في ختام برنامجه للتوطين المسرحي لموسم 2017، نظم مسرح تانسيفت مؤخرا بمراكش، ندوة فكرية حول موضوع “المسرح والإعلام”، ساهم فيها الأستاذان عبد الواحد عوزري والحسين الشعبي، فيما تولى تسييرها الأستاذ حسن بنمنصور.
في مستهل مداخلة المخرج المسرحي الدكتور عبد الواحد عوزري، أشار إلى أن “المسرح بطبيعته فن يتوجه مباشرة إلى عموم الناس، فالمسرح لا يستقيم إلا بتواجد الجمهور”. بحيث، يقول المتدخل، “يمكن أن نتخيل عرضا مسرحيا يقدم في مسرح أو مكان ما بكل مكونات العرض ولكن في غياب الجمهور، في هذه الحالة لا نتحدث عن عرض مسرحي ولكن عن تدريب مسرحي، فحضور الجمهور هو الذي يمنح العرض طابعه المسرحي”.
ومضى عوزري قائلا إنه في “ما مضى من قرون كانت العروض المسرحية وغيرها من الاحتفالات الشعبية تقدم في الساحات العمومية التي يعبرها الجميع كل يوم أو على مدار اليوم وبذلك لم تكن هناك الحاجة لإخبار الناس بحدث العرض المسرحي لأن الكل كان على علم بحياة المدينة بكل جزئياتها وكل أنشطتها الجماهيرية منها والمغلقة، أما اليوم وقد أصبحنا نعيش في نفس المدينة منغلقين على أنفسنا في شبه جزر، صار لزاما علينا أن نقوم بمجهود إضافي لإخبار الناس بوجود عرض مسرحي أو نشاط ثقافي، وإلا لما استقام العرض وأضحى مجرد تدريب”.
وأكد عوزري على أن “للإعلام دورا خاصا وأساسيا في المسرح، فعند الحديث عن الإعلام اليوم وفي بالمغرب على الخصوص، قد نميز بين أربع مستويات:
أما المستوى الأول، فهو الذي يمكن أن نسميه بالمستوى التقليدي، أي الذي تمثله الجرائد الورقية، فمع بداية الاستقلال كنا نتوفر على أربع جرائد: اثنتان بالعربية واثنتان بالفرنسية، ومع ذلك كان الاهتمام بالمسرح أكثر.
أما المستوى الثاني، الذي يمكن نسميه بالمستوى القديم فهو الذي تشكله وسائل الإعلام السمعي البصري. في هذا الصدد يمكن أن نلاحظ أنه مع بداية الاستقلال كنا نتوفر على إذاعة واحدة فقط ومع ذلك كان الاهتمام بما كان موجودا من مسرح أكثر، أما اليوم ونحن نتوفر على حوالي تسع تلفزات والكثير من الإذاعات فإن الاهتمام أضحى أقل بكثير.
أما المستوى الثالث، فهو ما أصبح يسمى بوسائل التواصل الاجتماعية أي كل ما هو مرتبط بأنتيرنيت، وهو في الحقيقة الحظ الجديد للمسرح ولكل المجالات الأخرى لكل من يجيد استعماله.
أما المستوى الرابع فهو مجرد مستوى افتراضي، أي ما يمكن تسميته بالإشعاع الدائم لقاعة من القاعات المسرحية، وهذه الحالة حتى وإن ثبتت فلن نجدها بكثير من التجاوز إلا في المسرح الوطني محمد الخامس الذي يفترض أنه بنشاطه المستمر يقيم إشعاعا مستمرا لكل أنشطته والأنشطة التي تقام فيه باستمرار”.
كما أكد عوزري على أنه “لكي نفهم جيدا علاقة الإعلام بالمسرح في المغرب على الخصوص، ينبغي أن نعلم أنه مع بداية استقلال المغرب كان المسرح في المغرب عبارة عن عشر فرق مسرحية على وجه التقدير لذلك لم يكن في حاجة إلى إعلام. فضمن العشر فرق كانت هناك فرقتان ربما أربعة، تعتمد في عملها على نجم كان هو المؤلف أو المقتبس والمخرج والممثل النجم الذي يقوم بالدور الأول، فبذلك لم يكن بحاجة للإعلام فقد كان هو الإعلام والنجم الساطع على حساب كل المساهمين الآخرين في العمل”.
وانتقل عوزري بعد ذلك للحديث عن الواقع الحالي، مشيرا إلى أنه أفرزته على الأقل ثلاثة عوامل أساسية:
“أولا، تخلي وزارة الشبيبة والرياضة عن جزء أساسي من المسرح المغربي الذي كان يعرف بمسرح الهواة لصالح وزارة الثقافة. ثانيا، إنشاء سنة 1986 المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، الذي كان أول معهد عالي للمسرح في تاريخ المغرب، والذي رغم ما قد يقال عنه، قد مكن من تخرج جيل جديد من المسرحيين من مستوى عال من جهة، ومسرحيين أتوا عن إرادة ودراية بالمسرح ولم يأتوا بالصدفة كما هو الأمر بالنسبة لأغلب عناصر الأجيال السابقة.
