حاوره: الحسين الشعبي
> بصفتكم رئيسا للنقابة المغربية لمحترفي المسرح كيف ترون تصويت مجلس النواب بالإجماع على مقترح تعديل قانون الفنان والمهن الفنية؟
< لا يمكن إلا أن نراه حدثا إيجابيا ومميزا لعدة أسباب: أولها أنه جاء استجابة لرغبات العديد من المنظمات المهنية ومنها النقابة المغربية لمحترفي المسرح. زيادة على ذلك فقد كان لنا شرف الترافع من أجله لمرات عديدة وقد قمنا بالعديد من اللقاءات والدراسات والورشات في موضوعه، وكان بالنسبة لنا من محاور اتفاقية التؤأمة التي وقعناها بباريس مع النقابة الفرنسية لفناني الأداء في إطار أنشطة الفيدرالية الدولية للممثلين وبرامج التنمية النقابية داخل الفيدرالية التي تدعمها النقابة السويدية للفنانين، زيادة على ملف تدبير حقوق المؤلف والحقوق المجاورة ومحور آخر مرتبط بالهيكلة النقابية… كما قمنا بتنظيم ورشتين دوليتين هامتين بالرباط وطنجة في الموضوع ذاته، من خلال طرح أسئلة دقيقة ومحددة وطرحها للنقاش بين الخبراء المغاربة والأجانب حتى يتسنى لنا الخروج بخلاصات مدققة تعتمد المنهجية المقارنة من جهة وخصوصية الممارسة الفنية المغربية من جهة أخرى، كما أن الخلفيات الدستورية كانت حاضرة أيضا، كما كانت ترافعاتنا نتيجة لعمل لجن مشتركة مع وزارات متعددة كوزارة الثقافة ووزارة الاتصال، كما ينبغي التذكير بمحطة الكتاب الأبيض للسينما المغربية الذي ينزل قانون الفنان جزء كبير من توصياته، ولقاءات متعددة مع خبراء وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية، وقرارت المجالس المركزية لنقاباتنا. زيادة على عمل جبار وترافعي قامت به نقابات أخرى من أجل أن تتم هذه الخطوة الهامة كالنقابة المغربية للمهن الموسيقية والنقابة الحرة للموسيقيين المغاربة والفيدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة واتحاد كتاب المغرب وجمعية خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، وغيرها سواء في هذا الملف أو ملفات أخرى.
> هل معنى هذا أن هذا المقترح هو من إنتاجكم إلى جانب نقابات أخرى؟
< لا.. يجب أن نميز ما بين الترافع وبين صياغة القوانين. نحن إلى جانب حلفائنا في المجال النقابي الفني نشتغل كقوى ترافعية واقتراحية أكثر مما نشتغل كقوى احتجاجية أو مطلبية، بمعنى أن وعينا بالشرط التاريخي الذي نجتازه يجعلنا نفكر أن لدينا العديد من الفراغات القانونية التي ينبغي ملؤها، لأن حقوق الفنانين رغم واقعيتها هي غير ممكنة التنفيذ في غياب قوانين مدققة، لأنه بالفعل ليست هناك مع الأسف قوانين دقيقة تحميه. ولذلك فمرحلة الهيكلة القانونية والمؤسساتية تفترض مساهمة في التفكير الجماعي مع الدولة والمنتخبين من أجل بناء أسس قانونية ومؤسساتية تحمي الفنان وتقوي الممارسة الفنية والثقافية بشكل عام، من هنا قد نكون مفيدين في ترافعاتنا إزاء المشرع، إذ لا نتوقف عند عرض الشكاوى والمطالب، بل نساهم في اقتراح الحلول والمسالك القانونية لذلك. ولذلك يجب التمييز بين الترافع من خلال اللقاءات المباشرة والدراسات واقتراح السيناريوهات وتقديم المذكرات والاستشارات من جهة وصياغة القانون من جهة أخرى، والذي قامت به الأغلبية النيابية مشكورة وقد قامت بعمل جبار تشكر عليه. كما أن مساهمة خبراء وزارة الثقافة كانت مفيدة أيضا.
> هناك بعض الأصوات ترى أن المنهجية التي تم بها هذا القانون كانت متسرعة؟
< أبدا. بالعكس تماما.. الموضوع أخذ وقته الكافي، ربما من يقول عكس ذلك لم يكن مهتما ولا متتبعا لمجريات الأمور أو كان مستصغرا للموضوع. هذا نقاش دام ما يفوق العقد من الزمن أي بعد صدور قانون 2003 وتحركات النقابات الجادة من أجل التغيير كانت واضحة. لكن كلامها ربما لم يكن مفهوما، لأن هناك إشكالا حقيقيا في هذا الملف في المغرب، الكل يشتكي ولكن القليل فقط من يجتهد لتقديم الحلول. وكثيرا ما تتحول الندوات والورشات واللقاءات التلفزيونية إلى مأتم تستعرض فيه حالات بعض الفنانين في وضعية صعبة قصد الحصول على حلول فردية… يجب أن تحل مشكلة فلان أو علان، أحمد لم يحصل هذه السنة على دعم وزيد لم يستقبله الوزير وعمر له مشكلة مع مدير التلفزة وعبد النبي هرب منه مدير شركة الإنتاج ولم يدفع له مستحقاته… هذه في الواقع مجرد تجليات لغياب التنظيم والتقنين، ومجرد خلط بين وضعية الفنان الاعتبارية العالية من جهة، وواقعه السوسيولوجي والطبقي والقانوني الكارثي من جهة أخرى. الفن مصنف من قبل منظمة العمل الدولية، يا سادة، ضمن المهن الخطرة وغير المؤمنة اجتماعيا، وممتهنها معرض للمخاطر الاقتصادية مهما بلغت درجة شهرته ورمزيته وسمعته خصوصا إذا كانت الممارسة الفنية مصدر رزقه. ولذلك قد يكون له اليوم رأي لأنه في وضع قوة وسيتغير رأي نفس الشخص عندما يكون في وضع آخر… إلا أننا نلاحظ أن عددا كبيرا من فنانينا الكبار يسقطون في الفاقة في مرحلة ما من مراحل مسارهم؟ ما السبب؟ السبب في طبيعة المهنة وليس مرتبطا بهم أو بإرادتهم. ولذلك يجب أن يؤطر القانون عملهم وأن يوفر لهم آلية للاقتطاع من عملهم وأن تكون لهم نقابات قوية تدافع عنهم في إطار من التوازن بين المقاولة والفنان، وأن تكون لهم عقود نموذجية وآلية للتفاوض الجماعي وأن نميز ما بين الوضعيات لتحديد مناطق التدخل إلى غير ذلك. عندما نفكر في الموضوع من هذه الزاوية نجد أن هناك فرقا كبيرا بين وضعية الفنان الرمزية ووضعيته من الناحية الاجتماعية… لذا أعتقد أن النقاش الدائر لما يزيد عن العقد كان مزدوجا بين خطاب للتشكي وللانتظارية، وخطاب للتقنين والتنظيم يسعى لحل الإشكال من أساسه؛ بين خطابات فردانية محصورة في الدعم الذي هو مجرد قرارات وزارية أو قرارات مشتركة، وبين خطاب يسعى لتوفير قانون إطار ينظم المهن الفنية كلها وليس المسرح أو أي فن آخر لوحده.
