إنجازات خالدة لا تنسى في تاريخ الرياضة الوطنية

من المؤكد أن ذاكرة الرياضة المغربية، لا تخلو من لحظات كثيرة ونادرة لا ولن تسنى من عقول المغاربة على اختلاف الأعمار وتعاقب الأجيال، بفضل ما حققه رياضيون ورياضيات بمحافل رياضية كبرى في مختلف الألعاب سواء كانت جماعية أو فردية، لكن -مع الأسف- فالكثير من الأجيال اللاحقة والمتأخرة عن تلك اللحظات تجهلها تماما ..
في كرة القدم ثم ألعاب القوى والملاكمة وكرة المضرب، وهي رياضات من الدرجة الأولى سجلت فيها المغرب حضورا بارزا، أكثر من مرة، على المستوى الدولي في الزمن الجميل، إضافة إلى بعض الومضات المتفرقة لألعاب أخرى، سطعت أسماء لأبطال وبطلات حققوا إنجازات وفازت بألقاب وبطولات وحطمت أرقام قياسية، أعلت بها راية الوطن خفاقة وسط أعلام دول العالم  ..
في الوقت الراهن، وأمام التراجع المخيف للرياضة المغربية التي باتت عاجزة في العقد الأخير عن التموقع مع الأقوياء ولو على المستوى القاري، نستعرض حلقات لأبرز اللحظات التي صنعها أبطالنا وعاشها الجمهور المغربي، وهو يتابع مباراة أو نزالا أو لقاء أو سباقا لمغربي أو مغربية في رياضة من الرياضات ببطولة عالمية أو ألعاب أولمبية..
هي مناسبة إذن لإحياء هذه اللحظات التاريخية والخالدة في سماء الرياضة المغربية، وعرضها بالنسبة لأجيال تجهل ساعات الفرح والحزن تجهل كيف قارع أبطال مغاربة كبار الساحرة المستديرة وأم الألعاب والفن النبيل والكرة السمراء، وتفوقوا عليهم في بعض الأحيان..
    «بيان اليوم» اختارت هذه السنة، بمناسبة شهر رمضان الأبرك، استعراض حلقات من الماضي القريب والبعيد للحظات لاعب كرة قدم سجل هدفا ثمينا قادر فريقه إلى انتصار أو تأهل تاريخي أو عداء أحرز ميدالية ذهبية أو حطم رقما قياسيا، أو لاعب تنس وقف ندا لعملاق مع عمالقة اللعبة، أو ملاكم صال وجال بالحلبات.

عبد السلام الراضي..أول مغربي يحرز ميدالية أولمبية يوم السبت العاشر من شهر شتنبر سنة 1960

