ديوان “كلام منسوم من البارح واليوم”

عرفت الأستاذ والحاج عمر الزواق عيانا ووجدانا في مهرجان الزجل بأزمور،المهرجان العربي الدورة السادسة.. إنه مبدع أنيق يدهشك بحلاوة حديثه وسجاياه وحكمته …ديوانه “كلام منسوم من البارح واليوم “ديوان من 287 صفحة من الحجم المتوسط.. الديوان ط1/2015-عن دار أبي رقراق
في هذه الوقفات سنتأمل جماليات الكلام المنسوم، عبر ثلاث مكونات:
1 ـ التشكيل التخييلي
2—السخرية
3- الكتابة والقيم.

1 ـ التشكيل التخييلي:
تناول النقد العربي القديم والحديث مفهوم التخييل..في مباحث وأقوال شتى، وليس المجال متاحا لاستعراض هذه الأقوال ومناقشتها وتحليلها غير أن لنا تصورا ينطلق من مثلث يحضر فيه المبدع وصنوه التخيل وصيغة التفَعُّل تعني فيما تعني القصد والفعل على مستوى ذات المبدع ،والطرف الثاني هو النص المنجز وصنوه التخييل ووزنه التفعيل وهو على مستوى الصياغة والكتابة،والطرف الثالث المتلقي وصنوه الخيال.
 هذا التصور يجعل العملية الإبداعية شكلا من التفاعل وهو ما وجدناه حاضرا في قصائد هذا الديوان ونمثل ذلك بمقاطع من قصيدة كلام النار ، فانطلاقا من العنوان تبني المخيلة أي ذات المبدع التي تقوم بالتخيل تبني عالمها الاستعاري التخييلي فالكلام إما أن يكون منسوما أي موحيا أو نارا أي شواظا وغضبا .  
“ساط الشوم على المهموم
بان الهبال
معلق
ف حبل الفضيحة”
 تشكل الأسطر الأربعة الأولى مقطعا زجليا يختلف في كثير من سماته عن الأنساق والجمل التي كتبت بها كثير من قصائد الديوان، ولعل السياق وخصائصه كما يذهب لذلك الدكتور محمد خطابي في كتابه لسانيات النص مدخل الانسجام والخطاب يقول :” ينبغي على محلل الخطاب أن يأخذ بعين الاعتبار السياق الذي يظهر فيه الخطاب .. لأنه يؤدي دورا فعالا في تأويل الخطاب ” فالأسطر الأربعة الأولى تشكل مقطعا يمثل الدفقة الأولى في الدلالة ،دلالة ضعف وتلف  الإنسان وبعده عن السلوك الإيجابي ،المعجم يوحي إلى ذلك (الشوم – المهموم – الهبال – الفضيحة ) فهذا انزياح وتيه عن السلوك المقبول اجتماعيا.

ويقول في المقطع الثاني:
 
“كلام الدوم المبروم
نابت ف الجبال
مضوي
حامي الصفيحة”.

وفي المقطع الثاني تتحول الدلالة إلى معجم قوي إيجابي ( المبروم – الجبال – مضوي – حامي )
 
“والمشي معكل
اجري للور
إيلا يسبقوك
اللي فاتوك
اجري
واصبر للدق”
( قصيدة كلام النار ص 253)
  والمقطع الثالث صياغة تشي بالحكمة وخلاصة الموقف والخبرة الاجتماعية التي مفادها عدم الاستسلام والمقاومة، وإثبات الذات حيث أن الذين يريدون الحياة بلا منافسين واهمون إلا إذا كانوا لا يفعلون شيئا.
 هذه بلاغة الصورة الشعرية، فهذه المقاطع تكون مشهدا متكاملا ونسقيا فيه:
التصوير التخييلي: معلق ف حبل الفضيحة، فكيف نتخيل حبل الفضيحة سوى أن نصل إلى دلالة ما ،دلالة التنديد.
اللون والضوء: مضوي ،فالنور علامة على الطريق والاتجاه الصحيح
الحركة : ساط – اجري .
والسياق الاجتماعي الملخص للضيق بالذين ينجزون أفعالا ذات قيمة.
فالمهموم مركز الصورة ..والهم انشغال نفسي بحال محزن أو مقلق ،ويتجلى التخييل في صور مكثفة أخرى:
“ركبت جناح النسر
شربت  لفهامة
فزلافة لفقيه لمسيح” ص100.

 له قصيدة بعنوان :أنا وخيالي.(وانظر كتابنا :أقواس الرؤيا مقاربات في القصيدة الزجلية الحديثة بالمغرب ط1/2015).