ثانيا لما طرح مقترح القانون استشيرت فيه المنظمات المهنية وأدلت برأيها عبر مقترحات تعديل، ومن العبث الاعتقاد بأن المنهجية التشاركية تتطلب استشارة الفنانين واحدا واحدا، هذا عمل من المفروض أن تقوم به الهيئات المهنية داخل هياكلها، وأن تكون لها تصورات مسبقة إذا كان الأمر يهمها، وأن تبدي مواقفها وطلبات تعديلها عبر مذكرات، إن لم يعجبها ما عليها سوى تقديم البديل. أما وأن تكون غير مبال بالموضوع بالمرة أو أن تكون الهيئة المهنية عبارة عن إخوانيات لا تفكر إلا في مصالح ضيقة لدائرة ضيقة من أعضائها، أو ألا يكون هناك أي مقترح أولي تطرحه جهة حكومية أو البرلمان، أي نجتمع على ورقة بيضاء، فهذا قمة العبث.. الأمر يتعلق بقانون للممارسة الفنية وليس بنص فني إبداعي، إن الأمر يتعلق بتفكير رجل القانون ليساهم في حل إشكالية الفنان المهنية، ولذلك فالفنان يطرح المشاكل ورجل القانون يجتهد ويبدع لحلها. وقد قدم هذا المقترح وطرح للنقاش وتبادل الرأي، وأؤكد لكم أن الأغلبية المطلقة للمنظمات المهنية قدمت مقترحات تعديل.
> على هامش النقاش الدائر حول قانون الفنان والمهن الفنية هناك من يعتبر أن هذا القانون الجديد أسقط صفة الاحترافية عن فئة ما يسمى بالفنانين المتفرغين.. هل هذا صحيح؟
< لم يستعمل النص كلمة الاحتراف ولكن استعمل كلمة المهنية، لأن صفة الاحتراف لها مدلول مرتبط أساسا بالكفاءة. والقانون لا يمكن أن يلعب دور النقاد والجمهور والتاريخ. وليس هناك أي معيار ملموس لتمييز الناس بناء على كفاءاتهم.. كما أن الممارسة الفنية ظالمة، فالعديد من الناس قد يكونون أكفاء ولهم موهبة كبيرة لكن ذوق الجمهور أو الموضات الفنية السائدة قد لا تعترف بهم، أي أن الأذواق السائدة اليوم قد لا تعترف بفنان اليوم ويمكن أن تعترف به في وقت آخر؛ ولعل قراءة تاريخ الفن تبين أن هناك فنانين لم يعترف بهم في زمانهم، بل اعترف بهم بعد مماتهم. القانون بطبيعته براغماتي يسمي القطة قطة، والنمر نمرا، الأسود أسود والأبيض أبيض، وإلا كان القانون مجرد إنشاء وتوصيات. لأن غايته هي التنظيم والتقنين والحماية المرتبطة بشكل الممارسة وليس بالممارسة في حد ذاتها التي ينبغي أن تبقى حرة ومفتوحة، ودور القانون أن يضمن لها الشروط الدنيا من الناحية القانونية للتطور.
وحتى إذا أعطينا لمفهوم الاحتراف أي مدلول شبيه، فسنسقط في إشكال آخر وهو المرتبط باستحالة التمييز الدقيق بين الهواية والاحتراف. والقانون يحتاج التدقيق لأنه يفترض حقوقا وواجبات. الفن كونيا مستثنى من منع تراكم الدخل لكونه إبداعا وتعبيرا ومنتوج ذهن. لا يمكنك أن تمنع فنانا تشكيليا موظفا من أن يبيع لوحة أو أن يؤدي أغنية. وإذا كان فنه مطلوبا في السوق الفنية ويستدعي مدخولا، ربما قد يتجاوز مدخول فنان متفرغ فكيف سنسميه؟ محترفا أم هاويا؟ لنفكر عكس ذلك لنفترض فنانا متفرغا السبب الوحيد في ممارسته للفن هو عطالته وعدم توفره على مهنة أخرى، لنفكر ثالثا في وضعية فنان يشتغل بشكل متقطع، عندما لا يشتغل أو يشتغل بشكل مجاني ماذا سنسميه؟ عاطلا عن العمل أم هاويا؟ لنفكر رابعا في حالة فنان متفرغ لكنه يتوفر على هبة شهرية أو مشروع مذر للدخل القار أو يمارس عملا غير فني بشكل متقطع أو يتوفر على مأذونية، ماذا سنسميه هاويا أم محترفا؟ كل هذه الأسئلة تقود رأسا إلى أن معيار التفرغ ليس دليل احترافية، كما أن ممارسة العمل بشكل متقطع ووجود عمل أصلي عرضي أو دائم أو مشروع أو هبة ليس دليل هواية. المشكل كان سيحل لو كان العمل الفني في مجال فنون العرض مبنيا على العمل الدائم في مؤسسات العروض بأجرة شهرية، والحال أنه مبني غالبا على العمل المتقطع، مما يدفع الفنانين إلى البحث عن مصادر أخرى، وهي ضرورة اجتماعية أصبحت تطالب بها العديد من النقابات عبر العالم والتي تدعو إلى ضرورة استثمار طاقات الفنانين ليس فقط في الإبداع، بل في التنمية البشرية والتكوين والعمل الاجتماعي لكي تستفيد الدولة منهم أثناء فترة عطالتهم وفي نفس الوقت أن يستفيدوا هم من الدولة فيما يخص تحسين دخلهم.
