أكدت لطيفة منتبه رئيسة جمعية “الشرق للتنمية” في الحفل الاختتامي للنسخة الثالثة لمهرجان ”لبلوزة”، أن هذه التظاهرة الثقافية والحرفية التقليدية، هي بداية الاحتفاء بموروثنا الثقافي اللامادي، والذي تزخر به المدينة الألفية- وجدة، فالمهرجان في حد ذاته فرصة لرد الاعتبار لهذا الموروث الذي بدأ يندثر شيئا فشيئا، والمتمثل في اللباس التقليدي للوجديات، وإن لم نقل لجميع نساء المنطقة الشرقية.
وبخصوص الجانب التاريخي والجمالي للبلوزة الوجدية، أشارت منتبه إلى أن التظاهرة تعكس عمق الروافد الثقافية والإبداعية للمرأة في جهة الشرق منذ القدم، وما الوثائق التاريخية والصور القديمة الملتقطة باللونين الأبيض والأسود إلا دليل على عراقة هذا الإبداع “لبلوزة”، كما أن التأثير الجيوغرافي المتجلي في حياتنا اليومية، يعكس تاريخ حياة الوجديين إن على مستوى اللباس والطعام والعادات والتقاليد وغيرها، وأضافت منتبه أنه يجري التفكير لتصبح هذه التظاهرة الحرفية التقليدية السنوية، حدثا دوليا متفردا، بعدما كان التفكير منصبا على أن يكون مغاربيا، تحضره مختلف الدول المغاربية كالجزائر وتونس وليبيا وموريطانيا، لتشابه اللباس وفن العيش بهذه البلدان وتطورهما عبر قرون خلت…”.
لقد اختتمت هذه التظاهرة الثقافية المتعلقة بفن اللباس التقليدي المحلي “البلوزة”، عشية يوم الأحد 04 شتنبر الحالي بحضور فعلي لعدد كبير من الصناع التقليديين والصانعات الماهرات، بالإضافة إلى الضيوف الأفارقة، و كذا الحضور الإعلامي والصحفي الوازن الذي حج بكثافة لتغطية هذا الحدث الذي تتميز به المدينة والجهة، والذي اختير له كشعار: “المساهمة في التفاعل الثقافي الإفريقي”.
تخللت فقرات هذه التظاهرة الحرفية والثقافية الأولى من نوعها بالمنطقة الشرقية، لقاءات بين العارضين والحرفيين والزوار، وإقامة عرض للأزياء التقليدية والعصرية، وعقد ندوة فكرية حول إسهام البلوزة في ترسيخ التفاعل و التقارب الثقافي الإفريقي، بمشاركة أساتذة وباحثين ومهتمين بفن الخياطة واللباس التقليدي والعصري، وبحضور وازن لبعض المصممين من وجدة وباقي مدن الجهة ومن خارج الوطن، كما تسعى الجمعية من وراء هذه التظاهرة حسب “منتبه” إلى الإسهام في رد الإعتبار للصانعات التقليديات المتخصصات في تصميم وحياكة البلوزة، وتأطيرهن في إطار تعاونيات حتى لا تندثر صناعة البلوزة بجهة الشرق، وأضافت أن من خلال هذا الحدث تم الانفتاح على الصناع التقليديين بالقارة الإفريقية وتم تعريفهم بهذا الزي العريق، لاسيما من خلال عروض الأزياء التي نظمت بالموازاة مع هذه التظاهرة، وأوضحت “منتبه” أن الهدف من كل ذلك، يتمثل في إطلاع هؤلاء الضيوف على الروابط المتأصلة من أشكال التراث، وإعطاء بعد دولي لهذا المهرجان.