2- السخرية وتقليب دلالة اللفظة:
(قصيدة البتاع لفؤاد أحمد نجم قد تعد مرجعا لهذه القصيدة)  
“والو..والو..والو
حتى أنا ما فهمت والو
كيفاش ما ديتي والو
وأنت ما خليتي والو
وهداك ما شاف والو
وهداك ما دار والو
وأنت ما ف راسك والو”

 قارئ هذا النص وهي قصيدة والو، تتداعى إلى ذهنه بشكل عفوي قصيدة البتاع، فاللازمة التي يكررها فؤاد أحمد نجم التي يقول من خلالها كل ما يريده من تصورات وأفكار ومواقف هي لفظة “البتاع” ذلك هو النسق الذي يفجره جماليا الزجال عمر زواق باستثمار لفظة “والو” بكل ما تكتنزه من دلالات ، وهذا ما  نجده عند الناقد الدكتور مراد القادري تحت عنوان: “السخرية عبر الدال”  :يقول د  القادري” ونعني بها السخرية التي تتولد من خلال اللعب باللفظ الواحد أو خلق تشويش أو اضطراب فيه ” (من كتاب جماليات الكتابة في القصيدة الزجلية الحديثة الممارسة النصية عند أحمد لمسيح ص335).
 فلفظة “والو”  حبلى بالإيحاءات، وهي تحيل إلى دلالات عديدة من أهمها ( الفهم – المال – الحقيقة – الفعل ..).

“وفقتي ما لقيتي والو
وكون كاع لقيتي هاد والو
آش من معنى عند والو
مشكيلة هاد والو”
 تتلون اللفظة وتشع إيحاء، وتفيض تأويلاتك لها، وتصير هذه اللفظة حمالة معان شتى سياسية واجتماعية.
“واش غي جي وكول والو..
هاد زمان والو
البرلمان ما خدام والو
كلشي عارف الكورة عندنا والو
الاقتصاد ما شاء الله والو
والقرايه من زمان والو
والخدمة خلاص والو .. والو
وحتى الفلوس ما سواو والو
وسير..وسير..كلشي والو
وأنا بحالكم ما فاهم والو”.
(قصيدة والو ص249)
 فنسق القصيدة مبني على تلك اللفظة وما تتيحه السياقات النصية والخارجية من إمكانات توسيع الدلالة، وربما يتاح العودة إلى قراءة سيميائية خاصة لهذا النص.
 وتكمن  السخرية في هذا النص في المفارقات التي تفاجئ المتلقي، صحيح أن جل الجمل أنساق متداولة، لكن النسق والرؤيا كما قدمتا، يثير هذا التشكيل الجمالي إعجابا لا شك أن عددا من القراء سيشترك معنا فيه.
إمعانا في السخرية يقول الزواق:
“شارفة وما رفدة هم
شارفة وعارفة أش تم
دالحة وتكمكم وتبركم
دايرة ف بالها الأدهم
باغيا تركب وتركب
غناها على العشرة والحب”.

 قصيدة طعام الشارفة    206
 فضلا عن هذا، للزجال عمر الزواق كفاية لغوية وتخييلية تتمظهر في بناء الحوار الدرامي الزاخر بالحيوية والتوتر المدهش والبسيط في الوقت نفسه.
3- الكتابة والقيم:
 المنسوم: المشرب بإيحاء ما، وديوان الزجال عمر الزواق زاخر بالدعوة إلى علاقات إنسانية أصفى، تجد منظومة من القيم التي يلح على أن تصبح  تنفسا وعادة من مثل: كول بسم الله – الصبر – العمل – عزة النفس – النظام – حسن المعشر – التواضع –الحب…).
“حبك وحدو ساكني
ساري مع الدم يجري
وأنت غافل ما تدري
اللي يبغيك”.(حب ضايع مجنون)
 الاتجاه الجمالي الذي اختاره الشاعر الزجال عمر الزواق، اتجاه يفسح  مجالا واسعا لتحقق الفهم والإفهام بين مقولات النص الزجلي ومتلقيه.
 وهو شاعر زجال، نحا هذا المنحى عن وعي، ودليل ذلك اقتداره على صياغة دفقات تخييلية كثيفة لو كانت تشكل كل النص أي لو كانت القصيدة كلها مثل:
“وحكو تريا الروح
خضر سلطان الحب بالذات.(وا الراشق)
لصعوبة تلقيه ولما وجدت التفاعل الحي
قال الراغب:
عمّرْ كاسي
ولوح  من خيالك شي لوزات
الروح بهاد الكتبة عطشات”.

 بقلم:أمجد مجدوب رشيد

Related posts

Top