من ثمة فصفة الاحتراف مجرد صفة معنوية وليست لها قوة تنظيمية وقانونية، لأنه تعبير غير دقيق وغير إجرائي مقارنة مع خصوصية الظاهرة.. الشيء الذي لا يعني من الناحية التداولية أنه مفهوم سائد، ولا يمكن إسقاطه عن أي فنان يقر بذلك أو يقر به الغير.. التعاريف في مثل هذه الحالة تكون إجرائية بحسب أهداف القانون، ولذلك فهي لها طبيعة وظيفية.
إضافة إلى ذلك عمد القانون إلى حل ذكي لكونه لم يعتمد حتى كلمة المهنية، بل اعتمد تعبير الوضعية المهنية وصنفها حسب طبيعة العقد وتراكم الدخل الفني وغير الفني القار. وحسب طبيعة العقد أي عقد المقاولة وعقد الشغل. وصنف الوضعيات المهنية لعقود الشغل في مجال فنون العرض حيث يتحقق شرط التبعية الشغلية إلى:
– العمل وفق عقود شغل فنية دائمة وهي حالة نادرة في المغرب لكن القانون يجب أن يستشرفها؛
– عقود شغل متقطعة وهي السائدة؛
– عقود شغل متقطعة لكن ليست هي الدخل القار والأساسي لصاحبها.
ولذلك فهذه ليست صفات مرتبطة بالفنان في حد ذاته، ولكنها مرتبطة بوضعيته المهنية حصرا، والهدف يبدو جليا وهو تدقيق مناحي التدخل من أجل الحماية التي ينبغي أن تنصب أساسا على الفنان المتفرغ للممارسة الفنية والذي ليست له أية وضعية قارة، أما الفنان الذي له وضعية قارة فلن تمنعه من الإبداع أو الترشح للدعم العمومي أو التعاملات الاقتصادية التي قد يتطلبها فنه، ووضعيته الاجتماعية مضمونة، وغاية المشرع هو أن ينظم كل من يفترض أن له دخل في المجال الفني وأن يمنح المتفرغين العاملين وفق عقود محددة المدة مدخلا قانونيا للحماية الاجتماعية وإنعاش الشغل الفني في إطارات قانونية أخرى باعتبارهم أجراء ولو بعقد محدد المدة.
> ما الذي سيقع لو اقتصر القانون على الفنانين العاملين وفق عقود محددة المدة؟
< هذه أكبر كارثة يمكن أن تقع. الفنانون الذين لهم وضعية قارة حتى ولو صنفتهم هواة فهذا لن يمنع من أن يكون لهم دخل في المجال الفني، وستصبح الحقوق والواجبات مفروضة فقط على الفنان المتفرغ العامل وفق عقود محدودة، وعليه الالتزام بالحدود الدنيا للأجر الفني وأن يؤدي الاقتطاعات وغير ذلك من الالتزامات مما يعني أنه سيصبح مرتفع التكلفة مقارنة بالمتوفر على وضعية قارة الذي لن يلتزم بالقانون وما سيتبعه من نصوص تطبيقية أو اتفاقيات جماعية.. بمعنى أن القانون لو سار في هذه الاتجاه فسيكون قشرة موز من النوع الرفيع والممتاز لكل الفنانين ومستقبل الحركة الفنية بالمغرب. والخاسر الأكبر هو المتفرغ العامل بعقود محددة المدة. لذلك فالقانون يؤطر الجميع ويفرض الاقتطاعات على الجميع حماية للمتفرغين العاملين بعقود شغل محددة المدة أساسا. وبالمناسبة هذه هي ثغرة التشريعات الفرنسية في المجال. إن إدراج كل الممارسات الفنية المدرة للدخل ضمن الممارسة المهنية الغرض منها إخضاع الجميع للقانون والمراسيم التنظيمية التي ستنجم عنه أو الاتفاقيات الجماعية التي ستتبع مسطرته في حين يميز القانون الفنانين العاملين وفق عقود محدودة المدة والمشتغلين عرضيا من أجل حمايتهم اجتماعيا وفي سوق شغل مدعمة أو غير مدعمة وانطلاقا من مداخيل قانونية أخرى متعلقة بالتشريعات المرتبطة بالشغل وليس الدعم الموجه للإبداع فقط، لذلك لا ينبغي أن تقرأ هذه التصنيفات كما لو كان القانون يفترض توزيع هدايا أو ألقاب. القانون ليس مجاله النقد وحكم الجمهور، القانون ينظم الظاهرة كماهي ويفترض حقوقا وواجبات، ويتحدث لمواطن مفترض اسمه الفنان سواء كان قيد الحياة أو سيولد فيما بعد. ويتحدث عن وضعيات يمكن لنفس الشخص أن يمر منها مجتمعة في حياته المهنية.
إن المفاهيم التي يتبناها القانون وتعريفاته مفاهيم قانونية وليست فنية أو تعبيرات شائعة وهي مستمدة من قانون الشغل أو القانون التجاري وبالتالي فتعريف وضعية الفنانين المشتغلين بعقود محدودة المدة كعرضيين مرتبط بطبيعة العقود المحدودة المدة التي يشتغلون بها وهو مقابل كلمة intermittent de spectacle بالفرنسية وهي الفئة الأكثر هشاشة التي ينبغي حمايتها والقانون يميزها لهذا الغرض نظرا لطبيعة عملها المتقطع، ولا علاقة للموضوع بأي حكم على القيمة الفنية لأن الموضوع يتعلق بوضعية مهنية وشكل للتعامل الاقتصادي وليس بأشخاص.
