الحرب الروسية الأوكرانية.. -الحلقة 14 -(2/2)

 عرفت الحرب الروسية الأوكرانية، التي بدأت منذ 24 فبراير 2022، اهتماما واسعا من قبل الرأي العام الدولي، نظرا لمكانة البلدين في الساحة العالمية، سواء على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري، ناهيك عن الجانب التاريخي المعقد الذي تمتد سرديته إلى التطورات الأخيرة في العلاقة المتوترة بين موسكو وكييف.
ويتوالى الهجوم الروسي على أوكرانيا الذي يصفه الكرملين بـ”العملية العسكرية” المحددة الأهداف، بتدمير المنشآت العسكرية، ونزع سلاح هذا البلد، ودفعه إلى الحياد تجاه حلف الشمال الأطلسي”النيتو”.
ولا توجد حاليا مؤشرات دالة على قرب انتهاء هذه الأزمة التي أرخت بظلالها على العالم، بفعل دمار “الغزو” الذي لحق أوكرانيا، والعقوبات المفروضة على روسيا من قبل الغرب.
وتعد هذه الحرب الدائرة رحاها فوق الأراضي الأوكرانية، والتي أدت إلى نزوح أزيد من 10 ملايين أوكراني داخل البلاد وخارجها، تطورا حتميا للعلاقات المتشنجة بين الكرملين والغرب، هذا الأخير الذي يقدم مساعدات عسكرية لفائدة القوات الأوكرانية لمواجهة الجيش الروسي، وهو ما يدفع إلى مزيد من المواجهة في الوقت الذي تسير فيه المفاوضات بشكل “ثقيل” على حد وصف وزارة الخارجية الروسية.
ومن خلال هذه الزاوية الرمضانية، سنعيد تركيب قطع “البوزل” لمحاولة فهم ما يجري بين روسيا وأوكرانيا، والوقوف عند تداعيات هذه الحرب، وما سيترتب عنها في المستقبل من إعادة لرسم خريطة العلاقات الدولية، وهو ما ظهر بشكل واضح بتحالف التنين الصيني مع الدب الروسي في وجه الغرب”أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية”.

اعتراف روسيا بجمهورية القرم

بعد الاستفتاء بتاريخ 16 مارس 2014، أعلن برلمان الجمهورية، القرم دولة مستقلة تتمتع فيها مدينة سيفاستوبل بوضع خاص، وتوجه النواب إلى موسكو بطلب قبول القرم في قوام روسيا الاتحادية بصفة وحدة إدارية.

وفي اليوم التالي وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مرسوما رئاسيا ينص على اعتراف روسيا بجمهورية القرم “دولة مستقلة ذات سيادة”، تتمتع فيها مدينة سيفاستوبل بوضع خاص، وذلك بناء على إرادة شعوب القرم المعبر عنها في الاستفتاء.

وفي 18 مارس وقع الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس برلمان القرم فلاديمير قسطنينوف ورئيس وزراء القرم سيرغي أكسيونوف وعمدة سيفاستوبول ألكسي تشالي في موسكو معاهدة انضمام القرم وسيفاستوبل إلى روسيا قبل أن تنال مصادقة مجلسي الدوما والاتحاد بعد يومين من هذا التاريخ.

وفي 25 أبريل رسمت روسيا الحدود الدولية بين أراضي القرم وأوكرانيا.

كانت لشبه جزيرة القرم دائما أهمية بالغة بالنسبة لروسيا الإمبراطورية والسوفيتية وروسيا المعاصرة لأن امتلاكها كان يعني السيطرة على البحر الأسود والمناطق المطلة عليه. ولم تصبح روسيا دولة عظمى، بغض النظر عن توسعها، إلا بعد ضمها للأراضي المتاخمة للبحر الأسود، بما فيها شبه جزيرة القرم في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، أي في عهد الإمبراطورة الروسية يكاترينا الثانية.

