أكدت المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية أن الالتزامات المتضمنة في البرنامج الحكومي، والتي تتوزع على خمسة محاور أساسية، زواجت بين الطموح والواقعية، وحملت في طياتها أجوبة على العديد من الانشغالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأعربت المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية، في مداخلة لرئيستها عائشة لبلق، خلال جلسة عمومية خصصت، أول أمس الاثنين، لمناقشة مضامين البرنامج الحكومي الذي قدمه رئيس الحكومة سعد الدين العثماني الأسبوع الماضي أمام مجلسي البرلمان، عن دعمها للحكومة في تنزيل هذا البرنامج على أرض الواقع، متقدمة في الوقت ذاته بمقترحات تراها قمينة بتسريع وتيرة الإنجاز وإكسابه النجاعة على مستوى التنفيذ.
وفي هذا الإطار وبعد أن شددت على أهمية إعداد برنامج حكومي، دعت عائشة لبلق إلى ضرورة ترجمة أهداف هذا البرنامج على أرض الواقع، من خلال بذل المجهود والحرص على توفير الآليات والكفاءات والاعتمادات اللازمة لذلك، استجابة للانتظارات المشروعة للمواطنات والمواطنين.
في ما يلي نص المداخلة
السيد الرئيس؛
السيد رئيس الحكومة؛
السيدات والسادة الوزراء؛
السيدات والسادة النواب؛
باسم المجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية، أتدخل هذا اليوم، في هذه اللحظة السياسية والدستورية الهامة والتي يتابعها بدون شك، المواطنات والمواطنون، باهتمام وحرص بالغين، وعلينا أن نتحمل مسؤوليتنا الجماعية لنكون في مستوى هذه اللحظة ومستوى التطلعات والانتظارات التي ترافقها.
فبعد مخاض الولادة العسير لهذه الحكومة، التي يشارك فيها حزب التقدم والاشتراكية، بناء على موقف وطني مسؤول، اتخذته بحرية وديمقراطية، هيئاته التقريرية. استنادا إلى قراءة موضوعية لمعطيات المرحلة، وما تفرضه من مهام وتحديات -أقول بعد هذا المخاض العسير-ها أنتم، السيد رئيس الحكومة المحترم، تقدمتم أمامنا ببرنامج حكومي طموح، يتضمن توجهات واضحة، والتزامات مدققة، وأولويات محددة، ضمن محاور متماسكة شملت مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والخارجية…
فلا يسعنا، بكل موضوعية، إلا أن نثمن توجهاته ومضامينه، دون أن يمنعنا ذلك من إبداء الملاحظات الضرورية، وتقديم الاقتراحات التي نعتبرها إسهاما في تجويد العمل التنفيذي، وفق ما يستلزمه دورنا وينسجم مع قناعاتنا.
وقبل الخوض في مناقشة البرنامج الذي بين أيدينا، فإننا، في المجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية، نُعَبر عن الاعتزاز بعودة بلدنا إلى أسرته المؤسسية بالاتحاد الإفريقي، لما يتيحه ذلك، بكل تأكيد، من فرص حقيقية لمزيد من إشعاع بلدنا ونمائه، بشراكة وثيقة مع بلدان قارتنا الإفريقية، ولما يجسده ذلك أيضا من تقدم نحو لحظة الكسب النهائي لمعركة وحدتنا الترابية، وذلك تحت القيادة الحكيمة والمقدامة لجلالة الملك نصره الله.
السيد الرئيس؛
إننا في المجموعة النيابية، ومن خلالها حزب التقدم والاشتراكية، نتطلع إلى أن تشكل اللحظة السياسية التي نحن بصددها، بدايةً جديدة تواصل فيها هذه الحكومة مسار الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، التي انخرطت فيه بلادنا، خاصة مع مجيء حكومة التناوب التوافقي، وبالمناسبة نتوجه بتحية خاصة لحكومة سي عبد الالاه بنكيران التي رفعت التحديات في سياق إقليمي جد معقد. إن تعيين السيد سعد الدين العثماني، رئيسا للحكومة من قبل صاحب الجلالة، وهو ما يشكل احتراما للدستور وللإرادة الشعبية المعبر عنها، في اقتراع 7 اكتوبر، هذا التعيين هو تاكيد ودعوة صريحة لصيانة الاختيار الديمقراطي.