> هناك من يقترح في الأوساط الفنية تصنيفا يميز بين مسميين: «المحترف» و»المنتسب»، لماذا لم يجنح مقترح القانون إلى اعتماد مثل هذه التصنيفات؟
< مفهوم الفنان المحترف والفنان المنتسب الذي يروج له البعض مزور، والصحيح هو عضو عامل وعضو منتسب، وهي مفاهيم نقابية / membre actif / adhérent membre وهي مرتبطة بنوعية العضوية في النقابات والحال أن الأمر يتعلق بقانون وليس بعضوية نقابية، وتطبق هذه المنهجية في حالة تمتع نقابة ما باحتكار السلطة التنظيمية على المجال وباضطلاعها بمهمة التنظيم الذاتي للمهنة عبر قوانينها الأساسية وأنظمتها الداخلية.. والنقابات المشرقية التي يستمد منها البعض هذه الأفكار هي نقابات مؤسسة بقرارت رئاسية، بمعنى ما يعادل الهيئات المؤسسة بظهير عندنا، وحتى لو افترضنا ذلك: ما هي معايير تمييز هذه الوضعيات؟ سنقع في نفس الإشكال، علما أن الهيئات التي تضطلع بالتنظيم الذاتي للمهنة، عادة ما تفترض الدبلومات أو اختبارات الكفاءة المهنية أو تراكم عدد من التراخيص… (ما ماتش غير قتلوه)… ثم إنه دستوريا لا يمكن منع أي أحد من الممارسة بمقابل، وبالتالي فلكل شخص الحق في ممارسة المهنة بشكل عرضي أو دائم وبالتالي الحق في العضوية…. وبعد ثورة الربيع العربي تواجه هذه النقابات المشرقية العديد من الدعاوى القضائية بلا دستورية العديد من بنود أنظمتها الأساسية والداخلية عملا بالمدخل الحقوقي المشار إليه سالفا.
الحل المغربي أصيل ويجب قراءة البنود المتعلقة بالتمثيلية المهنية والاتفاقيات الجماعية بشكل جيد، حيث تحترم التعددية، لكن هناك معايير لتحديد التمثيلية بناء على مجموعة من الشروط، الشيء الذي سيجعل حتى الحرية النقابية منظمة وفاعلة وقادرة على التنافس والفاعلية، سواء كانت أقلية أو أغلبية، وسيجعلها تتحمل المسؤولية بكل حرية، لكنها لا تستغلها لكي تكون مجرد جماعة ضغط تدافع عن منافع خاصة بعدد محدود من قيادييها. وهي مستعملة حصرا في التفاوض الجماعي، لأنه لا يمكن أن تدعي أنك تمثل الفنانين وأنت لا تمثل إلا نفسك، كما أن الفنان حر في أن ينخرط في نقابة أو يؤسسها أو لا. لكن هذا لا يمنع من أن يستفيد من كل المكتسبات التي تحققها النقابات رغم أنه غير منخرط، وفي نفس الوقت لا ينبغي أن يعرقل عمل الفنانين المنخرطين ونقاباتهم باتهام النقابات بأنها لا تمثله وأن يستغل رصيده الرمزي بالطعن في المنهجية الديمقراطية النقابية التي ينبغي اتباعها لتحقيق مكاسب الفنانين المشروعة بنزعة أنانية فردية فيها الكثير من تضخم الأنا. نحن بلد ديمقراطي والفنان في نهاية المطاف عليه الالتزام بالمنهجية الديمقراطية في صنع القوانين، ووضعيته الرمزية شيء والقانون شيء آخر، القانون يخاطب الفنان كمواطن له حقوق وعليه واجبات.
> في المحصلة، ما هي الحقوق التي يفترضها القانون الجديد لفائدة الفنانين؟
< هو يحل وضعية قانونية شائكة ولها خصوصية، وقد حلها قانون 2003 لكن بشكل محتشم، وبالتالي فهذا القانون الجديد يعد تطويرا ملموسا وكبيرا لمقتضيات القانون السابق، وهو يجعل من النصوص التنظيمية والاتفاقيات الجماعية آليته الضاربة في التنظيم. ستصدر عنه مراسيم متعددة وقابلة للتتطور وفق تطور الممارسة والاتفاقيات الجماعية كذلك. هو يضمن مبدئيا حق العمل والاستفادة من الخدمات الاجتماعية بالنسبة للفنانين العاملين وفق عقود شغل محددة المدة، ينظم المهن والعلاقات بين المقاولة والفنان؛ يفعل التضامن المهني عبر الاقتطاع من الأجر الفني، وبالتالي فهو قاعدة مهمة لتطور قطاع الثقافة والفنون بالمغرب، كما أنه يحدد مناطق التدخل ويحقق التلاؤم والتكامل مع قوانين أخرى ويجعلها فاعلة كقانون حقوق المؤلف والحقوق المجاروة وقانون الصناعة السينماتوغرافية وقانون السمعي البصري وغيرها، وهو أيضا قانون يشمل كل التخصصات الفنية مع تنظيمها، كما أنه ينظم عمل الفنانين المتوفرين على وضع قار بحيث يمارسون فنهم وحقوقهم بشكل منظم يراعي مصلحة الإدارة التي يعملون فيها دون أن يبخسهم حقهم في إمكانية العمل تبعا لتقديرات رئيس الإدارة في الترخيص لإنجاز الأعمال الفنية التي تضمنه العديد من القوانين الأخرى، ويجعل هذه الفئة خاضعة لمقتضيات القانون تستفيد من التسهيلات القانونية، لكن في نفس الوقت تمارس عملها الأصلي بشكل لا يضر بالمهام المنوطة بها ولا بالتنافسية في المجال الفني، وهذه مقتضيات كانت موجودة في القانون السابق. وموجودة في مجالات شبيهة كقانون الرياضة والتربية البدنية، كقطاع شبيه ووارد إلى جانب الفن، ووارد في الفصل 26 من الدستور تنزيلا للعديد من الاتفاقيات الدولية التي وقعها المغرب. كما أن هناك فئات لها وضع قار لكنها لا تشتغل بشكل دائم نظرا لطبيعة مهنتها الأصلية المبنية على نظام الحصص ولاسيما في قطاع التكوين ولاسيما التكوين الفني، بحيث لها وقت لإنجاز الأعمال الفنية دون تغيب مشروع أو غير مشروع، وهو مجال مهم لهذه الفئة لأنه مجال لاكتساب الخبرة وتطويرها. وبالتالي فالقانون ينظم الحقوق والواجبات ولا يحاربها. ويشجع عن الممارسة الفنية. وتنبني فلسفته في المحصلة على التوجه نحو منح الشروط الدنيا للفنان لكي يعيش من أجل فنه لا أن يعيش من فنه فقط وبشكل متوازن، يحترم الحرية وتسهيل الممارسة وحماية حقوق جميع الأطراف ولاسيما الحقوق الاجتماعية بالنسبة للفئات التي تعيش من عائدات الممارسة الفنية، وتحصين المنافسة الشريفة بين كل الفئات.