ثالثا، سن مسطرة الدعم المسرحي منذ سنة 1998 من طرف وزارة الثقافة، هذه المسطرة رغم كل إيجابياتها، لم تميز منذ البداية بين الهواة والمحترفين، بشكل جعل كل الهواة يصبحون محترفين بدون قواعد ولا رقيب.
كل هذه العوامل مجتمعة وغيرها، غيرت وضع وحقيقة المسرح المغربي وجعلتنا نمر بشكل لا عقلاني ولا منطقي من عشر أو حتى عشرين فرقة مسرحية إلى 150 فرقة. هذا الرقم نتيجة دراسة موضوعية، بل هو عدد الملفات التي وضعت لدى وزارة الثقافة في الدورة الأخيرة للدعم المسرحي. لكن هل نتوفر في المغرب على 150 مؤلف مسرحي و150 مخرج مسرحي و150 فرقة مسرحية؟، فهذا موضوع آخر، المهم أن لنا 150 “وحدة” تسمى فرق مسرحية وبإمكانها قانونيا وعمليا وفعليا أن تقدم طلباتها للدعم وملفاتها مقبولة شكليا ولا يمكن الطعن فيها. هذا الواقع الجديد للمسرح المغربي جعل الإعلام أكثر من ضروري، لعدم إمكانية التمييز من جهة، ومن جهة أخرى لا يمكن للإعلام بأي حال من الأحوال أن يتابع 150 فرقة مسرحية ويعلق على عروضها أو يقدم لنا في أحسن الأحوال مجرد إخبار عن أنشطتها، فبالأحرى أن يقدم لنا قراءات عن هذه العروض المسرحية واجتهادات مبدعيها. من هنا نعيش اليوم، نوعا من الطلاق بين الإعلام والمسرح. فيمكن أن يمر عرض مسرحي ولا نجد له أي أثر في كل الجرائد المنشورة في المغرب أو كل الوسائل السمعية البصرية. يحدث كذلك أن يقدم عرض مسرحي، سواء في المدن الصغرى أو الكبرى، ولا نجد صحفيا واحدا في القاعة، ففيما مضى كانت كل جريدة تتوفر، على الأقل، على صحافي ناقد فني مهنته متابعة النشاط المسرحي والفني على الخصوص، هذا التقليد قد اختفى اليوم”.
وخلص عوزري في ختام مداخلته إلى أنه “حين نتحدث اليوم عن الإعلام والمسرح، فنحن نتحدث في الواقع عن شيء افتراضي، فمازال علينا كمسرحيين – إضافة لكل مهامنا الإبداعية – أن نقوم بكل شيء لنضمن لأعمالنا المسرحية إشعاعا وسط الناس”.
وفي مداخلة الكاتب المسرحي والإعلامي الحسين الشعبي، تمت الإشارة إلى أنه “على مدى عقود من الزمن المسرحي، وبالأخص منذ فترة السبعينات حيث كان مسرح الهواة ينتظم ضمن حركة ثقافية (متميزة وفريدة) ديمقراطية وتقدمية، كان الإعلام داعما وشريكاً أساسيا في إبراز مستجدات الممارسة المسرحية ببلادنا وفي إنجاح العروض والجولات والتظاهرات المسرحية، وتعددت وسائل الإعلام ما بين الصحافة المكتوبة التي اهتمت أكثر بالمسرح، والتي كثيراً ما عرَّفت بجديد المسرح والمسرحيين، واستقبلت الكتابات النقدية للنقاد والمهتمين والصحفيين.. أو البرامج الإذاعية التي بثت أعمالاً مسرحية مؤلفة أو مقتبسة أو مترجمة وأذاعت أخبار المسرح والمسرحيين واستجوابات وحوارات وندوات مع فنانيه، وبين التلفزيون الذي ينقل بعض العروض المسرحية التي تنسجم والخط التحريري للقناة الرسمية الوحيدة آنذاك.. ولعل اهتمام الإعلام بما يقدمه الفنان يشكل تحفيزا للمبدع على المزيد من العطاء ويطمئنه على مساره، ما يجعله يواصل بدون خوف على مستقبله الإبداعي..”.
