الكاتب عبد الغفور خوى يكتب الرواية كي لا يموت

 كثير من الكتاب الذين كانت كتاباتهم للقصة القصيرة محطة تسخينية للانتقال إلى كتابة الرواية، وقد أفادتهم القصة القصيرة كثيرا، لأنها  أتاحت شحذ أدواتهم التقنية في الكتابة، إذ لا أحد يجهل مدى دقة القصة القصيرة وانشغالها الكبير بتكنيك الكتابة، لذا ما إن ينتقل كاتبها إلى كتابة الرواية حتى يجد نفسه قد تعلم، واستفاد الشيء الكثير من إقامته في رحاب القصة القصيرة، وغالبا ما يحالفه التوفيق في كتابته للرواية، والعكس ليس صحيحا، إذ قليلا ما يتوفق كاتب روائي في كتابة القصة القصيرة.
فهل ينطبق بعض ما تقدم على الكاتب المغربي عبد الغفور خوى الذي راكم كما من النصوص القصصية القصيرة والقصيرة جدا في مسيرته الإبداعية، ثم فاجأنا بروايته “الطيور تغني لكي لا تموت” حقيقة لم أنفلت من هذا الانطباع و أنا أطالع صفحات هذه الرواية، التي تتميز بمجموعة من الخصائص، وتجعل القارئ يقتنع أن كتابة خوى للقصة القصيرة أفادته كثيرا في خلق هذا الأدبي الجميل.
 وبعد الانتهاء من قراءة الرواية استطعت أن أخرج بمجموعة من الانطباعات حول رواية خوى “الأولى” والتي تأكيدا لن تكون الأخيرة.
 العنوان:
 لقد ظل الكاتب عبد الغفور خوى وفيا للعناوين الطويلة، التي ألفناها لديه في مجاميعه القصصية من قبيل”سنوقد ما تبقى من قناديل” فجاء عنوان الرواية على هذه الشاكلة “الطيور تغني لكي لا تموت”، ويتميز العنوان كذلك باللمسة الشعرية التي طبعت عناوينه السابقة، مما يؤشر على أن الكاتب يجد في الشعر عمقه الوجودي والنفسي.
 اهتمام الكاتب بلغته اهتماما كبيرا، فالرواية كتبها خوى بلغة جميلة وسلسة تناغم لغة الشعر، لكنها لا تفقد هويتها السردية. فإذا كان خوى قد وظف هذا النوع من اللغة في قصصه القصيرة بل أثقلها بالمجاز والصور الشعرية والمحسنات البلاغية، فإنه في هذه الرواية مال نحو الاعتدال، فاللغة تمارس وظيفتها السردية بامتياز لكنها لم تفرط أبدا في أناقتها ونرجسيتها، يقول الكاتب في ص10″ كان الظلام قد بدأ يرخي سجوفه على الفضاء الفسيح والهدوء يلف الروابي بسكينته. توقفت عند قدم صخرة صماء والعرق يتفصد من كل أقاليم جسدي وصدري ينتفخ وينكمش بقوة محدثا لهاثا سريعا ومسموعا، التفتت إلى الوراء، وجدت فاتح يلاحقني، وكان ما يزال يحمل بندقية حارس السجن والعياء يكتسح وجهه”.
  تهتم الرواية بالتنقيب في فترة الاستعمار في المغرب من خلال تتبع شخصيات ترتبط بعلاقات متناقضة مع المعمر. بعضها موال له، والبعض الآخر ثائر يبحث عن خلاص مزدوج: خلاص فردي يهم الشخص في حد ذاته، وخلاص جماعي متمثل في تحقيق استقلال الوطن، ويمكن لمس هذا التعارض من خلال نقل كلام شخصيتين فاعلتين في الرواية، يقول الحاج رحال النمرود:
“إن فرنسا هي أمنا. انظروا ألى هذه الطرق من منا كان يستطيع أن يسويها؟ وهذه الجسور من كان يستطيع أن يشيدها؟…”
فيما يرد عليه نقيضه فاتح الرضواني:
“إن فرنسا لم تقم بهذه الإنجازات حبا في سواد عيون أهل القرية، ولا رأفة منها بفقراء بلدنا، أو دفعا لشظف العيش عنا، وإنما خدمة لمصلحة مؤسساتها وتماشيا مع جشع رجالاتها وشركاتها والخونة والأزلام والتابعين أمثالك”.
 هذا الكلام القوي سيدفع بالصراع في الرواية، ويؤدي بصاحبه إلى غياهب السجون، الذي سيفر منه بطريقة هوليودية مثيرة.
 وظف خوى في روايته بعض الخطابات الموازية كالأغنية الموازية مثلا، التي يعلم الجميع أنها أدت وظيفة تواصلية وتوعوية  في مرحلة من استعمار المغرب من طرف فرنسا مما منح الرواية نفحة جمالية لا تخفى على القارئ، ويقول السارد متحدثا عن أجواء الشيخات في الصفحة 24
 “عندما يبدأ عازف الكمان بأصابعه الطويلة الرقيقة ويسمونه شيخ الفرقة، العزف على كمانه يتبعه الضارب على الدف، ثم يصدح صوت الغناء المبحوح متبوعا برقصات “الشيخات” تصهل إحداهن ملء حنجرتها بصوت حزين:
مالي أربي مالي
مالي من دون الناس
واحد في بيوتو هاني
وأنا بليت عسّاس
وفي مكان أخر من الرواية وبالتحديد في الصفحة 49:
“هزيت عيني ليك ياربي
حطيت عيني وفرح قلبي
واللي بغا الله كاع بغيناه”
 ويستمر الكاتب عبد الغفور خوى في خلق أجوائه الجميلة التي تشي بإمكانيات كبيرة لدى الكاتب في هذا النص المنسجم لغة وأحداثا وشخصيات، مما يبين أن الكاتب خوى قد اختار طريق الرواية، الذي بدا فيها واثقا من نفسه وإمكانياته، فجاءت روايته معبرة عن كل ذلك، وفاتحا له الطريق ليسلكه معبدا.

بقلم: مصطفى لغتيري

Related posts

Top