> هناك من يقول بأن القانون يجب أن ينطلق من الرسالة التي وجهها المرحوم الحسن الثاني إلى المناظرة الوطنية للمسرح الاحترافي؟
< العكس هو الصحيح، فالقانون سيهيء لمقتضيات ومضامين الرسالة الملكية المذكورة شروط التحقق، إذ إن سبب تعطيل تنفيذ الرسالة الملكية لجلالة المغفور له الحسن الثاني يعود أساسا، في تقديري، إلى عدم فهم مغزاها باعتبارها إطارا لسياسة ثقافية في المجال، وينبغي تهيئ أرضية قانونية ومؤسساتية لتنفيذه وفق ضوابط مجردة وليس غنيمة تقتسم بين الأفراد؛
إن مجال تطبيق الرسالة المذكورة لا يمكن أن يكون هو قانون الفنان، لأن هدفه هو تسوية وضعية مهنية خاصة من الناحية القانونية فيما يخص الأفراد والمؤسسات وما يترتب عنها من حقوق وواجبات، بما فيها حقوق الفنانين المتفرغين العاملين وفق عقود محدودة المدة، في التشغيل والحماية الاجتماعية أثناء إنجاز الأعمال الفنية، على أن يضبط قانون حقوق المؤلف والحقوق المجاورة شق حقوق استغلالها، والأمر من هذه الزاوية يحقق شرطا تنظيميا أساسيا يجعل فلسفة الرسالة المذكورة قابلة للتنفيذ في إطار آخر مرتبط بتنزيل مقتضيات الدستور وبتوجهات السياسة الثقافية للدولة والجماعات الترابية في إطار الجهوية المتقدمة. زيادة على أن قانون الفنان والمهن الفنية قانون عرضاني يشمل فنون أخرى غير المسرح.
> هل في نظركم القانون ما زال يحتاج الى تطوير؟
< نعم عندما ندافع عن القانون نحن ندافع عن توجهه. وكون هذا التوجه في خدمة الفن، أكيد أن لدينا ملاحظات ولذلك نثمن التوجه ونتمنى التحسين. وسوف نقدم مقترح تعديلات إضافية مع النقابات الشريكة عندما يحين وقت ذلك. كما أن عملية التنزيل ينبغي أن تتم بالسرعة المطلوبة حتى لا يبقى القانون مجرد حبر على ورق.
> تلقى المقترح ترحيبا دوليا من قبل الفيدرالية الدولية للممثلين وبعض النقابات الصديقة لنقابتكم ما تعليقكم هذا الموضوع؟
< الترحيب ناتج عن كون المشكل المطروح يكتسي طابعا دوليا، وهو ناتج عن تعدد مشاكل الفنانين عبر العالم عندما يكون عملهم مبنيا على عقود محدودة المدة… وهو مسار ابتدأ عالميا منذ تنامي ظاهرة العولمة الاقتصادية التي قضت بشكل تدريجي على العمل الدائم في المجال الفني وجنوحه نحو العمل المتقطع، مما دفع العديد من الدول إلى الاجتهاد القانوني لحل هذا الإشكال؛ خصوصا بعد صدور توصية اليونسكو للعام 1980. ومنذ صدور هذه الاتفاقية قليلة هي البلدان التي اجتهدت في الموضوع. وكثيرا ما يتم اكتساب حقوق الفنانين عن طريق الاجتهاد القضائي للاعتراف بهم كأجراء مثلا، أو من أجل أن يكون هناك نظام خاص للتفاوض الجماعي الصعب الولوجية في العمل المتقطع، نظرا لعدم توازن القوى بين المقاولة والفنان، ولغياب معايير التمثلية المهنية، ولتعدد المشغلين. وبعد اطلاعي على العديد من التجارب المقارنة، أعتبر أن النموذج المغربي متفرد فعلا وقد ساندتنا الفيدرالية الدولية للممثلين من حيث الخبرة في تجويد مقتراحاتنا وترافعاتنا.. ونفس الأمر فعلته منظمات مهنية مغربية أخرى جادة في مجالات مختلفة. الهدف بالنسبة لنا هو اختصار مسار يمكن أن يعمر طويلا ولعشرات السنين لفهم طبيعة المشكل الذي يوجد في تفاصيل قد تبدو صغيرة، ولكنها سبب كل المشكل. في حين أن جنوح المشرع المغربي نحو المرجعيات الدولية والدستور والقانون المقارن اختصر المسار تاريخيا والذي لن يكون إلا مؤلما وقاسيا، من أجل فهم هذه التفاصيل التي حلها المشرع بشكل ذكي لكي يسوي وضعية شديدة الخصوصية من الناحية التشريعية. ولذلك فهذه المنظمة الدولية ترى في الموضوع إغناء لنضالها على المستوى الدولي ونموذجا أخر ينضاف لتطوير الريبرتوار التشريعي، وأنا متأكد أن التجربة المغربية ستكون ملهمة في هذا الاتجاه. وأكيد أيضا أنها وطنيا قد تظهر عيوبها لكن المهم بالنسبة لنا أن القطار وضع أخيرا على السكة وعلى هذا القطار أن يسير وكل قانون قابل للتعديل حينما يوضع على محك الممارسة.
