغربي لا يؤطر نظامية ومشروعية تموقُع هذه الجمعيات ضمن المساطر القانونية المرتبطة بالمال العام”، كما أنه “من الناحية الحقوقية والديمقراطية، فإن المواطنين وجمعيات المجتمع المدني مدعوون إلى الانخراط في المسائل المرتبطة بالسياسات العمومية والأداء الوظيفي للمرافق العمومية، بالنظر إلى كون ذلك منصوصا عليه دستوريا”.

التضييق على عمل المنظمات غير الحكومية استباقا لمراجعة القانون الجنائي وقانون الجمعيات

موقف النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بمراكش في حفظ شكاية جمعية حماية المال العام لعدم إدلائها بالوصل النهائي، أعاد إلى الواجهة محاولة وزير العدل الحالي عبد اللطيف وهبي في توقيت سابق فرض قيود على حقّ المنظمات غير الحكومية في تقديم بلاغات إلى النيابة العامة، حيث تحدث بمجلس المستشارين عن “تعديل مرتقب على قانون المسطرة الجنائية سينصّ على أن وزير الداخلية هو من له صلاحية وضع شكايات لدى النيابة العامة بشأن اختلاس المال العام وليس الجمعيات”، وأضاف: “إن هناك من ليس له وجود قانوني ولم يعقد جمعا عاما ويقول إنه رئيس لجمعية حماية المال العام، وهناك ابتزاز، وعندما يترشح أي شخص، ترفع ضده شكايات كيدية، ويبقى سنتين وهو أمام المحاكم”، مشيرا إلى أن “الأحزاب لن تجد مرشحين للانتخابات في المستقبل”، مستطردا: “لا يمكن لأي كان تقديم شكاية ضد أي شخص، إلا إذا كان هو مصدر المال” ليتابع بالقول “إن متابعة المنتخبين من طرف جمعيات حماية المال العام يجب أن تتوقف، لأن متابعة أموال الدولة هو شغل الدولة، فيما يقتصر دور المواطن على إبداء الملاحظات”.

من جهته، اعتبر رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان  عزيز غالي أن تصريحات وزير العدل تكرس عدم مراقبة المجتمع المدني لحاملي المسؤوليات، وهو  تدخل فادح في عمل السلطة القضائية وفي حق تقديم الشكاية المكفول لجميع المواطنين، متسائلا إن كان “عبد اللطيف وهبي” يتحدث باعتباره وزيرا للعدل أم كرئيس لإحدى البلديات -في إشارة ضمنية لكون وزير العدل يجمع بين صفتين أحدهما باعتباره عضوا في الحكومة، والثانية باعتباره رئيسا بلدية -.وطالب المتحدث الوزير بتقديم توضيحات بشأن اتهاماته بشأن “ممارسات أشخاص ضمن جمعيات حماية المال العام”، مؤكدا أنه “معني بتقديم شكايات والتبليغ عن هذه الحالات في حال توفره على دلائل، وإلا فهو يتستر عليهم”.

دور منظمات المجتمع المدني في مكافحة الفساد: ماذا تقول المعايير الدولية؟

يعترف القانون الدولي لحقوق الانسان بالأدوار الإيجابية التي تلعبها الجمعيات والمنظمات غير الحكومية ومختلف مكونات المجتمع المدني في دعم جهود مكافحة الفساد، وفي هذا الإطار تنص المادة 13 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد على ما يلي: “تتخذ كل دولة طرف تدابير مناسبة …لتشجيع أفراد وجماعات لا ينتمون الى القطاع العام، مثل المجتمع الأهلي والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، على المشاركة النشطة في منع الفساد ومحاربته، ولإذكاء وعي الناس فيما يتعلق بوجود الفساد وأسبابه وجسامته، وما يمثله من خطر..”

ويؤكد القرار 24/5 لمجلس حقوق الانسان حول الحق في حرية التجمع السلمي وفي تكوين الجمعيات المعتمد بتاريخ 8 أكتوبر 2013، على أهمية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات من أهمية للإدارة الرشيدة، بما في ذلك من خلال الشفافية والمساءلة، كما يذكر نفس القرار بالأهمية البالغة لمشاركة المجتمع المدني بنشاط في عمليات الإدارة التي تؤثر على حياة الناس.

وفي نفس السياق اعترف مجلس حقوق الانسان في قراره بتاريخ 9 أكتوبر 2013 حول “الحيز المتاح للمجتمع المدني تهيئة بيئة آمنة ومواتية والحفاظ عليها، قانونا وممارسة” بالأهمية الحاسمة لمشاركة المجتمع المدني بنشاط على جميع المستويات في عمليات الحكم وفي تعزيز الحكم الرشيد، بإجراءات منها الشفافية والمساءلة.

وكان المجلس الوطني لحقوق الانسان قد دعا في مذكرته حول مراجعة قانون المسطرة الجنائية الى توسيع دور المنظمات غير الحكومية في اللجوء إلى القضاء الجنائي بشأن مختلف القضايا التي تهم الصالح العام، كما دعا إلى حذف شرط مدة أربع سنوات الواجب توفرها بالنسبة للجمعيات المعترف لها بالمنفعة العامة لتنتصب كمطالب بالحق المدني بشأن أي جريمة تخص مجال اهتمامها المنصوص عليه في قانونها الأساسي، مقترحا في مذكرته حول مراجعة قانون الجمعيات، التنصيص على إمكانية الإيداع الإلكتروني لوثائق التصريح بتأسيس الجمعية أو تجديد مكاتبها، وذلك في اطار إضفاء الطابع اللامادي على الإجراءات المتعلقة بمختلف أعمال الحياة الجمعوية، بعدما رصد في تقاريره السنوية استمرار الإدارة في رفض تسلم الملفات القانونية لتأسيس الجمعيات أو تجديد هياكلها، و رفض منحها وصل الإيداع القانوني المؤقت أو النهائي، من دون مبررات.

Top