الأمن القومي العربي فكرة مثالية غير قابلة للتحقق

أكد محمد مجاهد الزيات، مدير المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، أن العالم العربي يحفل بتطورات خطيرة تشكل تهديدا مباشرا على أمنه القومي، وقال في ندوة الأمن القومي العربي التي أقيمت ضمن فعاليات “مؤتمر صناعة التطرف.. قراءة في تدابير المواجهة الفكرية” الذي أقامته مكتبة الإسكندرية أخيرا، “أصبحت العديد من الدول الوطنية على شفير التقسيم: العراق أصبح في الاتجاه إلى التقسيم أو إرضاء الأطراف المختلفة بكيانات تتمثل تحت إطار الدولة الفيدرالية، وسوريا تتجه للتقسيم، الأكراد يحصلون على الحكم الذاتي والنظام يتصارع مع قوى إرهابية تختلف ما بين داعش وجبهة النصرة وغيرهما، ثم ليبيا التي تتعثر فيها جهود التسوية ويتصاعد الإرهاب وينشط “داعش” بصورة كبيرة في الفترة الأخيرة، فضلا عن الإرهاب في جنوب الجزيرة العربية سواء في اليمن بأبعاده المذهبية أو في مدخل البحر الأحمر في الصومال، وعلى امتداد دول الساحل والصحراء التي تحيط بأفريقيا أو بالجناح الشمالي العربي ما بين موريتانيا وحتى حدود تشاد.
وأضاف “لا يمكن الحديث عن داعش كخطر تشهده المنطقة قبل أن نتحدث كيف ظهر داعش؟ لقد خرج من رحم تنظيم القاعدة في العراق الذي كان موجودا بالأساس، والخلاف ما بين القاعدة وداعش هو خلاف حول اللافتة العليا. من يكون الرئيس ومن يكون الموجه؟ من يكون الخليفة؟ أبوبكر البغدادي جاء بطرح جديد فأقام الخلافة الإسلامية، ومن وجهة نظري فإن أسامة بن لادن لم يجرؤ أبدا على إعلان الخلافة الإسلامية.
ورأى الزيات أن سوريا ميدان لتدريب الإرهاب خرجت منها بعض الفصائل إلى دول الجوار، لكن لا تزال الميدان الرئيسي، وقال “لدينا ما بين 20 و30 ألف إرهابي من خارج المنطقة بحسب تقديرات بعض أجهزة المخابرات الغربية، كنا نتحدث في فترة زمنية سابقة عن العائدين من أفغانستان وبدأنا نتحدث بعدها عن العائدين من العراق، وسوف نتحدث لعام أو عامين أو أكثر عن العائدين من سوريا والعائدين من ليبيا، إن تنظيم داعش يتمدد، فهل هو يتمدد فعلا؟ وفي تقديري وعلى الرغم من الحملة الدولية على الإرهاب إلا أن هذا التنظيم سوف يبقى معنا لهذا العام الحالي وربما للعام القادم دون القضاء عليه”.
وأوضح الزيات أن عدد ضربات التحالف الدولي للإرهاب ولتنظيم داعش تحديدا منذ أعلن خلافته على مدى العامين الماضيين وصلت إلى 9500 ضربة جوية، وهي ضربات لم تتمكن من محاصرته أو القضاء عليه لكن منعته من التمدد. فداعش ظهر في سوريا ولم تتحرك الدول الغربية لمواجهته إلا بعد عام من ظهوره، وحتى هذه اللحظة لم تستطع أن تؤدي إلى تراجعه في سوريا أو العراق، والانتصار الذي حدث أخيرا في الرمادي ـ وهللت له كل وسائل الإعلام ـ لم يتمكن من تصفية التنظيم حتى اليوم، ولا تزال له قواعد يتحرك فيها”.
وشدد الزيات على أن هناك إرهابا إقليميا متصاعدا في هذه المنطقة بصورة أساسية، فهناك في اليمن صراع مذهبي تغذيه تدخلات دولية خارجية، لأن إيران ذهبت إلى خاصرة المملكة العربية السعودية لتحيط بها، في محاولة للتأثير على الأمن القومي السعودي وعلى مدخل البحر الأحمر بصورة أساسية.
وذكر الزيات أن الأمن القومي العربي هي فكرة مثالية غير قابلة للتحقيق في الوقت الحالي، وأوضح “لا يمكن تحقق فكرة أمن قومي عربي لأنه لا يوجد اتفاق على من هو العدو، وما هي المخاطر، بعض الدول لا ترى في إيران خطرا وتعتبرها حليفا، ودول أخرى كثيرة تعتبرها عدوا، الأمر مختلف. فالأمن القومي العربي فكرة مثالية وظروفنا تحول دون تحققها حتى الآن في ظل وجود ارتباط في سوريا والعراق ولبنان بالشأن الإيراني القوي بداخلها، وما يحدث في ليبيا ودول الجوار (مصر والجزائر وتونس) فشلت في اتخاذ سياسات محددة، لأن لكل منها رؤية لمخاطر قد لا يشعر بها الطرف الآخر.
الزيات أكد أن الإرهاب في سيناء يتركز على مساحة 24 كيلومترا مربعا، أي بمعدل5 بالمئة من مساحة سيناء فقط، ما بين رفح والشيخ زويد، وهذه هي المنطقة المحددة في مشروع الجنرال جيورا إيلاند والتي طرحت في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي منذ 2008، وهي اقتطاع 24 كيلومترا ثم النزول في المنطقة لتصبح تمددا لقطاع غزة والفلسطينيين هناك، وهذه هي المساحة التي ينتشر فيها الإرهاب والتي يطالبون فيها بانفصال هذا الجزء.
وحول تهريب السلاح إلى سيناء وقطاع غزة، قال الزيات “من المعروف أن إسرائيل تضع سقفا لتسليح قطاع غزة وإذا تجاوز التسليح هذا السقف تقوم بضرب القطاع، وبالتالي وجدت ضرورة أن تكون هناك أماكن لتخزين السلاح في سيناء، الأمر الذي نشأت معه طبقة تحصل على دخلها الرئيسي من التخزين، وعندما أصبح التخزين وسيلة جاءت كل شبكات ومنظمات تهريب السلاح حيث وجدت لها موطئ قدم. السلاح كان يهرّب من ليبيا ويعاد تركيبه أو تصنيعه في السودان، وبناءا عليه كانت هناك خلايا مخابراتية لإسرائيل موجودة في سيناء تتابع مختلف الأطراف لكنها كانت تغض الطرف عن أشياء وتسمح بأشياء أخرى. وبالنسبة إلى الأنفاق فقد كانت لحماس أنفاق خاصة بها محددة، أنفاق للسلاح، أنفاق للسيارات، أنفاق للأفراد. والتداخل بين قطاع غزة وسيناء سمح بأن تضم التنظيمات الموجودة مصريين وفلسطينيين، وهو ما يبرر الحاجة إلى التعامل مع قطاع غزة باستراتيجية محددة، وإذا كان هناك خطر على الأمن القومي المصري فلا بد من اتخاذ سياسة واضحة.

Related posts

Top