خلف رحيل سيدة الخشبات الفنانة ثريا جبران، يوم الإثنين 24 غشت الجاري، حزنا وأسى كبيرين في الأوساط الثقافية والفنية والإعلامية، وكذا لدى نساء ورجال السياسة والمجتمع والاقتصاد، والنخب المغربية.. وشكل هذا الرحيل حدثا إعلاميا وثقافيا احتل صدارة الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، واشتعلت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي بتدوينات وشهادات عن الراحلة، وكتب المسرحيون مرثيات ومقالات وذكريات.. بيان اليوم تنقل لقرائها جانبا من هذه الالتفاتات التي تعكس أخلاق الوفاء والصداقة والعرفان…
اتحاد كتاب المغرب ينعي الفنانة القديرة ثريا جبران
تلقى اتحاد كتاب المغرب بحزن وألم كبيرين نبأ وفاة الفنانة الكبيرة ثريا جبران التي وافتها المنية بعد مرض طويل.
إن فقدان هذه الأيقونة المسرحية والسينمائية والتلفزيونية ليعد خسارة كبيرة للثقافة المغربية والعربية عموما بالنظر إلى مساهمتها الفاعلة في صياغة مشهد ثقافي يليق بالمغرب الحديث.
إن ثريا جبران هي أولا وقبل كل شيء ابنة الشعب المغربي البارة التي رسخت في كل أعمالها الإنصات إلى نبض المواطن المغربي البسيط في أفراحه وأتراحه، وظلت تؤمن بأن العمل الثقافي الجاد إنما يقوم في المقام الأول على الإخلاص لمبدأ حق الإنسان في الحياة الكريمة.
من هنا فإن هذه الفنانة التي نذرت نفسها منذ وقت مبكر لثقافة مختلفة، ناضلت على كل الجبهات، ولم يكن التمثيل سوى جبهتها الأمامية التي كانت تتقن تفكيك أسرارها. فقد كانت ترى أن للثقافة روافد ينبغي أن تصب متكاملة في تغيير المجتمع، لذلك فإنها كانت صاحبة رسالة، أجهرت بها في المسرح والسينما بالتمثيل، وفي الأدب والفكر بحضور التظاهرات الثقافية والإسهام في بلورة أهدافها، وبحرصها الدؤوب على حضور ملتقيات وندوات اتحاد كتاب المغرب. وعندما أتيح لها أن تنخرط عمليا في الدفاع عن حقوق الإنسان بادرت إلى الانضمام إلى الجيل المؤسس للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان فكانت صوت المواطن المغربي الذي يرنو إلى الحرية والعدالة الاجتماعية.
لقد أدت ثريا جبران ثمنا باهضا من أجل الدفاع عن القيم النبيلة التي ظلت تنافح عنها إلى آخر رمق من حياتها، وتحملت أسوة بالمناضلين الأحرار ويلات الاحتجاز والتعذيب. ولم ينل كل ذلك من إيمانها العميق بمغرب حر وحداثي.
وعندما أسندت إليها وزارة الثقافة في لفتة كانت ترمي إلى إعادة الاعتبار لما قدمته من إسهامات وتضحيات، لم تعتبر نفسها وزيرة في يوم من الأيام، بل رأت في ذلك المنصب واجهة أخرى لرؤية حلمها الثقافي مجسدا على أرض الواقع، فكرست كل جهدها لتشكيل صورة مشرقة للثقافة المغربية. وكانت وسيلتها ردم المسافة بين المؤسسة والمثقف المغربي، ومن ثم لم تعد وزارة الثقافة التي أدارتها برؤية الفنانة المثقفة مؤسسة بالمعنى الإداري للكلمة، بل تحولت إلى بنية ثقافية تكمل عمل البنيات الأخرى وفي مقدمتها اتحاد كتاب المغرب.