> كيف تفسرون المدة الزمنية الطويلة التي استغرقتها لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب في مناقشة المشروع؟
< الأمر كان متوقعا جدا. لأن التشريع الفني معقد وغالبا ما تظهر فيه بعض الأشياء متناقضة رغم صحتها جميعها، ولاسيما التوفيق ما بين طبيعة الفن كمنتوج ذهني وكتعبير وإبداع حر وكحقوق اجتماعية ومهنية وكحرية نقابية. قانون الفنان يضع المشرع أما ظاهرة فريدة وعندما يستشعر المشرع أنه يجب أن يلائم القوانين الموجودة للظاهرة الفنية الشديدة الخصوصية يكون قد نجح، أما عندما يحصل العكس أي يلائم الفن مع القوانين الموجودة يسقط في تناقضات وهضم حقوق وفي النهاية يسقط في التناقض. ولذلك فالمدة الطويلة التي استغرقها النقاش أفضت إلى إبداع قانوني يحترم الخصوصية. فمثلما يحتاج الفنان أن يكون مبدعا في مجاله، يحتاج المشرع أن يكون مبدعا في مجاله القانوني لكي يلائم مرجعياته مع طبيعة الممارسة وليس العكس.
ولذلك كان العمل جماعيا ومبنيا على التوافق بين الأغلبية والمعارضة وهي مسألة فيها الكثير من الرمزية ونتمنى أن يستمر هذا الإبداع القانوني من أجل التحسين وتنزيله فيما بعد في نصوص تنظيمية واتفاقيات جماعية.
******
رشيد روكبان:حتى لا يبقى الفنان الحلقة الأضعف ضمن العملية الفنية
أكد رشيد روكبان رئيس فريق التقدم الديمقراطي بمجلس النواب، مقترح قانون الفنان الجديد كانت قد تقدمت به الأغلبية الحكومية بمجلس النواب، قال إن هذا القانون جاء أساساً لينظم الفن باعتباره مهنة. حيث يمكن القول أنه يتعلق بما أسماه “مهنة الفن”، ذلك أن الوثيقة القانونية التي تقدم تعريفاً واضحاً لماهية “الفنان المهني”.
كما أن القانون يرمي إلى تنظيم العلاقات الشغلية بين الفنان وباقي الأطراف المتدخلة في العملية الفنية.
تنظيم العلاقات الشغلية من شأنه، حسب روكبان، أن يحمي الفنان المهني ويدافع عن حقوقه، حتى لا يبقى الأخير الحلقة الأضعف في مختلف مراحل العملية الفنية، وهو ما يبرز إلى أي حد يمكن للقانون أن يخدم خصوصاً الفنانين في وضعية صعبة، يضيف روكبان.
وأحال روكبان على بعض مضامين القانون الجديد، قائلاً إنه سيلزم المقاولات الفنية بالتعاقد مع الفنانين بواسطة عقد نموذجي موحد، ما من شأنه أن يوصد الباب أما التلاعبات، وقيام كل شركة بالتعاقد مع الفنانين حسب هواها.
وللتمييز بين الفنان المهني وغيره، جاء القانون بإلزامية التنصيص على بطاقة للفنان المهني، إذ أن شروطاً معينة ينبغي أن تتوفر للحصول عليها، حتى لا يبقى المجال مُشرعاً أمام كل من هب ودب.
الأعمال الفنية التي تساهم الدولة أو المؤسسات العمومية في عملية إنتاجها من خلال الدعم، ستصبح ملزمة بتشغيل فنانين حاملين للبطاقة المهنية، يؤكد روكبان، وذلك بنسبة معينة سيحددها القانون، الأمر الذي سيضمن نيل الفنان المهني لفرص عمل أوسع.
وختم روكبان حديثه عن القانون، الذي ساهم فريق التقدم الديمقراطي بمجلس النواب، في إعداده، قائلاً إنه وضع أساسا ليضمن حرية الإبداع الفني.
ياسين أحجام: القانون يحمي الفنان من الاستغلال ويصون كرامته اجتماعيا
اعتبر ياسين أحجام، الفنان والبرلماني ضمن الأغلبية الحكومية أن الغاية من قانون الفنان تتمثل في أن تتولى الدولة حماية الفنان من الاستغلال الذي يمارس عليه، وضمان حقه في الحصول على أجر محترم يحمي كرامته اجتماعيا.
وأكد أحجام على أن القانون الجديد، الذي تم اعتماد المعيار المهني وحده في صياغته، يعد إنجازا تاريخيا للفنانين، مضيفا أنه «لأول مرة تعطى قيمة لبطاقة الفنان، بعدما كانت شكلية، منذ صدورها لأول مرة عام 2006، الجديد أنها ستتيح لحاملها وفقا للقانون الجديد «الحماية الاجتماعية»، مشيرا إلى أن هناك اقتطاعات ستتم بموافقة الفنان، من أجل توفير هذه الحماية بشكل تضامني، وفق النموذج الفرنسي، ووصف الإجراء بأنه «غير مسبوق».
فالنص القانوني الجديد تناول تعريف الفنان المهني، واشترط تخرجه من معهد متخصص أو جامعة مختصة، وتوفره على خبرة مهنية لمدة لا تقل عن 3 سنوات، كما حدد عدة تعاريف أخرى، مثل الأجر الفني، والمؤسسة الفنية، وغيرها..