وركزت مداخلة الشعبي بعد ذلك على علاقة الصحافة المكتوبة بالمسرح في المغرب، مشيرا إلى أنه “يمكن توزيع هذه العلاقة على مستوى الأدوار التي قام بها الإعلام تاريخيا.. وحدد الشعبي هذه الأدوار التي يقوم بها الإعلام خدمة للمسرح، في “المواكبة الإعلامية بالإخبار والتتبع، الترويج للعمل المسرحي والدعاية له، التغطية الصحفية للعروض المسرحية التي تقدم بالعاصمة والمدن الكبرى (جسر التواصل بين المسرح وجمهوره)، مواكبة وتغطية المهرجانات المسرحية، التعريف بالفرق المسرحية والكتاب والمخرجين والممثلين، الاهتمام بالسياسات العمومية في المسرح، الاهتمام بالإطارات والهيئات التمثيلية والتنظيمية لفناني المسرح، الاهتمام بأخبار المسرح في الغرب والعالم العربي..”.
كما أن دور الإعلام – يضيف الشعبي- يمتد إلى حفظ الذاكرة، من خلال “نشر ومواكبة الاجتهادات المسرحية والأبحاث الدرامية التي يقترحها الكتاب والمخرجون والفرق، وهكذا تعرف الجمهور المغربي على تجارب وأعلام مسرحية من خلال الكتابات الصحفية والأخبار التي تنشر بين الفينة والأخرى وشكل كل هذا التراكم دخيرة وثائقية تختزن ذاكرة المسرح المغربي أو جزء من مكوناته وتاريخه.. وساق الحسين الشعبي عددا من الأمثلة التي عايشها واطلع على مساراتها منها: تجربة جمعية النهضة بالخميسات، المسرح الطلائعي والمسرح الشامل وجمعية الباسم والعروبة بالدار البيضاء، المسرح العمالي والمسرح البلدي والمسرح الطلائعي بوجدة.. مسرح التأسيس بتازة، مسرح أنوار سوس بأكادير، مسرح المبادرة بسلا، فرقة الوفاء وفرقة كوميديا وشبيبة الحمراء والضياء والرحالة بمراكش، وفرقة الشعاع بتارودانت.. ثم بشكل آخر تجربة مسرح الصديقي، مسرح البدوي، مسرح عبد الرؤوف، تجربة بزيز وباز، الثنائي عاجل وفلان، مسرح عبد الحق الزروالي، مسرح اليوم، مسرح الحي.. والتجارب أو الحساسيات الجديدة.. (تانسيفت، أفروديت، أكواريوم، أنفاس، أكون، الشامات…) وتجربة المسرح الأمازيغي بأكادير والحسيمة أساسا والمسرح الحساني بكلميم والعيون والداخلة….
ومن الأدوار الكبيرة التي لعبتها الصحافة المكتوبة في دعم ومواكبة الحركة المسرحية، يقول المتدخل، هو تبنيها لحركة التنظير والسجالات التي واكبتها، وتشجيعها للحركة النقدية (التي لم تعد حكرا على الأدب الروائي والشعري..)، وبفضل الإعلام الصحفي برزت أسماء لامعة في النقد المسرحي: حسن المنيعي، عبد الرحمان بنزيدان، مصطفى القباج، محمد أديب السلاوي، كويندي سالم، محمد علي الهواري، إدريس الخوري، محمد دراعو، محمد بهجاجي، رشيد بناني، القمري البشير، حسن بحراوي، عبد الواحد بنياسر، محمد سكري، عبد اللطيف ندير، ميلود بوشايد، وآخرون..،
وساهمت الصحافة أيضا في توثيق الأحداث المسرحية الكبرى والحركة المهرجانية المسرحية بالمغرب (المعمورة، المناظرتان الوطنيات، تأسيس النقابة الوطنية لمحترفي المسرح، الاستقبال الملكي لبعض المسرحيين على إثر برنامج تلفزيوني، وفي هذت المثال دليل على مدى سلطة الإعلام وقدرته على إيصال الشأن المسرحي إلى مراكز القرار السياسي)”.
وانتقل الشعبي بعد ذلك للحديث عن التراجع الذي بات يطبع هذا الوضع، حيث هناك “تقصير في التتبع الإعلامي، الاقتصار على أخبار النجوم في السينما والتلفزيون حتى ولو كانوا حاضرين في المسرح، اعتماد الإثارة الفجة وأخبار لا تهم الراء، كالاهتمام بالحياة الشخصية للفنانين وأسرارهم المهنية والعائلية، غياب كلي للنقد المسرحي في مقابل النهوض بالبحث المسرحي الأكاديمي والجامعي والإصدارات المسرحية، الدعم العمومي لا يواكبه عمل إعلامي مصاحب..”.
وختم الشعبي مداخلته بالتأكيد على أهمية الأدوار التي تلعبها المؤسسات في ترسيخ الفرجة المسرحية والثقافة المسرحية عبر وسائل الإعلام، من قبيل: وزارة الثقافة والاتصال، المنظمات والهيئات الثقافية والسياسية، الفرق والمؤسسات المسرحية، متعهدو الإعلام العمومي (الإذاعة والتلفزة..).
بيان اليوم