إن الثقافة المغربية بفقدان ثريا جبران تكون قد فقدت إحدى أعمدتها، التي كرست حياتها لخدمتها، وإن اتحاد كتاب المغرب إذ يذكر ببعض مناقب هذه المثقفة الكبيرة وببعض إسهاماتها ليشعر بمرراة الفقدان، لأنها وقفت إلى جانبه في أحلك اللحظات، وانتصرت دوما لمواقفه وقضاياه وفي ذلك انتصار للثقافة المغربية.
رحم الله الفنانة الكبيرة ثريا جبران، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
اللجنة التحضيرية للمؤتمر الاستثنائي لاتحاد كتاب المغرب
شهادات
شهادة المسكيني الصغير
(كاتب مسرحي)
تجربة ثريا جبران مسار مشرف في الممارسة المسرحية المغربية المعاصرة
تعتبر الفنانة المغربية الراحلة ثريا جبران، من بين الفنانات المتميزات في الساحة المسرحية، ويعود ذلك بطبيعة الحال إلى تشبعها بمبادئ كانت سائدة في مسرح الهواة، مبادئ يطبعها الالتزام بالقضايا الوطنية والإنسانية.
لقد استطاعت الفنانة المسرحية ثريا جبران أن تبصم بميزتها الخاصة في الأداء المسرحي بشكل جعلها مميزة بين غيرها من الفنانات والفنانين الذين استطاعوا أن يحفروا لأنفسهم مسارا مشرفا في الممارسة المسرحية المغربية المعاصرة.
لقد عاصرت الفنانة الراحلة ثريا جبران فنانين مسرحيين من أجيال مختلفة، منهم من التحق بالرفيق الأعلى ومنهم من لا يزال يواصل مساره الفني ويقدم أعمالا مسرحية مشرفة.
إن نظرة عامة على اشتغالها بالفن المسرحي، تبين للمشاهد أن لها ميزة خاصة في تشخيص أدوارها، سواء من خلال تجربتها مع المخرج عبد الواحد عوزري في فرقة مسرح اليوم، أو من خلال تجارب في فرق أخرى متعددة ومنها فرقة مسرح الناس مع المخرج الكبير الطيب الصديقي.
لقد كانت حريصة على الالتزام بالمشاركة في أعمال مسرحية ذات الارتباط بقضايا الناس الاجتماعية والسياسية، هذا لا ينفي أن فنانين آخرين كان لديهم نفس الالتزام، غير أن ثريا جبران كانت تعتبر متميزة على هذا المستوى. لقد أغنت التجربة المسرحية عبر مراحل متعددة، سواء في تعاملها مع مسرح الطيب الصديقي، أو مع مسرح اليوم للمخرج عبد الواحد عوزري، أو غيرهما.
لقد شكلت هذه التجارب قفزة نوعية في مسارها الفني، جعلتها تتبوأ مكانة متميزة بين غيرها من الفنانين والفنانات.
ثم جاءت مرحلة أخرى في تجربتها الحياتية ككل، وهي عندما أصبحت وزيرة للثقافة، الشيء الذي أبعدها شيئا ما عن المسرح، وكنا دائما نتمنى عودتها إلى خشبة المسرح، وهذا المطلب إذا صح التعبير، كانت تحترمه، غير أن المسيرة الجديدة في حياتها حالت بينها وبين العودة، وفي ندوة خاصة بتجربتها المسرحية، احتضنتها المكتبة الوسائطية بالدار البيضاء، كانت قد حضرت شخصيا، وعبرت عن أمنيتها في العودة إلى المسرح، لكن ظروفا قاهرة، منها ما هو مرتبط بوضعها الصحي الذي لم يعد يسعفها أو غير ذلك، جعلها تغيب عن الممارسة المسرحية.
ثريا جبران فنانة مقتدرة، أعطت أعمالا ترقى إلى أن تكون نموذجية، يفتخر بها تاريخ المسرح.
شهادة الفنان مارسيل خليفة
الفنانة التي ارتبطت أعمالها بالبسطاء والمهمشين
ثريّا جبران ولدت في الدار البيضاء وكانت جذورها تمتد إلى قرطبة والشام. ثريّا حبران إبنة “درب السلطان” العريق وأيقونة المسرح المغربي. والمسرح ليس له مكان ضيّق يتحرّك في فضاء إنسانيّ. بحثت عن موطئ قدم على خشبة في زحام العالم والتاريخ وحققت نفسها بشكل خاص وسط هذا الزحام.
