بعد 4 أشهر من الاحتجاج.. الشباب كسر حاجز الخوف وألغى رعب التوريث

ثورة اليمن قطعت مع العنف وجمّعت الفرقاء حول الدولة المدنية
في حين ظهرت بوادر عدم اقتناع لدى شرائح كبيرة وسط الشباب المعارضين للرئيس علي عبد الله صالح ونظامه، إلا أن البعض يتحدث اليوم بلغة المتفائل المنجز. يتداول الشباب الطامح أنّ الثورة أنجزت الكثير، بدءًا من إسقاط فكرة التأبيد للرئيس صالح ومصطلح «قلع العداد» للفترات الرئاسية الذي أطلقه رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الحاكم سلطان البركاني.
كما يشير المهتمّون إلى أنّ خروج الشباب أنجز مبدأ رفض «التوريث» الذي كان طاغيًا على الساحة السياسة، وحاول إنهاء الحياة السياسية، إضافة إلى تأسيس فكرة الرفض والنزول إلى الشارع بسلمية وإلغاء صورة اليمني المسلح من أذهان العالم، إضافة إلى عدم الملل، حيث لا يزال الملايين يتدفقون على الساحات، سواءً في أيام الجمعة أو سواها.

تسامح وطرد للخوف
كثير من الإنجازات يتحدث عنها الدكتور محمد الظاهري رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة صنعاء،  في تصريحات صحفية، مشيرًا إلى أن «الثقافة اليمنية كانت ثقافة مخيفة وثأرية، وشعب مسلح، وحروب قبلية، لكن هذه الصورة انحسرت كثيرًا».
يضيف الدكتور الظاهري: «رغم أن ثورتي تونس ومصر تعتبران محفزتان لليمنيين للقيام بثورتهم، ولكن أريد القول إن «الثورات لا تستورد، وإنما تستلهم».
ورأى أن «من أهم المنجزات للثورة الجديدة أنها عززت أولاً ثقافة التسامح والسلمية، فحين ترى ساحة التغيير ترى أن ثقافة سلمية تتخلق، وتجد القبائل التي حضرت إلى الساحة بدون أسلحتها، وهي قبائل أنهكت من الحروب، جاءوا ينشدون الدولة المدنية الحديثة».
وتابع: «القبيلة حضرت بإيجابياتها، وغابت ثقافة العنف، حضرت ثقافة السلمية والتسامح، والاعتراف بالآخر، والهوية الوطنية، وانصهرت الأبعاد المناطقية في هذه الساحات».
وأشار إلى أن الوحدة الحقيقية تجددت «بعدما كنّا نعيش وحدة سياسية بين الشمال والجنوب، ومنقسمين روحيًا ووجدانيًا، وعززت الثورة روح الوحدة، وحضرت مع الهوية اليمنية والنشيد الوطني، الذي يتردد في الساحات، والعلم الوطني الذي ملأ الساحات».
ويعتبر الظاهري أنّ «من أهم إنجازات الثورة أنّ الشباب كسروا حاجز الخوف وأخافوا الخوف عينه، ورأينا الخليط اللامتجانس من المتعلم إلى الأمّي إلى الشمالي والجنوبي، ومن الريفي إلى المدني يهتفون بالتغيير وبناء دولة مدنية».
وأورد: «الثورة استحضرت كل ما هو إيجابي في البلاد، وأتحدث على وجه الخصوص عن ساحات التغيير، حيث انكسرت الخطوط الحمراء، وخرج الناس، وكثير منهم موظفون، ولم تعد الوظيفة تهمهم».
وأوضح: «الثورة اليمنية لم تكن ثورة خبز، كما يعتقد البعض، بل هي ثورة كرامة وحقوق.. ثورة بحث عن يمن جديد تسوده المساواة، والعدالة، والحرية، والمواطنة المتساوية».
على جانب جانب آخر، قال الظاهري إنّ الثورة طوال الأربعة شهور الماضية «أصبحت بمثابة مصدر من مصادر التنشئة السياسية المهمة.. كنت أنتقد قبل هذه المرحلة الشعب بأنه زاهد في البحث عن الحقوق والحريات، لكن هذه الثورة جعلت كل أولئك الذين كانوا يتألمون بصمت يعبّرون بكل قوة طلبًا لبناء يمن جديد».
ورأى أنّ «الشباب أسسوا سابقة ديمقراطية في النزول إلى الساحات، ولن يستطيع أي حاكم يرتدي جلبابًا ديمقراطيًا كاذبًا أن يخدعهم، فهم قد تعودوا النزول والرفض الآن.

