على إثر الزلزال المدمر الذي هز تركيا وسوريا الشهر الماضي، والذي تلاه ما يزيد عن 4000 هزة ارتدادية، وهزات أخرى كانت أعنف، تعود بين الفينة والأخرى مجموعة من السيناريوهات التي تقض مضجع الناس حول ماهية هذه الكوارث وطبيعتها وكيف تحول حياة الناس بين ليلة وضحاها.
وخلال الأشهر القليلة الماضية فقط ضربت عدد من الهزات الأرضية دولا متعددة، وسجلت دول أخرى فيضانات وسيول جارفة، وأدت هذه الكوارث في مجملها لوفاة الآلاف من الناس والتأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على الملايين بدول مختلفة.
بيان اليوم ومن خلال هذه النافذة الرمضانية، تعيد شريط مجموعة من الأحداث التي عرفتها دول مختلفة، وضمنها بلادنا المغرب، حيث هزت، بين ليلة وضحاها، كوارث طبيعية شعور الناس وشدت الانتباه إليها وخلقت حالة من التحول في مسار الملايين.
زلزال وتسونامي توهوكو 2011.. الكارثة التي كانت ستعصف باليابان وسط كارثة نووية
من ضمن الكوارث ذات الأبعاد الخطيرة، زلزال وتسونامي توهوكو الذي ضرب اليابان عام 2011، إذ أن لهذه الكارثة أبعاد أخطر من تأثيرها الطبيعي ذلك أنها كانت ستؤدي بالبلاد إلى كارثة نووية من شأنها ان تعصف بهذه القوة الأسيوية.
وإذا كانت كارثة الزلزال قد أدت إلى كارثة تسونامي، فإن هذا الأخير كاد أن يتسبب، أو تسبب بشكل جزئي محدود، في كارثة ثالثة وهي الإشعاع النووي، الذي لولا الألطاف الإلهية كاد ليكون عاما بمدينة فوكوشيما، وكاد أن يتسبب لليابان في خسائر لا تعد ولا تحصى.
تعود تفاصيل الكارثة إلى 11 مارس 2011، بعدما ضرب زلزال عنيف بقوة تراوحت بين 8.9 و9.1 درجة على سلم ريشتر، سواحل شرق اليابان ونجم عنه موجات تسونامي في المحيط الهادي.
رصد العلماء والباحثون حينها بؤرة الزلزال، التي وجدوا أنها تقع 373 كيلومتر شمال شرق العاصمة طوكيو و130 كيلومتر شرق مدينة سنداي، وبدرجة تقدر بـ 9.1 درجة على سلم ريشتر، كانت كافية لحدوث انهيارات ضخمة بسنداي والمدن القريبة منها على وجه الخصوص.
عقب الكارثة التي ضربت في منتصف النهار، حوالي الثانية وست وأربعون دقيقة بعد الزوال بالتوقيت المحلي، انهار مجموعة من المباني والمنشئات، من بينها منشئات عامة، من ضمنها مطار سنداي الذي دمر بالكامل، فيما كان الضرر بليغا للغاية في البنية التحتية وفي المحطات النفطية والمحطات النووية التي جرى بشكل مستعجل توقيفها عن العمل من قبل وكالة الطاقة.
هذه الكارثة، تعد حسب مجموعة من العلماء والخبراء في الزلازل إحدى اسوأ الكوارث في تاريخ اليابان منذ بداية تسجيل الزلازل، وهو ما استدعى من السلطات المختصة إغلاق محطات نووية قرب منطقة الزلزال.
وحسب مجموعة من التقارير فإن هذه الهزة العنيفة سبقها تحذير غير معلن، إذ قبل يومين من الكارثة ضربت هزة أرضية في ذات الموقع بقوة 7 درجات، لكنها لم تكن مؤثرة لا على البنية التحتية ولا على حياة الناس، الذين لم يشعروا بقوتها حينها.
وقع الزلزال على عمق 24,4 كيلومتر، وعلى بعد 100 كيلومتر تقريبا قبالة سواحل ميجي، وأدى حسب المعهد الإيطالي للجيوفيزياء ودراسات البراكين إلى إزاحة محور دوران الأرض عشرة سنتمترات.
وقعت بعض الهزات الارتدادية التي زادت من تدمير عدد من المنشئات، إلا أن ابعاد الزلزال التي كبدت اليابان خسائر مهولة، هو تسببه في رفع مستوى البحر لدى الشاطئ إلى ارتفاع 10 أمتار نتيجة كمية المياه الهائلة القادمة من عرض المحيط باتجاه الشاطئ الياباني، معلنا قدوم تسونامي مدمر لسواحل عديد من المدن، بل ولسواحل حوالي 25 دولة واقعه ضمن منطقة الخطر في المحيط الهادئ.
عقب الكارثة الأولى، أرسلت وكالة الأرصاد الجوية اليابانية تحذيرات وإنذارا عاجلا بأمواج تسونامي هو الأشد على مقياسه التحذيري، وصنفته الوكالة حينها على أنه “تسونامي كبير” يبلغ ارتفاعه 3 أمتار على الأقل، فيما بلغ في بعض المناطق إلى ست أمتار كما أعلنت ذلك محافظة مياغي اليابانية والتي سجلت بها أعلى ارتفاع لأمواج تسونامي.
أدى التسونامي بشكل مباشر إلى إغراق مساحة إجمالية تبلغ نحو 561 كيلومترا مربعا في اليابان، وزاد من المحنة التي أحدثها الزلزال حيث أدى إلى ارتفاع الخسائر البشرية والمادية على حد سواء.