تألقت الطفلة في المسرح البلديّ وعمرها لا يتعدّى عشر سنوات. كانت تجرؤ على اختراع نص تمثله وبدأت تقلّد ما تسمعه في أرجاء الأحياء الشعبيّة من حلقات الخرافة والحُواة وحرارة الهتاف في الساحات. لم تكن تعرف بأنها ستصل بعملها إلى حد الحرفة. كانت تعتقد أنها ستبقى هاوية مسرح وحتى آخر لحظة من حياتها ظلت تؤنس بين الهواية والمهنة. وبقيت هاوية ومحترفة في نفس الوقت وحتى لما عينّت وزيرة ثقافة كسرت النمط الرسمي في العلاقة. وبهذا التأرجح بين المهنة والهواية تحقق شيء ما بإمضاء: ثريّا جبران.. ارتبطت أعمالها بالبسطاء والمهمشين مع الطيب الصديقي وفي فرقة “مسرح اليوم” وأبدعت في “أربع ساعات في شاتيلا” – شهادة جان جينية عن المجزرة الرهيبة.
عندما التقيت ثريّا للمرة الأولى وفي زيارتي الأولى للمغرب وكانت في عزّ فتوتها قالت: “عمري الآن أصبح متقدماً وعليّ أن أنتبه للوقت ويذكرني بأنني ضيعت الكثير. في أي يوم لا أعمل أشعر بإحباط شديد. بقي سنوات قليلة أحقّق فيها المشروع الذي لا يتحقّق. المسرح المتحرّر من عبء تاريخه. من عبء الواقع. طبعاً عملية مستحيلة ولكن عليّ أن أسعى. عليّ أن أحاول وأصدق أنه موجود لكي أبحث عن المسرح المستحيل. يا أيتها المفتونة بالتاريخ خذي ريثكِ قليلاً وتمهلي لئلاّ يفوتك ما تراه العيون من ألوان وأشكال. أيتها المسكونة بنداء الماضي قد تضيعين في الزحام ويضيع منك الختام.
ثريّا جبران شكراً لكِ.
ثريا جبران.. شاعرة المسرح المغربي
منذ ستينيات القرن الماضي، ظلت ثريا جبران تمشي على خشبة المسرح المغربي في انحناء وكبرياء، يوم لم يكن المسرح مفروشا أو مكللا بالأزهار، ولكنه كان مشتعلا بالجمار. بعدها بسنوات، تعرضت ثريا للاختطاف على يد مجهولين، إبان سنوات الجمر والرصاص، لما كانت تستعد للمشاركة في برنامج تلفزيوني. وقد قامت تلك الجهات المجرمة بحلق شعرها، تنكيلا بامرأة ليس لها من ذنب غير محبة الجمال.
فن المسرح كان قد اختطف ثريا جبران من قبل، حدث ذلك قبل نصف قرن من اليوم، في سنة 1964، تحديدا، مع فرقة “الأخوة العربية”، حين ظهرت ثريا في مسرحية “أولاد اليوم”، عن طريق المصادفة، ومن خلال “النظرة الأولى”. كما يحدث في بداية كل عشق وغرام. كان زوج أختها محمد جبران يتدرب مع فرقة الأخوة، في مدينة الدار البيضاء، وهو يؤدي دور عاشق ارتبط بفتاة حملت منه. وبينما هو يعبر عن خوفه من أب المعشوقة، وقد اقترب موعد الولادة مع تقدم الزمان، وظهرت علامات الحمل للعيان، في الوقت نفسه، كانت زوجة محمد جبران في مدينة الدار البيضاء على فراش الولادة، حيث طلبت الأسرة من الطفلة ثريا أن تتوجه إلى حيث تتدرب الفرقة، وحيث يوجد زوج أختها، لتداهم ثريا أعضاء الفرقة، وهم يتدربون، وتقتحم الفضاء، مخاطبة خالها: “عزيزي، راه تزادت عندك بنت”، أي أن زوجته قد أنجبت منه بنتا.
