تعتبر الأزمات المالية والإقتصادية إحدى أبرز الظواهر الإقتصادية التي يكون لها أثرا عميقا على حركة النشاط الاقتصادي وعلى العلاقات الاقتصادية الدولية.
وتحتاج الأزمات المالية، مدة زمنية قد تكون طويلة جدا، للتعافي من آثارها السلبية، كما أنها تهدد الاستقرار الاقتصادي والسياسي للعلم بشكل عام والدولة المعنية بشكل خاص.وأمست الأزمات المالية والاقتصادية من أبرز سمات العقود الأخيرة، مثيرة اهتمام اهتمام الكتّاب والباحثين والاقتصاديين وحتى السياسيين في مختلف دول العالم وتطور الفكر الاقتصادي الذي يتناول الأزمات ويبحث في مسبباتها وكيفية معالجتها.
ولا غرو أن الأزمات الإقتصادية والمالية لها آثار سلبية عديدة تتعدى الجانب الاقتصادي ممتدة إلى الجوانب الأخرى كالسياسية والاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها، لذا فإن دول العالم تحاول قدر الإمكان التخفيف من آثار هذه الأزمات.
وفي هذا الصدد، سنحاول خلال هذه الفقرة اليومية طيلة هذا الفضيل، تسليط الضوء على أبرز الأزمات الاقتصادية التي عرفها العالم، مسلطين الضوء على سياقها وأبرز أسبابها ونتائجها.
“المشاغبون الخمسة” 2/1
وسنتطرق في فقرة اليوم، لأزمة “المشاغبين الخمسة”، أو “أزمة الديون الأوروبية” وهي المصطلح المختصر لكفاح أوروبا لدفع الديون التي بنتها في العقود الأخيرة خمس من دول المنطقة، وهي اليونان والبرتغال وآيرلندا وإيطاليا وإسبانيا بدرجات متفاوتة، وفشلت تلك الدول في تحقيق النمو الاقتصادي بما يكفي لتصبح قدرتها على تسديد مستحقات حملة السندات “كما يجب أن يكون”.
وعلى الرغم من أن هؤلاء الخمسة اعتبروا في خطر محدق لتزايد الأزمة في الفترة ما بين عامي 2010 و2011، لكن عواقب الأزمة تجاوزت حدها، وأشار رئيس بنك إنجلترا إلى أن الأزمة المالية التي تمر بها بعض دول المنطقة أخطر على الأقل من أزمة عام 1930 التي ضربت أوروبا؛ إن لم تكن أخطر من أي وقت مضى.
وشهد الاقتصاد العالمي نموا بطيئا منذ الأزمة المالية العالمية في 2008، التي كشفت عن سياسات مالية غير مستدامة في بلدان أوروبا وحول العالم، فعلى سبيل المثال فشلت اليونان في إجراء إصلاحات مالية بسبب وطأة ضعف النمو؛ الأمر الذي أدى إلى تفاقم الميزانية بشكل لا يمكن تحمله، مما دفع رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو أواخر عام 2009 إلى إعلان أن الحكومات السابقة فشلت في الكشف عن حجم العجز في البلاد، وكانت في ذلك الوقت ديون اليونان تتجاوز فعلا حجم اقتصاد البلاد بأكمله، وأوضح باباندريو آنذاك أنه “لم يعد بإمكان الدولة إخفاء المشكلة”.
وكان رد فعل المستثمرين آنذاك هو طلب عائدات أعلى على السندات اليونانية؛ الأمر الذي أثار تكلفة عبء الديون في البلاد، واستلزم ذلك سلسلة من عمليات الإنقاذ من الاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي، وبدأت الأسواق في دفع عوائد السندات في البلدان المثقلة بالديون الأخرى في المنطقة، وتوقع مشكلات على غرار ما حدث في أثينا.