أما في ما يتعلق ببطاقة الفنان وشروط منحها، فقد نص القانون على أن يصدر نص تنظيمي يحدث لجنة بطاقة الفنان، ستعده وزارة الثقافة، كما ستتولى وزارة الثقافة إصدار مرسوم يحدد تفاصيل «العقد الفني النموذجي».
أما بخصوص الفنانين الأجانب، فقد ضمن القانون الحق للفنان الأجنبي المقيم في المغرب حق الحصول على بطاقة الفنان، والاستفادة من الحماية الاجتماعية مثل نظيره المغربي. أما في ما يتعلق بالفنانين الأجانب غير المقيمين، الذين يقومون بأعمال فنية في المغرب، فقد تم إقرار اقتطاع من أجرة أي عمل فني ينفذونه في المغرب، ليوجه إلى الحماية الاجتماعية للفنانين.
وقد عاني عدد من الفنانين المغاربة، في السابق وحتى الوقت الراهن من ظروف اجتماعية وإنسانية سيئة، ووقع البعض الآخر فريسة النسيان والإهمال، بل أن بعضهم انتهى نهايات مأساوية بسبب ذلك.
محمود الإدريسي: القانون الجديد سيقطع الطريق أمام المتطفلين
قال محمود الإدريسي الفنان المغربي ورئيس النقابة الحرة للموسيقيين المغاربة، إن قانون الفنان يتضمن فقرات تعطي للفنان قيمة وتعطيه أهمية، كما تعطي إضافة نوعية للمضمون الذي يقدمه، معتبرا أن هذا القانون سيلعب مستقبلا دورا كبيرا في حماية الفنان وأعماله باعتباره يشكل إضافة نوعية للممارسة الفنية في المغرب، خصوصا وأنه جاء كإصلاح وتتميم لقانون 2003.
وقال أيضا إن الإصلاحات التي همت هذا القانون، في ما يتعلق بعقد العمل والبطاقة المهنية هي من الإصلاحات المهمة التي ستحفظ كرامة الفنان، فاعتماد البطاقة المهنية سيقطع الطريق أمام بعض المتطفلين على الميدان كما سيقطع مع العشوائية، وتحدث عن الأعمال الفنية، بحيث قال أنها ستتطور بفضل هذا القانون الذي يراعي في بنوده معايير المهنية التي هي أساس الأعمال الفنية سواء فيما يتعلق بالمسرح أو الموسيقى أو السينما والفنون التشكيلية، إذ أنه أعطى تصورا شموليا لكل هذه المجالات والأصناف الفنية وأعطى عصارة قانونية تتماشى مع كل مجال، وقال محمود الإدريسي إن جميع الفنانين سعداء لإخراج هذا القانون حيز التنفيذ متمنيا أن يسير في اتجاه الأهداف المسطرة له خصوصا العناية بالفنان والفن المغربي بشكل خاص.
وعن مشاركته في صياغة القانون ذكر الإدريسي أنه باعتباره رئيسا للنقابة الحرة للموسيقيين المغاربة شارك في الجلسات والحوارات التي تمت بخصوص هذا الموضوع، منوها بالأجواء التي تم فيها التحضير التي تميزت بالإرادة والرغبة في صياغة قانون جديد بمواصفات متطورة تراعي خصوصية الفنانين والفن عموما، واعتبر أن الإجماع على هذا القانون من طرف الفرق السياسية والمهتمين بالفنون يبرز تطور الحوار والرغبة في النهوض بالفنون المغربية والفنان المغربي الذي عانى كثيرا قبل صدور قانون يحميه في 2003، مشيرا إلا أن هذا القانون لعب كذلك دورا في المرحلة السابقة، إلا أنه لم يكن متطورا بشكل يساير آخر المستجدات والتطورات في الساحة الفنية المغربية والعربية والعالمية كذلك.
أنس العاقل: مكتسبات تلو أخرى..
بعد اطلاعنا على تقرير مفصل عن قانون الفنان وسماعنا أيضا للانتقادات التي رافقته من لدن بعض الفنانين نود أن نسجل ما يلي:
* أن يكون لدينا قانون للفنان فهذا بحد ذاته مكسب لا يمكننا إلا أن نثمنه، قانون يحفظ كرامة المهنيين وينظم المهن الفنية ويحمي الفنان من جشع المقاولين و”أصحاب الشكارة”.
* بعد اطلاعنا على مضامينه وتتبعنا لجميع المشاورات التي صاحبته ومقارنته مع مجموعة من القوانين الدولية المعمول بها في هذا المجال نجد أنه قانون متقدم جدا مقارنة مع ما كنا ننتظره. يكفي أنه لقي إشادة كبيرة من الفيدرالية الدولية للمثلين باعتبارها هيئة عالمية تتمتع بالكثير من المصداقية، ويكفي أن بنوده نوقشت بكل تفصيل داخل أعمال اللجان بالبرلمان ولقيت تصويتا بالإجماع من لدن نواب الأمة باختلاف توجهاتهم الحزبية ومصالحهم المتضاربة. فبينهم متخصصون في التشريع لو كانوا قد وجدوا مجرد ثغرات صغيرة لما مر المشروع، أو على الأقل لم يكن ليمر بالإجماع حتى لا يحسب للأغلبية الحكومية التي اقترحته.
* يؤسس قانون الفنان للمهنية المسنودة بالتكوين الأكاديمي الذي يستجيب لمعايير تكوين الفنان، ويشترط خبرة مهنية من أجل الحصول على بطاقة الفنان، وهذا الأمر لا يمكنه إلا أن ينعكس على الجودة الفنية، ويخلصنا من الجهل الفني الذي يريد البعض تكريسه حتى يظل المجال الفني مجالا للريع والمتاجرة الرخيصة والتلاعب بالمال العام.
* ينسجم قانون الفنان مع الدستور الذي يضمن الحق في العمل الفني لكل المواطنين، لكنه يربط الدعم العمومي بالمهنية والخبرة، وينسجم أيضا مع التشريعات الدولية التي تحمي الفنان القاصر والذي يتم استغلاله في الكثير من الأعمال الفنية، إذ يضمن له ما يكفي من الحماية كي لا يتم استغلاله من لدن بعض أرباب المقاولات الفنية.