فعلى هذه الحكومة أن تعزز هذا المسار عبر تنفيذ هذا البرنامج الحكومي الطموح، بالفعالية المطلوبة، حتى يجسد، بحق، جوابا عمليا للانتظارات المشروعة للمواطنات والمواطنين.
هي مناسبة إذن، للتذكير ببعض من المواقف الثابتة لحزبنا، والمتمثلة في الربط الجدلي بين الوطنية والديمقراطية.
هكذا نشأ حزب التقدم والاشتراكية، وهكذا هو مستمر، حزبا مكرسا نضاله من أجل تشييد الدولة الوطنية الديمقراطية، دولة الحق والقانون ذات المؤسسات القوية والاقتصاد القوي المنتج للثروة والتوزيع العادل لهذه الثروة.
حزب يناضل من أجل إقرار العدالة الاجتماعية، وترسيخ الحريات والمساواة وقيم الحداثة واحترام التعددية، استنادا إلى منهج ترصيد المكتسبات الوطنية وتطويرها، عبر الاستثمار الأمثل للتجربة والفكر الإنسانيين.
هكذا استطاع حزبنا، بفضل استقلاليته واتزانه وشجاعته المسؤولة التي تميز، مواقفه وتحاليله، أن يشكل مدرسة سياسية قائمة الذات، حرصت على صون علاقات متميزة مع جميع الفاعلين.
ولطالما اعتبرنا، منذ نشأتنا، التعددية تعبيرا حيا عن حيوية المجتمع وغناه الثقافي والفكري، ولازلنا نؤمن بذلك، موقف مبدئي، بغض النظر عن السياقات الظرفية، وعن حسابات اللحظة.
على هذا الأساس، نعتبر حماية التعددية، وتمكين كل التيارات السياسية والفكرية المنبثقة من رحم المجتمع، من تمثيلية منصفة، في كافة المجالات، هو السبيل الأمثل، بل لن نبالغ إن قلنا الوحيد، لبناء ديمقراطية حقة، تحملها مؤسسات قوية.
ولعل مؤسستنا الموقرة هذه، هي الأجدر بإعطاء النموذج في هذا الصدد، إذ نٌذَكر الجميع: حلفاءنا في الأغلبية، وكذا مكونات المعارضة المحترمة، بما تم التعبير عنه من مواقف بخصوص العتبة المطلوبة للتمثيلية، بمناسبة الانتخابات الأخيرة.
إنه موقفنا الثابت في هذا الصدد، للتعبير عن الحق في الوجود الفعلي من داخل المؤسسات في احترام تام للشرعية وللمؤسسات.
السيد رئيس الحكومة؛
لقد أرسى الدستور منظومة متكاملة من الحقوق والحريات، تروم إرساء دعائم دولة الحق والقانون، والمؤسسات المستندة إلى الحكامة الجيدة.
وإذ نثمن التزاماتكم بهذا الشأن، فإننا ندعوكم إلى تفعيلها المحكم، في احترام تام للدستور نص الدستور وروح الدستور.
ومن منطلق وفائنا لخطنا السياسي السباق في مجال الكفاح من أجل المساواة، وأساسا المساواة بين الجنسين، التي تشكل إحدى المرتكزات الثابتة لقناعاتنا، فإننا ندعوكم، اليوم، و بإلحاح إلى الإعمال الديمقراطي والمتقدم لمضامين الدستور، مقتضيات الدستور، ذات الصلة بالحقوق و التمكين السياسي و الاقتصادي والاجتماعي للنساء، وضمان ولوج متساو للخدمات العمومية ومراكز صنع القرار، والارتقاء بـ “الخطة الحكومية للمساواة” إلى مستوى يضمن بالفعل التقائية السياسات العمومية، وفق مقاربة حقوقية مندمجة نلمس أثرها في التحسين الفعلي للأوضاع، والتسريع بإخراج قانون يحمي النساء من العنف وكذا القضاء على كـــــــل أشكال التمييز و تمكين النساء اللواتي هن في وضعية صعبة.
السيد رئيس الحكومة؛
في الشق الاقتصادي، فإننا ندعوكم إلى التسريع من وتيرة إنجاز المشاريع والإصلاحات الاقتصادية الأساسية، ومواكبتها بإعطاء الدفعة اللازمة لإصلاح القضاء والإدارة، والحرص على نزاهة وشفافية القرار الاقتصادي، واتخاذ تدابير عملية لمحاربة اقتصاد الريع والفساد.