وهكذا، أعلنت مجموعة من التقارير عن مقتل ما لا يقل عن 19 ألف و747 شخصا وإصابة أزيد من 6242 وفقدان ما يزيد عن 2556 شخصان فيما نزح جراء الكارثة ما يزيد عن 130 ألف شخص، فيما احصت السلطات انهيار 332 ألف و395 مبنى و2126 طريقا و56 جسرا و26 سكة حديدية، فيما أعلنت تدمر طول الساحل الشرقي بأكمله لهونشو من تشيبا إلى أوموري.
وكما حدث في زلزال وتسونامي المحيط الهندي الذي ضرب سومطرة في إندونيسيا 2004، فإن الضرر الناجم عن ارتفاع منسوب المياه، برغم أنه كان محليا أكثر، إلا أنه كان أشد فتكا وتدميرا من الزلزال ذاته، وشمل دماره بلدانا أخرى مجاورة، حيث دمرت بلدات بأكملها في المناطق التي ضربتها أمواج تسونامي.
من بين العوامل التي ترجح تقارير مختلفة أنها تسببت في ارتفاع عدد الوفيات هو شدة قوة المياه غير المتوقعة، إذ أن السلطات اليابانية وبناء على تحذيرات مسبقة من وكالة الأرصاد الجوية، عملت على بناء حوائط للحماية من خطر التسونامي في عدة مدن ولكنها كانت أقل ارتفاع بكثير من الأمواج.
كما أن كثيرا من الأشخاص الذين وصل إليهم خطر التسونامي ظنوا أنهم كانوا على ارتفاع كافٍ ليبقيهم آمنين، وهو ما حدث عكسه خصوصا وأن الامواج ببعض المناطق والبلدات كانت أعلى مما تم توقعه، وأدت بذلك إلى خسائر كبيرة في صفوف السكان.
ووفقا للجنة خاصة لمنع الكوارث عينتها الحكومة اليابانية، فإن سياسة الحماية من أمواج تسونامي كان المقصود منها التعامل فقط مع حوادث التسونامي التي تحدث بشكل متكرر، حيث دعت في توصية لها إلى أن السياسة المقبلة ينبغي أن توفر الحماية تجاه أعلى تسونامي ممكن الحدوث، وذلك لأن جدران الحماية من خطر التسونامي قد تم تجاوزها.
كما أوصت ذات اللجنة إلى تعليم المواطنين كيفية إخلاء أي منزل في حال حدوث تسونامي واسع النطاق، حيث استندت في ذلك على أن المناطق التي جرى فيها الإخلاء لم يتضرر منها سوى 5 بالمئة من الذين لم يسعفهم الوقت من أجل المغادرة قبل حلول الكارثة.
دمر الزلزال وتسونامي مجموعة من المدن والمناطق باليابان وأدى إلى تدمر أجزاء كبيرة من كوجي والجزء الجنوبي من أوفوناتو بما في ذلك منطقة الميناء بالكامل تقريبا، كما شمل الدمار مدينة ريكوزنتاكاتا، كامايشي وميياكو وأوتسوشي ويامادا ونامي وسوما وميناميسوما وشيشيغاهاما وهيغاشيماتسوشيما وأوناغاوا وإيشينوماكي ومدن أخرى عديد شوهد بها آثار التسونامي الذي ضرب على امتداد 670 كيلومترا من الساحل.
وكادت الكارثة أن تتحول إلى كارثة أكبر عالميا، إذ أن بعض المحطات النووية كانت قاب قوسين من الانفجار، خصوصا بمنطقة فوكوشيما، حيث تحدثت قناة الجزيرة حينها عن حدوث انفجار نتجت عنه انهيارات في سقف وجدران مبنى في مفاعل نووي بفوكوشيما، حوالي 240 كيلومتر شمال طوكيو، وهو ما أدى إلى إصابة بعض العاملين به وإجلاء الآلاف من السكان في محيط المفاعل، فيما كانت وسائل إعلام يابانية قد اشارت إلى أن النشاط الإشعاعي قد صار أكبر بعشرين مرة من المستوى الطبيعي في موقع فوكوشيما.
أيضا، أطلقت الحكومة اليابانية صباح اليوم التالي لحدوث الزلزال تحذيرا من وقوع انصهار في مفاعل فوكوشيما الذي تعرض للتدمير بسبب الزلزال، كما أعلنت حالة الطوارئ في محطة نووية ثانية، الأمر الذي أدى إلى إثارة مخاوف بشأن تسرب بخار مشع من محطة فوكوشيما بسبب ارتفاع الضغط داخلها بعد أن دمر الزلزال حسب، تقارير، إمدادات الكهرباء والمياه وتعطلت أنظمة تبريد المحطة.
ولتجاوز الأزمة بسرعة، وحصرا للخسائر، قرر رئيس الوزراء الياباني حينها بتوسيع عمليات الإخلاء حول المحطة إلى دائرة نصف قطرها 20 كيلومتر وسط احتمال تسرب إشعاعي.
بالموازاة مع ذلك، أعلنت السلطات اليابانية إغلاق محطات للطاقة النووية ومصاف نفطية ومصانع للسيارات والإلكترونيات، وذلك درءا لأن تتسع الكارثة من الزلزال وتسونامي إلى كارثة نووية تعصف بالبلاد ومواطنيها.
إعداد: محمد توفيق أمزيان