استعادت روسيا عظمتها بعد استعادتها السيطرة على القرم وسيفاستوبل بعد انتصارها على تركيا في حرب عامي 1877 – 1878. وسعت روسيا منذ العهد القيصري للسيطرة على مضيقي البسفور والدردنيل لضمان حرية حركة أسطولها باتجاه البحر الأبيض المتوسط. لذلك كانت القيادة الهتلرية إبان الحرب العالمية الثانية تعلق آمالا كبيرة على القرم بصفتها رأس جسر هام للتوغل إلى آسيا والشرق الأوسط.

وشكل فقدان مدينة سيفاستوبل في عام 1942 ضربة موجعة بالنسبة للجيش الأحمر. لكن الدفاع المستميت عن هذه المدينة الذي استمر 250 يوما، لعب دورا مهما في تطورات الحرب، إذ بقيت تشكيلة ضخمة من القوات الهتلرية طوال هذه الفترة مصابة بالشلل في جنوب خط الجبهة السوفيتية-الألمانية. وتكبدت القوات الهتلرية أثناء حصار سيفاستوبول خسائر فادحة وصلت إلى 300 ألف قتيل ومصاب.

وكانت القرم تتمتع بوضع جمهورية حكم ذاتي في قوام الاتحاد السوفيتي (حتى عام 1945)، ونقلت إلى قوام أوكرانيا في عام 1954 بقرار الزعيم السوفيتي نيكيتا خروشيوف (الذي كانت له أصول أوكرانية)، وبقيت في قوامها كإحدى مقاطعات أوكرانيا السوفيتية.

 وبعد استقلال أوكرانيا، كانت القرم في قوامها تتمتع بصلاحيات واسعة للغاية وفق دستورها المقرر في عام 1992، إذ كان يحق لها انتخاب رئيس خاص بها وإقامة علاقات مع دول أجنبية. لكن بعد أشهر قليلة، وتحت ضغوط من كييف، تم تعديل الدستور من أجل تقليص صلاحيات الجمهورية. إلا أن سعي قيادتها ورئيسها للانضمام الى روسيا لم يتوقف.

وفي عام 1998 أقر دستور جديد للقرم ألغى معظم صلاحيات الجمهورية، ومنصب رئيسها، وأكد أن القرم جزء لا يتجزأ من أوكرانيا أما صلاحياته فيحددها دستور أوكرانيا. كما كان هذا الدستور يعلن اللغة الأوكرانية لغة الدولة في القرم، وهو البند الذي أثار الغضب في صفوف السكان الذين تتكلم أغلبيتهم اللغة الروسية.

وطوال السنوات الماضية كان سكان شبه الجزيرة يشكون من الظلم التاريخي الذي أدى إلى فقدان جمهوريتهم لكل صلاحياتها المميزة في قوام أوكرانيا في ظل تنامي نفوذ القوميين الأوكرانيين الذين أصروا على بقاء أوكرانيا دولة موحدة لا فيدرالية.

وأشارت استطلاعات الرأي التي أجريت قبل الاستقلال، إلى تنامي رغبة سكان الجمهورية في العودة إلى قوام روسيا حتى قبل الأحداث الدموية في كييف.

وأثناء تواجد القرم في قوام أوكرانيا، ظلت روسيا حاضرة في شبه الجزيرة في شتى مجالات الحياة، وذلك لأن سكان القرم، حتى الأوكرانيين منهم، يتحدثون باللغة الروسية في غالبيتهم، ويرون أنفسهم جزءا لا يتجزأ من الوطن الروسي. كما احتفظت مدينة سيفاستوبول بدورها كقاعدة رئيسية لأسطول البحر الأسود الروسي في إطار معاهدة استئجار طويلة الأمد بين روسيا وأوكرانيا. كما ظلت القرم تجذب السياح الروس ليس بجمال طبيعتها الفائق بحسب، بل وأيضا بالجو الفريد وعبق التاريخ اللذين تتميز بهما هذه الأراضي.

> إعداد: يوسف الخيدر

Related posts

Top