النداء القوي الذي وجهته الفيدرالية المغربية لناشري الصحف نهاية هذا الأسبوع من وجدة، جسد الوعي الكبير لدى المهنيين المغاربة بكونهم ينطلقون من منطلق القناعة الوطنية الراسخة ووضوح النظر تجاه كل الاستهدافات الموجهة إلى بلادنا من لدن الجيران، ومن ثم دعوا نظراءهم والنخب المستنيرة بالدول المغاربية إلى إعلاء كلمة التقارب ونبذ خطابات التفرقة والكف عن إذكاء أسباب العداء المفتعلة، وحثوا الصحفيين على أن يكونوا فاعلين في الحل وليس أدوات حرب وإشعال الأحقاد.
الفيدرالية المغربية لناشري الصحف اختارت، بمناسبة الجمع العام التأسيسي لفرعها الجهوي بوجدة، أن تعزز انخراطها الداخلي في تقوية التنظيم والتأطير المهنيين بالانخراط الوطني دفاعا عن البلاد وقضيتها الوطنية وسيادتها، وأن تنتصر للأفق المغاربي الحاضن لمصلحة الشعوب وتطلعاتها.
واختارت مدينة وجدة بكل رمزيتها الوحدوية التاريخية لتنادي منها الزملاء في الجزائر، ولتؤكد لهم جهارا وصراحة أن:»حال المغرب الكبير ليس بحاجة لمن يزيد في تأجيج نار التشرذم، ولكنه بحاجة لأقلام وحدوية وكلمات تترجم بصدق طموحات الشعوب المغاربية في التكامل الضروري للتنمية والديمقراطية والكرامة والحرية»، ثم أضافت فيدرالية الناشرين، في نداء وجدة، «أننا نمد أيدينا لزملائنا وإخواننا في المغرب الكبير عموما، وفِي الجزائر الشقيقة على الخصوص، من أجل أن نكون جزءا من الحل لا جزءا من المشكلة، وأن نربط خطوطنا التحريرية والإنسانية برابط الدفاع عن المستقبل الإندماجي بدل أن نبقى رهائن لاجترار ضغائن الماضي».
إن نداء مد الأيدي الذي أطلقته الفيدرالية المغربية لناشري الصحف اليوم من عاصمة المغرب الشرقي وجدة، المطلة على الجار الشرقي للمغرب، هو اصطفاف ضمن النداء الذي ما فتئ يطلقه جلالة الملك تجاه الأشقاء الجزائريين، وهو اختيار واع بالانتماء إلى الأفق المغاربي، وهو أيضا تعبير عن الارتباط العريق بين الشعبين الجارين والشقيقين، وهو نفس الأفق الذي تعبر عنه اليوم مطالب الشعب الجزائري الواقف في الشارع من أجل كرامته وحريته.
يعني ما سبق، أن الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، التي كانت محاطة بعدد من الشخصيات الإعلامية والمدنية الحاضرة في ندوة أقيمت على هامش الجمع العام التأسيسي لفرعها الجهوي بوجدة، وهي تتطلع إلى أفق مستقبلي، إنما كانت تقف ضمن مرحلة ما بعد زمن العدائية المرضية تجاه المغرب والمتفشية في عقول وسلوك حكام الجزائر الحاليين، أي أنها وضعت سقف تطلعها في رحابة المستقبل، وتمسكت بالعقل وبعد النظر.
لقد أكدت فيدرالية الناشرين أن الانتصار للأفق المغاربي لا يصدر عن استجداء أو حاجة ذاتية، وإنما هي تعبر عنه من داخل اصطفافها الوطني المنتصر لحقوق المغرب ووحدته الترابية وسيادته الوطنية، وتنصت، في ذلك، لإرادة الشعوب المغاربية، وضمنها الشعب الجزائري.