* يفرض قانون الفنان ضريبة تضامنية على الفنان الذي يعتبر العمل الفني بالنسبة إليه مصدرا ثانيا للدخل، فتقتطع من أجره لكنه لا يستفيد منها، إذ توجه لصندوق يستفيد منه الفنان الذي يعتبر العمل الفني مورد عيشه الوحيد، مما من شأنه أن يحمي الفنانين المتفرغين ويضمن كرامتهم خلال مرحلة مرضهم وعوزهم أو عجزهم، الشيء الذي يمكنه أن ينعكس إيجابا على صورة الفنان المغربي التي ارتبطت دوما بالعوز والحاجة وتسول العلاج.
* ينظم قانون الفنان عملية التعاقد بين أرباب المقاولات والفنانين وفق عقود نموذجية تحترم الحد الأدنى للأجر، وتحترم أيضا القوانين المعمول بها في مجال الشغل.
* لقد تم وضع القانون بالتشاور مع الهيئات المهنية الممثلة للفنانين، وسبق أن كان موضوع يوم دراسي خصص للموضوع، ونحن لا يمكننا إلا أن نثمن هذه المقاربة التشاركية التي صاحبت مختلف مراحل إنجازه.
•أخيرا، نحترم جميع الأفكار المخالفة، لكننا نستغرب كون من ينتقدون القانون لم يقوموا طيلة مشوارهم الفني بمبادرة من أجل تقنين المهنة، بل أن البعض منهم أضاعوا على الفنانين فرصا تاريخية عندما ظلوا يبحثون فقط عن تحصين مكاسبهم الشخصية. وللتذكير فقط، الرسالة الملكية التي أوصت باقتطاع نسبة مهمة من مداخيل الجماعات المحلية لصالح الأعمال الفنية. لكن، لا زالت هناك فرصة لمن يريد تحسين القانون، فليس عليه إلا القيام بمبادرة تشريعية وإقناع الفرقاء السياسين بتبنيها. قانون الفنان مجرد خطوة من أجل رحلة الألف ميل، فمرحى بكل مبادرة تهم الصالح الفني العام، ونحن لا يمكننا إلا أن نثمنها.
أحمد العلوي: القانون الجديد سيلعب دورا مهما في محاربة الريع الفني
قال أحمد العلوي نقيب الموسيقيين المغاربة إن قانون الفنان الجديد هو قانون متطور عن سابقه، ويتضمن مجموعة من الضوابط والامتيازات ستؤطر الميدان الفني، على الوجه المطلوب، كما أن يضمن مجموعة من المكتسبات، خصوصا في ما يتعلق ببطاقة الفنان وإضفاء المهنية عليها، مشيراً إلا أن هذه البطاقة كانت مجرد بطاقة شكلية في القانون السابق ولا تفرق بين الهاوي والمهني والمتطفل، وأضاف أيضا، في اتصال أجرته معه بيان اليوم، أن القانون سيلعب دورا كبيرا في محاربة الريع الفني، مشيرا إلى الريع الذي يعرفه الميدان الفني، خصوصا فيما يتعلق بشركات الإنتاج التي تقوم فقط بتنفيذ الإنتاج بالمال العام وليس الإنتاج كما يجب أن يكون، مشيرا إلى خروقات كثيرة في هذا المجال انتبه إليها القانون الجديد وسيواجهها، من جهة أخرى أبرز أحمد العلوي تطور طريقة اشتغال المهنيين بحيث ستعطى القيمة للفنان والأعمال الفنية كما ورد في الدستور والمواثيق الدولية التي تحث على احترام الفنان وإعطاءه قيمة، كما اعتبر كذلك أن هذا القانون شمولي خصوصا فيما يتعلق بفنون العرض المتمثلة في الدراما والمسرح وكذلك الموسيقى حيث سيلبي حاجيات الممارسين كما سيضع حدا للإكراهات والمعيقات التي يشهدها القطاع، إذ سيكون القانون الجديد مؤطرا للمجالات الفنية خصوصا وأن الاتفاقيات الجماعية ستلعب دورا مهما إذ لم يعد ارتباط الفنانين يقتصر على وزارة الثقافة بل امتد ليشمل وزارة الاتصال باعتبارها المسؤولة عن قطاع السمعي البصري وكذلك وزارة التشغيل فيما يخص عقود العمل، متحدثا عن هذه العقود النموذجية للعمل وتقاعد الفنان باعتبارها من الأساسيات التي جاء بها القانون.
وفي ما يخص صياغة القانون قال أحمد العلوي إنه شارك في صياغة هذا القانون عبر الجلسات والنقاشات والاقتراحات، مشيرا إلى أنه كان حاضرا في النقاش حول قانون 2003 مع الوزير الأشعري، معتبرا أن قانون 2003 هو من وضع الأرضية للقانون الجديد خصوصا وأن المجال الفني قبل ذلك لم يكن له قانون يؤطره ويعترف به، إذ أن الفنان قبل 2003 لم يكن له قانون ولا أي شيء، وكان القانون الذي صيغ آنذاك، ورغم ضعفه، بمثابة تقدم، وذكر أنه خلال يوم دراسي بالبرلمان أجمعت فرق الأغلبية والمعارضة على إعادة مراجعة القانون، وكانت رغبة وإرادة الجميع من فرق برلمانية ونواب ونقابات قوية ساهمت في إعادة صياغة قانون جديد ومكمل للقانون القديم، كما اعتبر أن تنزيله إلى أرض الوجود لن يكون معقدا رغم أن بعض المواد تحتاج مراسيم تطبيقية مؤكدا أنه سيتم الوقوف عليها ومواكبتها من أجل تنزيل سليم للقانون، مضيفا أنه يتمنى أن يحقق القانون الأهداف المرجوة منه، وأن يبقى القانون بعيدا عن المزايدات السياسية والحسابات الضيقة لأن الأساس هو النهوض بالفن والفنان.