معلم اليوتوب

قضية المعلم الذي لم يتردد في تصوير شريط فيديو يظهره وهو يستهزئ بتلميذة لديه، وعمد إلى تعميمه عبر الأنترنيت، تكشف درجة متدنية وخطيرة في الإحساس بالمسؤولية تجاه مهنة التعليم، وتجاه الأطفال، كما أن السلوك هو فعلا، كما وصفه بلاغ الوزارة الوصية “لا يمت بصلة إلى أسس التربية”.
البعض قال وكتب بأن ما حدث لا يتحمل مسؤوليته فقط المدرس المعني، وإنما كامل المنظومة التربوية ببلادنا التي كانت دراسة أخيرة قد وصفتها بكونها “سبورة سوداء لا بياض فيها”، وبقدر ما يمكن أن نأخذ من هذا الاستنتاج ضرورة اعتماد مقاربة شمولية للإصلاح، ففي نفس الوقت لا يمكننا الارتكاز إلى هذه السطحية المستفزة، والرمي بهذا التعميم الذي لا يفيد سوى في تغييب المسؤولية المباشرة، وتشجيع التسيب والإفلات من العقاب.
أولا السلوك الأرعن قام به شخص معلوم، ويجب أن يتحمل مسؤولية فعله الشنيع، وثانيا ليس كل المدرسين من أمثاله، وثالثا، إذا كانت المنظومة برمتها تحتاج فعلا إلى علاج، فإن حلقة أساسية من حلقاتها هي أسرة التدريس نفسها، ويجب أن نقول بأن جزءا من المسؤولية يقع على عاتقها هي بالذات.
إن الواقعة تحيل على العقلية المتفشية لدى عدد من المدرسين، وعدم اقتناعهم، فبالأحرى انخراطهم، بالمنظور الجديد للتأديب، والذي ينسجم مع الوظيفة التربوية للمدرسة، خصوصا أن الوزارة سبق أن أصدرت مذكرة تمنع بموجبها العقاب البدني واللفظي.
المشكلة هنا في تكوين المدرسين وتأهيلهم للوعي بتطورات الحقل التربوي والسيكولوجي، وبضرورة انخراطهم العملي في تفعيل مرتكزات المدرسة الجديدة، وجعل هذه الأخيرة جاذبة للأطفال والتلاميذ، بدل أن تكون مرادفة للعنف والعقاب و… النفور.
فعلا مدرستنا تحتاج إلى تغيير جوهري وشمولي في المناهج والمقررات، وفي الرؤى والاستراتيجيات والأهداف، وهي أيضا تحتاج إلى توفير البنايات وباقي التجهيزات الضرورية لجعل المدرسة فضاء تربويا وإنسانيا محفزا على التعلم، وهي ثالثا تحتاج إلى منظومات علائقية وتدبيرية وإشرافية في مستوى تحديات زمننا هذا، ولكنها، إلى جانب كل ما سلف، تحتاج إلى مدرسات ومدرسين يمتلكون تكوينا جيدا ومعارف ومهارات متطورة، ويستفيدون من التكوين المستمر والمتابعة الدائمة، ومن ظروف عيش تؤمن كرامتهم وحقوقهم، لأنه بدونهم سيبقى تعليمنا  يدور حول نفسه إلى ما لا نهاية، ولا يجتر سوى الكلام عن الإصلاح.
ما حدث للتلميذة التي لم تقدر على كتابة رقم 5 مع مدرسها يجب أن يصيب الجميع بالخجل، وأن يثير الاستنكار و… التأمل.

[email protected]

Top