ومن حينها، أنجبت هذه اللحظة المسرحية ممثلة لا تضاهى في مسرح المغاربة اسمها ثريا جبران. وكان المخرج عبد العظيم الشناوي قد انجذب لطلعة ثريا جبران وتلقائيتها في التعبير والكلام، منذ تلك اللحظة، فقرر الاحتفاظ بالمشهد في مسرحية “أولاد اليوم”، والاحتفاظ بثريا، التي شاركت في ثلاثة عروض لهذه المسرحية، قبل أن تعبر مسارا حافلا من مسرحية “أولاد اليوم” إلى فرقة “مسرح اليوم”، مرورا بفرقة “الشهاب” وفرقة “المعمورة” و”القناع الصغير”، ثم العمل في “مسرح الطيب الصديقي”، وتجارب ومواهب أخرى..
لم يكن مهما أن يتم تعيينها وزيرة للثقافة في المغرب، هي التي تحتل منصبا كبيرا في قلوب المغاربة.
درب السلطان
ثريا جبران هي خريجة درب السلطان، أحد أقدم وأعظم أحياء مدينة الدار البيضاء، ومهد الكفاح الوطني ومسرح الشهداء. وفي هذا الحي سقط خالها المقاوم المعروف بـ “السي علي” شهيدا في شارع الفداء. ودرب السلطان هذا هو مسقط رأس العديد من المشاهير المغاربة، مبدعين وفنانين ورياضيين، وهو درب الرجا، ودرب الأب جيكو وبيتشو والظلمي، من نجوم الكرة، والحاجة الحمداوية ورجاء بلمليح في الغناء، والشناوي والتسولي وصلاح الدين بنموسى وعبد القادر مطاع وسعاد صابر وعائلة البدوي، في المسرح والتمثيل وكل فنون الأداء.
هنا، في درب السلطان، ولدت “ثريا المسرح المغربي”، كما يسميها صديقها الشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي، وكان ذلك زمن الاحتلال الفرنسي للمغرب. والمفارقة أن ثريا ولدت في حي يدعى “حي الإسبان”، وهو يحمل اسم المستعمر الإسباني الذي كان يحكم قبضته على شمال البلاد.
بعد سنتين، وتحديدا، سنة 1954، سوف تنتقل أسرة ثريا إلى درب الشنتوف، في درب السلطان دائما. التحقت ثريا بـ “مدرسة الفداء بنات”، في الشارع نفسه الذي سقط فيه خالها “السي علي” بطلقات من “رصاص موليير”، وهي كانت ضمن الفوج الأول من التلميذات المغربيات اللواتي تخرجن من المرحلة الابتدائية مع فجر استقلال المغرب.
في هذه المرحلة، سوف تعيش الطفلة ثريا مخاضات الانتقال من الحماية إلى الاستقلال، كما يحكي لنا رفيق دربها في المسرح وفي درب السلطان أيضا، الكاتب المسرحي محمد بهجاجي. ومن هنا، شكلت ثريا ولا تزال، جزءا من “ذلك الحلم الذي عانقه جيل الاستقلال ورافق انكساراته وتعثراته”، وهو ما يقوله الكاتب المغربي محمد برادة ذات شهادة في حق ثريا.
قصيدة مسرحية
إذا كان المسرح قد بدأ شعرا، فإن ثريا جبران، في حد ذاتها، قصيدة مسرحية بلا منازع. ذلك أن “الشعر بالنسبة إلى ثريا هو المسرح الأصفى”، كما يقول الشاعر المغربي محمد بنيس. وقد استطاعت ثريا جبران أن تصعد بالشعر العربي إلى خشبة المسرح، كما لم تقو قصيدة على ذلك. فمع الطيب الصديقي، قدمت سنة 1980 مسرحية “ديوان عبد الرحمن المجذوب”، التي أبدع نسختها الأولى سنة 1967، وهي تستعيد فيها الشاعر الصوفي الشعبي المجذوب، وحكمه الخالدة، كما قدمت في مسرح الصديقي مسرحية “أبو نواس” سنة 1984
في سنة 1985، قدمت مع الطيب الصديقي عملا مسرحيا عربيا كبيرا، من خلال المسرحية التاريخية “ألف حكاية وحكاية في سوق عكاظ”، في إطار فرقة الممثلين العرب، التي أسسها الصديقي رفقة اللبنانية نضال الأشقر، بمشاركة ممثلين من العراق وسوريا والأردن وفلسطين، وثريا جبران من المغرب.
