أزمات العالم الاقتصادية -الحلقة 6-

تعتبر الأزمات المالية والإقتصادية إحدى أبرز الظواهر الإقتصادية التي يكون لها أثرا عميقا على حركة النشاط الاقتصادي وعلى العلاقات الاقتصادية الدولية.
وتحتاج الأزمات المالية، مدة زمنية قد تكون طويلة جدا، للتعافي من آثارها السلبية، كما أنها تهدد الاستقرار الاقتصادي والسياسي للعلم بشكل عام والدولة المعنية بشكل خاص.وأمست الأزمات المالية والاقتصادية من أبرز سمات العقود الأخيرة، مثيرة اهتمام اهتمام الكتّاب والباحثين والاقتصاديين وحتى السياسيين في مختلف دول العالم وتطور الفكر الاقتصادي الذي يتناول الأزمات ويبحث في مسبباتها وكيفية معالجتها.
ولا غرو أن الأزمات الإقتصادية والمالية لها آثار سلبية عديدة تتعدى الجانب الاقتصادي ممتدة إلى الجوانب الأخرى كالسياسية والاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها، لذا فإن دول العالم تحاول قدر الإمكان التخفيف من آثار هذه الأزمات.
وفي هذا الصدد، سنحاول خلال هذه الفقرة اليومية طيلة هذا الفضيل، تسليط الضوء على أبرز الأزمات الاقتصادية التي عرفها العالم، مسلطين الضوء على سياقها وأبرز أسبابها ونتائجها.

“أزمة الرهن العقاري 2008”

وسنتطرق في فقرة اليوم، لأزمة “الرهن العقاري 2008″، وتعتبر أشد أزمة مالية منذ أزمة الكساد الكبير، وتسببت بانهيار أحد أكبر البنوك الاستثمارية في العالم (ليمان براذرز).
وبدأت الأزمة في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الارتفاع المفاجئ لأسعار العقارات، ما تسبب بإفلاس بنوك أمريكية وأوروبية وإغلاقها بشكل كامل، لتعثرها وعدم قدرتها على تحمل الأعباء المالية للعقارات المرهونة لديها.
وتسببت الأزمة بارتفاع نسبة البطالة في العديد من دول العالم وانخفاض ناتجها المحلي، وخاصة في الولايات المتحدة، كما تسببت بخلل في حركة الصادرات والواردات بين الدول، ونقص التمويل.
وبدأت الفقاعة في عام 2004 عندما بدأت بنوك وول ستريت التجارية إقراض ذوي الدخل المحدود مبالغ باهظة من أجل شراء منازل ومن ثم كانت البنوك الاستثمارية تقوم باقتراض مليارات الدولارات وتقوم بشراء العديد من هذه القروض العقارية من بنوك أخرى ثم تقوم بتوريق هذه القروض (اي جعلها اوراق مالية قابلة للتدوال داخل البورصة).
قامت بنوك الاستثمار بعد ذلك بتجميع هذه الاوراق المالية المدعومة برهونات العقارية في ما يسمي بـ CDO وهي عبارة عن تجميع هذه الاوراق المالية وبيعها لبنوك استثمارية أخرى وصناديق استثمار ومستثمرين من جميع انحاء العالم وهي تباع أصلا على شكل شرائح متفاوتة المخاطر وبطبيعة الحال تكون البنوك الاستثمارية قد باعت هذه الاوراق المالية بأسعار أعلى بكثير من سعر الشراء، ثم تقوم بسداد الديون وعمل ربح عالي جدا، ثم يقوم المشترون بتأمين هذه الاوراق عن طريق ما يسمي CDS وهي بوالص تأمين على هذه الاوراق في حال حصول تعثر أو عسر مالي.
وهكذا دخلت شركات التأمين في هذه الفقاعة أيضا، لكن عندما بدأ ذوي الدخل المحدود الإعسار قامت البنوك بأخذ المنازل لبيعها وهو ما خلق عرض للمنازل أعلى من الطلب فهوت أسعار المنازل.
وفي بداية عام 2008 بدى واضحا أن شيئا ما سيصيب وول ستريت، وفي مارس كان بنك الاستثمار بير ستيرنز على شفى الهاوية فقام البنك العملاق جي بي مورغان بشراء المصرف المنكوب بـ دولارين للسهم رغم أن سعر السهم كان ثلاثين دولارا في البورصة.
وفي صيف عام 2008 كان كل الناس ينظرون لليمان براذرز على أنه سيأتي تاليا وبالفعل أعلن ليمان افلاسه في شتنبر 2008 وهو ما جعل الحكومة الأمريكية تتدخل لإنقاذ كبار المصارف وشركات المال الأمريكية مثل سيتي غروب وبنك اوف أمريكا ووويلز فارجو مورغان ستانلي جولدمان ساكس جي بي مورغان (رغم عدم حاجته للمساعدة) شركتي الإقراض العقاري فاني وفريدي ماك وشركة التأمين اي اي جي.
وفي هذا الصدد، أوضح تقرير مصرف يو بي إس السويسري في بيان أسباب إفلاس المصرف: أن سوء تقدير درجات المخاطرة في المعاملات المعقدة المرتبطة بالرهن العقاري كانت من أهم أسباب تلك الخسارة الفادحة، كما برر المصرف ذلك برغبة القائمين على قطاع الرهن العقاري في تحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح بقطاع الاستثمارات العقارية، طمعاً في الوصول إلى مرتبة متميزة على مستوىالعالم.
كما اعترف التقرير بأنه رغم دراية مجموعة العمل المتخصصة في إدارة الاستثمارات العقارية بالمخاطر المحيطة بالسوق الأميركية، إلا أنها لم تطالب بتقييم تأثير تلك المخاطر على معاملاتها، كما لم تضع حداً أقصى لتعاملاتها في قطاع الرهن العقاري الأميركية. اجد في نهاية المطاف ان الازمة المالية إذا لم تغير مسارها في الراسمالية من خلال رفع أسعار الفوائد انها مهددة بخسارة عارمة لاتشمل فقط القطاع العقاري بل جميع المجالات فعلي الدول الكبرى الاستفادة من خبرات بتوك عدم الفوائد. وووفقاً للتقرير الصادر، فإن جذور المشكلة تعود إلى العام 2005م، حيث نصحت مجموعة من الخبراء من خارج المصرف بالتعامل مع سندات الرهن العقاري الأميركية، فانساق مصرف يو بي إس وراء تلك التوصية، واندفع بقوة في شراء وتأسيس حقائب استثمارية رفعت من مكانة البنك في الأسواق العالمية بعد بيعها للمستثمرين.
والذي فاقم من حجم الخسائر أن المصرف قام بالاستثمار بقوة في بعض صناديق الاحتياط حتى إغلاقها بخسارة كبيرة، ليكتشف خبراء مصرف يو بي إس أن تعاملاتها لم تكن تتمتع بالشفافية الكاملة، بل لم يقم الخبراء بأي دراسة حول نسبة المخاطر المحتملة فيها.
وقد تزامن نشر تلك النتائج مع إعلان المصرف التجاري الألماني عن عمل دراسة حول أكثر المصارف تضرراً من أزمة الرهن العقاري الأميركية، وقد وُجِدَ أن البنوك السويسرية خسرت في المتوسط 40% من أصولها المالية، لتحتل بذلك المرتبة الثانية بعد بعض المؤسسات المالية الأميركية، بينما اكتفت المؤسسات المالية الألمانية بتراجع نسبته 15% في أصولها، وكانت بريطانيا أقلها خسارة بنسبة 5%.

> عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top