> > >
لفن “البلوزة” و”الحايك” بوجدة والجهة، خصوصية ثقافية وإبداعية متفردة ومتجدرة في تاريخ شرق المغرب، وهذه الخصوصية تختلف بشكل كبير عن باقي المدن المغربية الأخرى، وذلك بحكم البعد الجيوغرافي للمنطقة مع الأشقاء الجزائريين الذين نشترك وإياهم في عدد من الخصوصيات التي أملتها العوامل التاريخية وحسن الجوار وروابط المصاهرة، وهذا ما انعكس على مستوى الأزياء التقليدية أيضا، بالإضافة إلى الأكلات الشعبية، والعادات والتقاليد المتوارثة أبا عن جد، وهذه الأبعاد شكلت عبر الزمن تلك الخصوصية المشتركة، إذ ساهمت بشكل كبير في إشاعة هذا اللباس التقليدي (الحايك) كغطاء لجسد المرأة، و”البلوزة” كزي يلبس في البيت في المناسبات التقليدية العامة والخاصة، وأصبحت له أهمية كبرى منذ القرن الماضي إلى يومنا هذا، خاصة عند الوجديات والجزائريات واليهوديات و الموريسكيات آلائي كن يقطن المدينة الألفية وجدة.
إذ، عندما نذكر “البلوزة”، نذكر بعض مقومات هذا الزي التقليدي الأصيل، حيث يمثل “الصدر” فيه قطب الرحى وجمال البلوزة بصفة عامة، ويمكن أن يصنع بـ “الكوكو” و “السماق”، وهناك صنعة أخرى تعرف بـ “التل”، وهناك “صدر” آخر يصنع ” بالمجبود”، وهذا الأخير يصنع باليد كذلك عن طريق ” الصقلي الحر”، بينما “التل” فيتم حياكته بخيط حريري يسمى “تل الصقلي”، وكان هذا الأخير يستقدم من دول شرق آسيا إلى المغرب، بما فيه الثوب والمقومات الأخرى الجمالية والإبداعية لهذا اللباس التقليدي. وتسمى خياطة فن “البلوزة” إن صح التعبير، وخاصة ” الصدر” واليدين بأنواع من الطروز منها: “البرودي” و”الطرز الرباطي” المسمى “بالمكوي” و”الطرز المسوس” الذي كان يصنع بآلة الخياطة العادية، وتطور هذا اللباس مع مرور السنوات والأعوام، حتى أصبح أكثر محافظة على الأصالة وجدد له في المعاصرة، حيث ظهرت تصميمات جديدة محشتمة تساير العصرنة خاصة الموجهة للنساء والفتيات المحجبات.
ومن العناصر المكملة للبلوزة أو ملحقاتها، نجد ما يصطلح عليه بـ”الجلطيطة”، وهو لباس تقليدي أيضا يلبس من تحت “البلوزة”، يتم خياطتها “بالخيط العادي ولاستيك”، ويزخرف أسفلها بأنواع من “الروفليس”، هذا بالنسبة “للجلطيطة العادية”، وأما بالنسبة للجلطيطة الحديثة فيتم خياطتها بأنواع من “البرودي” وتضاف إليها تحسينات من “العقيق” و”السماق”. هذا بالإضافة لسروال “عربي عريض” يلبس هو الآخر من تحت “الجلطيطة”، ويصنع بنوع من الثوب يسمى “كرابستان” و”بوبلين”، وأنواع أخرى من الأثواب الباردة والساخنة حسب الفصول، وتصنع هذه الأنواع من السراويل “بتكة”، وفي بعض الأحيان يكون طويلا نوعا ما ومطرز بطرز “الغرزة” أو “البرودي” أو ما يعرف ب “المسوس”.
هي إذن، نماذج من فن خياطة “البلوزة الوجدية” المشهورة دوليا، والمتداولة عند الأسر والعائلات الوجدية والشرقية المحافظة عموما، وهي بمثابة ذهب غالي في بيت الأسرة، وله ميزة عند أهل المدينة والقرية وهو “شأن وهمة” للمرأة الشرقية المفتخرة بعزوتها وعنفوانها.
بقلم: ميلود بوعمامة