في سنة 1987، سوف تسطع شمس ثريا جبران في فرقة “مسرح اليوم”، من خلال عملها الأول “حكايات بلا حدود”، وقد اقتبسها زوجها المخرج عبد الواحد عوزري عن نصوص للشاعر السوري الراحل محمد الماغوط، وهو “البدوي الأحمر” الذي كتب نصوصا مفعمة بالسخرية والمفارقات التي ضمنت الفرجة المسرحية لهذا العمل، حيث تألقت به فرقة “مسرح اليوم”، في يومها الأول، ودشنت لتجربة جديدة في المسرح المغربي، بل والعربي عامة. وقد عرضت المسرحية في مهرجان بغداد المسرحي في تلك السنة، وفي مهرجان دمشق للفنون المسرحية سنة 1988.
إذا كان المسرح قد بدأ شعرا، فإن ثريا جبران، في حد ذاتها، قصيدة مسرحية بلا منازع.
ساعات شاتيلا
أما العرض المسرحي “أربع ساعات في شاتيلا”، الذي يعود إلى سنة 2001، وهو نص للكاتب الفرنسي جان جنيه، بترجمة محمد برادة، فلم يكن يقل شاعرية، وهو يستعيد روائع الشعر الإنساني، من ملحمة جلجامش إلى قصيدة “حالة حصار” للراحل محمود درويش. هذا مع التذكير بأن أقوى اللحظات التي عاشتها ثريا جبران، وهي وزيرة للثقافة المغربية، كانت يوم سلم “بيت الشعر في المغرب” جائزة “الأركانة” للشاعر الراحل محمود درويش، سنة 2008، على خشبة مسرح محمد الخامس في العاصمة المغربية الرباط، وهي المكان الذي تألقت فيه ثريا جبران في أكثر من زمان. وفي تجربة مسرحية شاعرة، مع عبد اللطيف اللعبي، ومن خلال الاشتغال على ديوانه “الشمس تحتضر”، ومسرحته مسرحة مؤثرة، استدرجت ثريا اللعبي إلى خشبة مسرح محمد الخامس، وهو يفتح ديوانه، ويقرأ ما تيسر منه.
يتذكر المغاربة كيف تحولت المسرحية إلى أمسية شعرية، قرأ فيها اللعبي بصوته، وقرأت فيها ثريا بصوتها وتعبيراتها وإيماءاتها الباذخة. عن تلك اللحظة المسرحية يقول اللعبي، وهو يتحدث عن صديقته، التي جاورته وحاورته شعريا ومسرحيا: “يبدو لي أنها كانت تقرأ في جراحي بقدر ما كنت أقرأ في جراحها. ولم نكن في حاجة للكلمات قصد التعبير عن ذلك”. انتهى كلام اللعبي، وانطلق كلام الجسد، مع ثريا جبران. ذلك أن هذه الممثلة، ومع فرقة “مسرح اليوم”، استطاعت أن تحقق الدعوة التي أطلقها المخرج المسرحي السويسري أدولف آبيا من أجل “إلغاء دراما الكلمة”، وإعطاء الكلمة للجسد، حتى ينطق ويتكلم حين يتألم. لكن روح ثريا جبران المرحة والشاعرة ظلت أكثر تعبيرية وجمالية، وأشد قدرة على معانقة أرواح المغاربة. لذلك، فهي حين ترحل عنا اليوم فلكي تقيم في قلوبنا إلى الأبد.
*شاعر ومدير دار الشعر بتطوان