واضح اليوم، واستحضارا لكل ما سبق، أن تمسك المغرب والمغاربة، ومختلف مؤسساتهم وهيئاتهم الرسمية والمجتمعية، بالعقل والرصانة وبعد النظر، يقابله تعدد ارتماءات الحكام الجزائريين في منحدرات الإسفاف والرداءة والتصعيد والجنون.
واليوم وحده هذا التصعيد الباتولوجي من لدنهم يؤكد لوحده مسؤوليتهم في افتعال النزاع على الوحدة الترابية للمغرب، ويفضح كذب كل خطابات الحياد المتكلسة.
الماكينة الدعائية للنظام العسكري الجزائري تصر على إقحام المغرب في أي شيء، وصار الأمر يبعث على السخرية من كامل هذه البذاءة، ويقدم عسكر قصر المرادية أنفسهم كل يوم كمرضى مصابين بعقدة المغرب.
نحن اليوم أمام نظام مستبد لم يقنع شعبه بأي شيء، والحراك الداخلي دليل عن نهاية قبضة العسكر وسقوط الوهم.
مقابل هذا، المغرب يوجد في موقع يؤهله أن يعرض أمام العالم نموذجا لدولة حقيقية في المنطقة، وتستطيع أن تقود دينامية الاستقرار والتقدم والتنمية، وتكون فاعلا وشريكا يمتلك المصداقية ونجاعة الفعل.
ولهذا فإن نداء وجدة، الذي أصدرته الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، وعلى غرار مختلف المبادرات المغربية الرسمية والشعبية والمدنية، يرتقي بكل تجليات المنجز المغربي الداخلي إلى مستوى التطلع المغاربي المشترك، ويدعو إلى البناء عليه ضمن إرادة وحدوية واعية لتمتين البناء الإقليمي الوحدوي المشترك، والخروج من منغلقات التأزيم الذي يفتعله يوميا النظام العسكري الجزائري في العلاقة مع المملكة الجارة.
الشارع الجزائري نفسه اليوم يجسد فشل مقاربة حكامه ويطالب بوضع نهاية لسيرة العداء والمناورة، وينادي بالتغيير، والمغرب، في المقابل، يواصل صموده في وجه النظام العسكري المتكلس ويتصدى لعدائه، ويستمر في صنع حكاية المستقبل، وفِي نفس الوقت يفتح أيديه لكي تساهم دول المنطقة كلها في بناء سردية الحكاية التي تعانق المستقبل، وتمشي نحوه بتعاون جماعي مشترك.
ضمن منظور يتطلع إلى المستقبل المشترك، وضعت إذن الفيدرالية المغربية لناشري الصحف مبادرتها التنظيمية والترافعية والإشعاعية، وهي مقتنعة بأن ذلك يبدأ أيضا بتأهيل مقاولات الإعلام الجهوي، المكتوب والإلكتروني، وإسنادها المادي والتكنولوجي، وتعزيز مقدراتها التكوينية والمهنية والأخلاقية والمعرفية، وذلك لكي تساهم في دينامية البناء، ولكي تتصدى للمغالطات والأخبار الزائفة، وليكون هذا الإعلام فاعلا في المراحل المقبلة.
وهذه المقاربة الواعية هي التي أسست لها فيدرالية الناشرين في أقاليم الجهات الصحراوية الثلاث عبر تأسيس ثلاثة فروع جهوية لها هناك، وواصلتها هذا الأسبوع بتكوين فرع جهة الشرق، وذلك ضمن مبادرات تنظيمية ومهنية مستقلة، تنكب على الانشغالات المهنية لمقاولات القطاع في هذه الظرفيات الصعبة، وأيضا على الانشغال الوطني العام بمستقبل بلادنا وحضورها الإقليمي والدولي.
إن التمسك بالعقل وبعد النظر، والتعبئة للتصدي للرداءة والإسفاف، والتطلع إلى المستقبل، والارتقاء بالمهنة، هي محددات الدرس المستقى من مبادرات الفيدرالية المغربية لناشري الصحف.
<محتات الرقاص