يوم السبت العاشر من شهر شتنبر من سنة 1960، الحدث دورة الألعاب الأولمبية الصيفية بالعاصمة الايطالية روما، والمناسبة سباق الماراطون تحقق انجاز غير مسبوق في الرياضة المغربية تمثل في أول ميدالية، وكانت فضية، وهى لحظة فارقة، تمثلت في صعود أول رياضي مغربي لمنصىة التتويج بدورة أولمبية، انه عبد السلام الراضي.   
ورغم مرور 67 عاما على إنجازه، يجهل كثير من المغاربة هوية صاحب هذا الانجاز التاريخي، العداء الذي أحرز ميدالية فضية لسباق الماراطون بدورة روما 1960، وجعل العالم يتعرف عن اسم دورة عربية تنتمي للقارة الأفريقية.
   ففي سباق الماراطون خاض الراضي المنافسة في وجود العداء الإثيوبي أبيبي بيكيلا، هذا الأخير الذي عادت له الميدالية الذهبية، وكان  الحافي القدمين، وهو أول رياضي أفريقي أسود يتوج بطلا أولمبيا، متبوعا بعداء مغربي غير معروف تماما، بتوقيت 2:15:15 ساعة في مقابل 2:15:41:6 ساعة ألا وهو  عبد السلام الراضي.
ورغم انجازه التاريخي لم تفترق مخيلته المعاناة التي عاشها في حياته، إذ قال الراضي في حوار أجرته معه مجلة «ليكيب ماغازين» الفرنسية سنة 1972 تحدث فيه عن ذكريات فوزه التاريخي بفضية الألعاب الأولمبية وكل المحن التي قاساها، وهو يحكي عن أن رؤساءه قرروا إرساله إلى قطعة “جوانفيل” العسكرية التابعة للرياضة في الجيش الفرنسي، ويقول “هكذا بدأت ولم أشعر إطلاقا بأي تعب، ولم أكن أفكر سوى بالعدو”، وبنبرة حزينة لم تفارقه إلى حين إجراء تلك المقابلة قال: “أما الآن فالحياة ملأى بالمتاعب والمآسي. لقد نزعت المسامير من حذاء الجري لأستعمله حذاء عادياً، كم هي صعبة هذه الحياة وكم هي غريبة أطوارها، إنها لا تستقر على حال”.
بدأ الراضي، شأنه شأن معظم الأبطال الرياضيين، في ظروف صعبة، لكن ذلك لم يمنعه من إهداء المغرب أول ميدالية في تاريخ مشاركاته الأولمبية، بعدما بات أول رياضي مغربي وعربي يتذوق طعم المعدن الأولمبي.
ولد عبد السلام الراضي في 28 من فبراير 1929 بمدينة فاس، وعايش الاستعمار الفرنسي للتراب المغربي، وتوفي بنفس المدينة عن سن يناهز 71 سنة في 4 أكتوبر 2000.
    انطلقت حياته من الحقول بمساعدة والده في أعمال الفلاحة، قبل أن ينضم إلى الجيش الفرنسي ضمن شبان مغاربة دافعوا عن فرنسا ضد اجتياح النازية الألماني أودولف هيتلر.
هذه الذكريات سبق للراحل أن سرد جزءا منها حيث قال :  “الذكريات لم تفارقني أينما كنت. تركت الجيش ولم أجد أحداً يساعدني. تساءلت أين ذهب من كانوا يقبلون علي لتهنئتي والتحدث معي؟ وهل نسوا البطل الراضي؟، سنة 1950 تطوعت بالجيش الفرنسي واكتشفوا أنني أستطيع العدو لمسافات طويلة دون تعب! كنا نعدو وكل واحد منا يحمل على ظهره كيساً وزنه 50 كلغ.”.
في هذه الفترة، سيكتشف قادة الجيش الفرنسي أن هذا الشاب المغربي قادر على الجري لمسافات طويلة دون إرهاق أو شعور بالتعب، ليشركوه في مسابقات رياضية الجنود.
صيف  نفس السنة أي 1960، وقبل المشاركة بالدورة الأولمبية فاز بالميدالية الذهبية خلال البطولة الدولية للعدو الريفي بغلاسكو عاصمة اسكتلندا. ورغم إغراءات فرنسية وبلجيكية، تشبث الراضي بالدفاع عن علم بلده بأولمبياد روما، ليخلد اسمه في سجل الرياضة المغربية بنيل المركز الثاني بسباق الماراطون.
لم يكتف العداء المغربي بفضية الماراطون، ليحقق رقما عربيا بعد أن قطع مسافة السباق في زمن قدره ساعتين و15 دقيقة و42 ثانية، رقم صمد إلى غاية دورة موسكو 1980.
    وكعداء يحب الركض، فقد خاض الراضي سباق 10 آلاف متر وحل في المركز الـ 14، كما سجل أفضل أرقامه في سباق 5000م بتوقيت (14 د و13 ث و6/100).
وكما سبق ذكره، فالكثيرون لا يعرفون من هو عبد السلام عبد الراضي، نظرا لشح المعطيات والمعلومات حوله، فأسرته نفسها لا تتذكر سوى أنه كان عداء بفرنسا.

 إعداد : القسم الرياضي

Related posts

Top