في سعي منها لطمر سر علاقتها بتنظيم داعش، هددت الحكومة التركية بملاحقات قضائية ضد وسائل الإعلام التي تعمل على نشر الوثائق التي تفضح تعامل أنقرة مع التنظيم، وذلك غداة اتهامات سابقة بدعمها للحركات الإسلامية المسلحة في سوريا، بالرغم من محاولتها إظهار تضررها من ظاهرة الإرهاب.
وحذر وزير الخارجية التركي، مولود شاوش أوغلو، من تعرض بلاده لمخاطر الإرهاب عندما سوق بأن مئات الجهاديين الأتراك الذين يقاتلون في صفوف ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية سيخططون لشن هجمات في تركيا، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وقال جاوش في مؤتمر صحفي، أول أمس الخميس، «هناك ما بين 500 و700 مواطن تركي في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية»، موضحا أن القلق العام بالنسبة للمقاتلين الأجانب هو ماذا سيحدث عندما يعودون إلى بلدانهم الأصلية؟ وأضاف «نحن كذلك يساورنا هذا القلق».
ولأول مرة تكشف فيها أنقرة عن أعداد الجهاديين الأتراك الذين يقاتلون في سوريا وهذا الأمر ربما قد يزيد في حجم الاتهامات بدعمها لداعش عكس النغمة التي تسوقها للعالم.
وتأتي تصريحات المسؤول التركي بعد يوم من اتخاذ حكومة أحمد داوود أغلو لخطوة أثارت جدلا واسعا في تركيا، بعد أن حظرت على وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي كشف وثائق تثبت، وفقا للجهات التي نشرتها، بأنها دعمت فعلا وسلمت أسلحة إلى مجموعات إسلامية مقاتلة في سوريا ولاسيما داعش.
ونقلت صحيفة «حريت» التركية عن مسؤول تركي، طلب عدم كشف اسمه، قوله إن «الأمر القضائي يستند إلى قرارات قضائية عدة تجيز إغلاق مواقع إلكترونية وحسابات على فيسبوك وتويتر تعمد إلى نشر هذه الوثائق».
ويبدو أن الحكومة الإسلامية في تركيا التي تواجه اتهامات بالتخاذل في منع تدفق الجهاديين الراغبين في الانضمام إلى التنظيم المتطرف، بحسب مراقبين، تسعى إلى طمر حقيقة علاقتها بداعش مثل محاولتها التستر على فضيحة الفساد وألصقتها بحركة الخدمة التي تصفه بالكيان الموازي، لوضعها أمام حتمية علاقتها بالإرهاب لإبعاد كل الشبهات عنها.
وقبل عام اعترضت عناصر من الدرك عند الحدود السورية، شاحنات تواكبها عربات تابعة للاستخبارات التركية محملة بالأسلحة لمجموعات معارضة تحارب النظام السوري في دمشق، على الأرجح أن جزءا منها كان في اتجاه تنظيم أبي بكر البغدادي.
وقد سارعت أنقرة إبان رئاسة رجب طيب أردوغان للحكومة في ذلك الوقت، إلى إغلاق الملف ونفت نفيا قاطعا بأنها دعمت هذه المجموعات المتطرفة خصوصا تنظيم داعش.
ويرى مراقبون أن مرور المقاتلين بالأراضي التركية يصب في مصلحة سياسة أنقرة، وذلك لتكون ورقة ضغط لدى الرئيس أردوغان، فهو يتعمد دعم التنظيمات الراديكالية مثل داعش وجبهة النصرة باعتبارها ورقة الضغط الوحيدة لديه لتحقيق مآربه.
وعلى مدى أربع سنوات من الحرب في سوريا، شكلت المعابر البرية التي تربط مع تركيا بؤرة اهتمام ومحط أنظار السلطات التركية والمقاتلين العرب والأجانب الذين يلتحقون بالجماعات المتشددة.
وكان من السهل على كل شخص يمر على المعابر في الجانب التركي أن يرى أعدادا من حاملي جوازات السفر الأجنبية منتظرين ختم الخروج من تركيا بالطريقة الشرعية، في ظل غض طرف تركي عن هذه الظاهرة بشكل لافت.
ويشير خبراء في الشؤون التركية إلى أن هناك حقائق تثبت أن أنقرة تسهل دخول المقاتلين الأجانب لسوريا في المقابل تحاول التنصل من هذه الاتهامات لأغراض سياسية، فتركيا باتت مقرا لهؤلاء المقاتلين لعدم قيامها بإجراءات أكثر صرامة، ورئيس وزرائها يرجع عدم إغلاق الحدود لأسباب إنسانية لكن الحقيقة ليست ذلك.
فظاهرة عبور الجهاديين عبر تركيا إلى سوريا ليست بجديدة، ولكنها عادت لتطفو على السطح بشكل ملحوظ بعد أن شكل دخول حياة بومدين المشتبه في علاقتها بأحد منفذي هجمات باريس، الأسبوع الماضي، إلى تركيا ومن ثم العبور إلى سوريا مثار جدل جديد عن التساهل التركي في عبور المقاتلين الأجانب أو عائلاتهم إلى سوريا.
وقد جاء ذلك باعتراف رسمي من، شاوش أوغلو، حينما أكد أن بومدين وصلت فعلا إلى تركيا، وانتقلت إلى سوريا من خلال معبر أكشه قلعة الحدودي، وهو واحد من عشرات المعابر غير الشرعية المعروفة لدى السلطات التركية.