وقد نجمت أزمة منطقة اليورو عن مجموعة من العوامل المعقدة بما في ذلك عولمة التمويل وشروط الائتمان السهلة خلال الفترة 2002-2008 التي شجعت ممارسات الإقراض والاقتراض عالية المخاطر حيث الأزمة المالية 2007-2008 والاختلالات التجارية الدولية وفقاعات العقارات التي انفجرت منذ ذلك الحين والركود الكبير في الفترة 2008-2010 وخيارات السياسة المالية المتعلقة بالإيرادات والنفقات الحكومية والنهج التي تستخدمها الدول لإنقاذ الصناعات المصرفية المضطربة وحملة السندات الخاصة على افتراض أعباء الديون الخاصة أو الخسائر الاجتماعية.
وفي عام 1992 وقع أعضاء الاتحاد الأوروبي معاهدة ماستريخت التي تعهدوا بموجبها بالحد من إنفاقهم على العجز ومستويات الديون إلا أن بعض دول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أخفقت في أوائل العقد الأول من القرن الماضي في البقاء ضمن حدود معايير ماستريخت وتحولت إلى تأمين إيرادات حكومية مستقبلية لتخفيض ديونها أو عجزها وتجاوز أفضل الممارسات وتجاهل المعايير الدولية. وقد سمح ذلك للحكومات بإخفاء عجزها ومستويات ديونها من خلال مجموعة من التقنيات بما في ذلك المعاملات غير المتسقة في الحسابات وخارج الميزانية العمومية واستخدام هياكل معقدة من العملات والائتمانات المشتقة ومنذ أواخر عام 2009 وبعد أن انتخبت الحكومة اليونانية حديثا توقفت حكومة الباسوك عن إخفاء مديونيتها الحقيقية وعجز ميزانيتها وتقللت المخاوف من التخلف عن السداد في بعض الدول الأوروبية في الجمهور وخفضت ديون الحكومة لعدة ولايات وانتشرت الأزمة في وقت لاحق إلى أيرلندا والبرتغال مع إثارة المخاوف بشأن إيطاليا وإسبانيا والنظام المصرفي الأوروبي واختلالات جوهرية أكثر داخل منطقة اليورو.
وقد تم الكشف عن نقص الإبلاغ من خلال مراجعة توقعات عجز ميزانية عام 2009 من “6-8٪” من إجمالي الناتج المحلي (أي ما لا يزيد عن 3٪ من إجمالي الناتج المحلي وكانت قاعدة لمعاهدة ماستريخت) إلى 12.7٪ مباشرة بعدما فاز حزب باسوك في الانتخابات الوطنية اليونانية في أكتوبر 2009. ولم تقتصر مراجعة توقعات العجز في الميزانية بشكل كبير بسبب الأزمة المالية الدولية على اليونان فعلى سبيل المثال ارتفعت توقعات الولايات المتحدة لعجز ميزانية عام 2009 من 407 مليار دولار المتوقعة في ميزانية السنة المالية 2009 إلى 1.4 تريليون دولار وفي المملكة المتحدة كان هناك توقعات نهائية أكثر من 4 مرات أعلى من الأصل. وفي اليونان تم الإبلاغ عن انخفاض (“6-8٪”) من التوقعات حتى وقت متأخر جدا من السنة (سبتمبر 2009) ومن الواضح أن لا يتطابق مع الوضع الفعلي.
وحقيقة أن الديون اليونانية تجاوزت 400 بليون دولار (أكثر من 120 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي) وفرنسا تمتلك 10 في المائة من ذلك الدين مما أدى إلى إرهاب المستثمرين في كلمة “التخلف عن السداد”. وعلى الرغم من أن رد فعل السوق كان بطيئا إلى حد ما إلا أن العائد على السندات الحكومية في اليونان لمدة 10 سنوات تجاوز 7٪ فقط في أبريل 2010 وتزامن ذلك مع عدد كبير من المقالات السلبية مما أدى إلى حجج حول دور وسائل الإعلام الدولية وغيرها من الجهات الفاعلة التي تغذي الأزمة.
> عبد الصمد ادنيدن