شرعية حقيقية ومرحلة تشييد
وأضاف أستاذ العلوم السياسية: «أسست هذه الشهور الأربعة للشرعية الدستورية الحقيقية، وليس لشرعية الانقلابات أو التزوير، أو أي من هذه الصور، وسادت مصطلحات كثيرة يتداولها الشباب اليوم من دولة مدنية حديثة وأنظمة حكم جديدة وقضاء نزيه لا يرتبط بالأشخاص، وغير ذلك».
حول المنحى السياسي، تحدث الظاهري عن المراحل منذ العام 1990، حيث قال «إن تحقيق الوحدة جاء بفكرة «التحديد»، تحديد فترة الرئاسة، ولكن تلك الفترة أنتجت ثقافة غير ديمقراطية، وانتقلنا من فترة «التحديد»، ولم تطل هذه المرحلة، وانتهت في 1994، ثم انتقلنا إلى مرحلة «التمديد»، وتم التمديد للرئيس إلى العام 1999 بدون أي إجراء ديمقراطي، ثم انتقلنا إلى مرحلة «التأبيد»، من منطلق ما أسمي بـ «قلع العداد»، وإبعاد تحديد الفترات الرئاسية الذي كان ينشده الحزب الحاكم وبعدها «التجديد»، لكن الشباب أنهوا هذا المسلسل، وبدأوا فكرة «التشييد» التي تنشد بناء يمن جديد آخر مختلف، بنظام سياسي جديد».

توافق على القيم وشراكة قوية للمرأة
من جانبه، قال عضو اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية على العماد لـ «إيلاف»: «مع إيماني الكامل بأننا مازلنا في المراحل الأولى من الثورة، لكن أقول إن الثورة رسمت لوحة جميلة حول توافق الشعب اليمني على قيم سامية خرجت إلى الساحات كالعيش المشترك بمستوييه المادي والمعنوي».
وتحدث العماد عن «التضحيات التي تجلت في صمود أسر الشهداء» موردًا بعض النماذج التي تثير الاعتزاز، حسب قوله، «من بين هذه الوجوه أم لأحد الشهداء، تحدثت في الساحة أمام الحشود عن أنها كانت قد فقدت ابنها الوحيد وقامت بإهداء سوار ذهبي كانت اشترته له هدية زواجه فأهدت هذا السوار إلى الشباب في الساحة».
وأضاف: «من أبرز الصور الجميلة للثورة هي محافظة الشباب على سلميتهم ظهرت جلية لليمنيين والعالم كقيمة فريدة، ولم نعهدها خلال العقود الماضية، وخرج الشباب بصدور عارية، ليتم مواجهتهم بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة».
ورأى أن «من أبرز ملامح القيم التي أخرجتها الثورة إلى العلن هي مشاركة المرأة مع الرجل بشكل واسع مع المحافظة على القيم الرفيعة، وظهرت المرأة سندًا قويًا وشريكًا فاعلاً في هذه الثورة».
وتابع: «كشفت الثورة عن الوجه الجميل لأبناء المحافظات الجنوبية وأبناء صعدة، الذين تم تصويرهم من السلطة على أنهم مجرد حملة سلاح يواجهون الدولة، وأظهروا وجهًا مشرقًا».
كما أشار علي العماد إلى أن «الشباب أظهروا مهارات استهلكت في السابق في سياق البحث عن لقمة العيش، فظهر النحات والرسام والفنان والمغني والموسيقي والمبدعون والشعراء».
واتفق مع الدكتور الظاهري على انّ «الناس استشعروا قيمة حب الوطن وقيمة السلام الوطني وكيف يحافظون على الممتلكات، إضافة إلى القبول بالآخر».
ورأى أن هذه الأشهر الأربعة أفرزت نضجًا سياسيًا، واقتنع الناس بأن من سيحكم البلاد هو من يستطيع إدارتها بناءً على قدرته وكفاءته، وليس شيء آخر.
في هذا السياق، قال إن «هناك وعيًا سياسيًا كبيرًا، حيث أصبح من غير المقبول التحدث عن أي أطروحات من قبيل التمديد والتأبيد وقلع العداد والتوريث وغيرها، وأصبحت هذه المصطلحات بلا معنى».
وختم حديثه بأنه «لم يعد الآن هناك إمكانية لغير الدولة الجديدة، وقانون انتخابات جديد، ودستور جديد، وآلية إدارية وانتخابية جديدة، وتغيير النظام إلى برلماني، بدلاً من رئاسي يصنع ديكتاتوريات».

Top