كما نشدد على ضرورة أن تتخذ الحكومة إجراءات قوية تضمن قدرة الاقتصاد الوطني، ليس على المقاومة فقط، ولكن على المنافسة أيضا، والسعي إلى تنويع نسيجنا الاقتصادي، وتقوية الطلب الداخلي وتنمية قدرات بلادنا التصديرية، وتسريع وتيرة إنجاز المخططات الإستراتيجية وتقييم وقْعها، ومواصلة سياسة الأوراش الكبرى والتجهيزات الأساسية.
فلا ينكر إلا جاحدٌ أهميةَ الإجراءات الاقتصادية المتخذة منذ عقدين على الأقل، إلا أن ذلك، لا يعني أننا في منأىً عن الإكراهات والنقائص التي حان الوقت للتصدي إليها بكل الحزم المطلوب، لاسيما في ظل استمرار الاختلالات الميزانياتية، وانعكاس ذلك على الوضع الاجتماعي.
فالعمل على الحفاظ على التوازنات الماكرو -اقتصادية، بأهميته، لا يكفي، والأمر يتطلب اعتماد مقاربة أشمل، ترتكز من بين ما ترتكز عليه، إصلاح وتطوير نموذجنا الاقتصادي، وتحيين محاوره وتوجهاته، حتى يتمكن فعلا من التوفيق بين مستلزمات بناء اقتصاد وطني قوي وتنافسي، وبين مقتضيات التنمية المستدامة، والعدالة الاجتماعية.
والتأكيد عل دور الدولة في التخطيط والتوجيه، والعمل على تقوية القطاع الخاص على أسس متينة، على أساس المسؤولية الاجتماعية للمقاولة، وكذا تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
كما ندعوكم، السيد رئيس الحكومة، إلى التقييم المستمر لمختلف المخططات القطاعية، والانكباب على إعادة توجيهها في اتجاه تحقيق التقائية أهدافها، مع وضع المسألة الاجتماعية في صلب هذه الأهداف، واعتبار التصنيع أولوية للتنمية الاقتصادية، ووضع إستراتيجية وطنية تكرس الدور الأساسي للمقاولات بجميع أصنافها، خاصة المتوسطة والصغرى والتي نولي اهتماما خاصا للمشاكل التي تعاني منها.
كما نشدد على أجرأة سياسة شاملة لتنمية العالم القروي، تولي المزيد من العناية بالفلاحين الصغار وتجعل من الفلاحة التضامنية، دعامة أساسية للمخطط الأخضر، تأخذ بعين الاعتبار البعد الإيكولوجي وبعد الجهوية المتقدمة وتهيئة المجال.
وفي ما يخص “الإصلاح الجبائي”، فإننا معكم إلى أبعد الحدود، السيد رئيس الحكومة، عندما تتحدثون عن “توسيع الوعاء ومحاربة الغش الضريبيين”، الذي يعني الضرب بقوة على أيدي المتملصين من الضرائب، و البحث عن مصادر جبائية جديدة.
بهذه المناسبة، -مناسبة البحث عن مصادر جبائية جديدة -نناشد الخواص للتعاطي مع الضريبة كاستثمار غير مباشر، لأنها تشكل شرطا من شروط تمويل الاقتصاد الوطني، وتطوير البنية التحتية والتجهيزات الأساسية التي تعود على الجميع بالنفع، وطبعا: المقاولة جزءٌ لا يتجزأ من هذا “الجميع”.
السيد الرئيس؛
السيد رئيس الحكومة؛
السيدات والسادة الوزراء؛
السيدات والسادة النواب
إننا في المجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية، نعتبر أن العناية بالمسألة الاجتماعية جزءا من هويتنا، وإحدى مبررات وجودنا، لأن العدالة الاجتماعية أساس بناء مجتمع متماسك ومتضامن وقوي، يسوده السلم الاجتماعي، مجتمع يسوده الاستقرار والأمن والآمان.
وعلى رأس القطاعات الاجتماعية، بلا أدنى تردد منا، نعتبر أن رد الاعتبار للمدرسة العمومية، وإضفاء الجودة عليها، وجعلها حاضنة لمختلف الفئات المجتمعية، وضمان الولوج العام والعادل والمجاني إليها، سيجسد، بلا شك، سبيلنا الأسلم نحو بناء المواطَنَة الحقة، مدرسة عمومية لا تنتج البطالة والعطالة والإقصاء الاجتماعي والتطرف، وإنما مدرسة عمومية تنتج مواطنات ومواطنين، تنتج الكفاءات الوطنية القادرة على المساهمة الفعلية في تنمية الوطن.
والعمل على التقائية برامج التربية والتكوين مع برامج القطاعات الأخرى خاصة الشباب والرياضة والثقافة وبالخصوص قطاع التشغيل.
السيد رئيس الحكومة؛
لا يسعنا سوى أن نسجل ايجابية حصيلة القطاع الصحي الذي أولاه برنامجكم أهمية خاصة. ونؤكد على ضرورة مواصلة الإصلاحات في هذا القطاع، لضمان ولوج أوسع فئات مجتمعنا للخدمات الصحية، من خلال استكمال ورش التغطية الصحية الشاملة، وتحصين الانجاز الحاصل في مجال نظام المساعدة الطبية “الرميد” فجيد أن يصل عدد المستفيدات والمستفيدين إلى أزيد من 8 ملايين ، ولكن الأجود هو تأمين الولوج الفعلي إلى العلاجات، وتقليص التفاوتات المجالية، و تحسين ظروف الاستقبال في المؤسسات الصحية، وتفعيل مبدأ التضامن الوطني لتوفير الخدمة الصحية العمومية، على قدم المساواة، لجميع المواطنات والمواطنين عبر ربوع وطننا العزيز.
كما نعتبر ضمان الحق في سكن لائق لعموم المغاربة، من ضمن اهتماماتنا الأساسية، مما يتعين معه مواصلة الدينامية التي تم إطلاقها في هذا الصدد، من أجل التمكن من تلبية الطلب المتنوع، وتقليص العجز السكني، وتكثيف الأوراش الموجهة لتحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين، حيث ندعم مختلف البرامج الواردة في برنامجكم بهذا الصدد.
السيد رئيس الحكومة؛
لقد تتبعنا باهتمام بالغ، ما ورد في برنامجكم، من تدابير وإجراءات تستهدف محاربة أشكال الفقر والهشاشة الاجتماعية، وهو ما نثمنه، ولكن ندعوكم إلى تبني مقاربة عميقة تتجه نحو محاصرةٍ أسباب إنتاج الفقر، وليس مجرد تدبيره أو التطبيع مع مظاهره، وفق سياسة عمومية مُهَيكِلة، تٌمَكن الفئات الهشة والفقيرة من دَخْلٍ منتجٍ يوفر سبل العيش وصون الكرامة.
وبخصوص معضلة التشغيل، ندعوكم إلى تسريع وبفعالية أكبر، أجرأة الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، وكذا الاستراتيجية الوطنية للتكوين المهني، مع ربط الإعفاءات التحفيزية بإحداث مناصب للشغل، وتشجيع التشغيل عبر الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
وبالمناسبة، نثمن ما جاء في البرنامج الحكومي من اهتمام خاص بالحوار الاجتماعي، الذي نطمح إلى مأسسته، على جميع المستويات، خاصة داخل المقاولة، وأن يكون حوارا منتجا يبعث أجواء الثقة بين مختلف الشركاء الاجتماعيين.
السيد رئيس الحكومة؛
وإذ نسجل إيجابا اهتمامكم بمغاربة العالم الذين ساهموا ويساهمون، في تنمية الوطن، فإننا ندعوكم إلى العمل على تمكينهم من المشاركة في مختلف أوجه ومجالات الحياة الوطنية.
السيد رئيس الحكومة؛
إن الحيز الزمني لا يسمح بمناقشة كل ما جاء في البرنامج الحكومي وبكل القضايا، لذا سأخلص وأقول إن إعداد برنامج حكومي أمر مهم، إلا أن الأهم منه، هو التوفيق في ترجمة أهدافه على أرض الواقع، الأمر الذي سيتطلب منكم مجهودا وحرصا على توفير الآليات والكفاءات والاعتمادات اللازمة لذلك.
هذا التوفيق الذي إذ نتمناه لكم فنحن نتمناه لوطننا.
إننا في المجموعة النيابية للتقدم والاشتراكية سنصوت بالإيجاب على البرنامج الحكومي.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سنصوت بالإيجاب على البرنامج الحكومي.