ألم يحن بعد موعد تقييم حصيلة قطاعي الرياضة بالتعليمين المدرسي والجامعي. ذلك القطاع المصاب بالعقم، رغم ما ترصده له وزارة التربية والتكوين من مبالغ سنوية ضخمة، وما توفره له من جيوش من الأطر التربوية والرياضية والبنيات والتجهيزات؟. ألم يحن الوقت للوقوف على برامج التربية البدنية والأنشطة الرياضية وحصصها المعتمدة مدرسيا وجامعيا، والإقرار بفشلها؟. والتعجيل بإعداد نموذج تنموي رياضي جاد ومنصف، يجعل من المدارس الابتدائية والثانويات والمعاهد والكليات، مشاتل حقيقية لإنتاج النجوم والأبطال في مختلف الرياضات. والأهم من كل هذا إعداد أجيال سليمة العقل والجسد. وقادرة على الدراسة والتكوين والتميز. ووقف زحف الانحراف والإجرام والتطرف. تساؤلات عدة حول مستقبل الرياضة المدرسية والجامعية ومدى استفادة التلاميذ والطلبة من برامجها السنوية في ظل تردي الأوضاع التعليمية. إذ لم تعد تشكل أدنى حافزا للتلاميذ ومعهم الآباء المستاءين من نتائجهم الدراسية المتدهورة وانحرافاتهم التي تضاعفت وتنوعت.
الرياضة المدرسية تشهد نوعا من الموت البطيء بسبب ضعف الاهتمام بمادة التربية البدنية، وتدهور الملاعب الرياضية وانعدامها داخل معظم المؤسسات الابتدائية العمومية، ومعظم المؤسسات التعليم الخصوصية. كما أن أنشطة ومنافسات الرياضة المدرسية والجامعية محليا، إقليما، وطنيا وحتى دوليا لم تعد تشد إليها أنظار التلاميذ والطلبة، ولا أولياء أمورهم. كما لم تعد تثير اهتمام المهتمين بالشأن الرياضي الوطني وعموم الجماهير المتعطشة للرياضيين الواعدين. لم تعد تشكل تحفيزات تمنح التلاميذ قوة التنافس وتشحنهم بالروح الرياضية التي اعتبرت من طرف أخصائيي علم النفس، أسمى ما يمكن أن يجعل من التلميذ شخصية متزنة ومتخلقة وجادة، وقابلة للاستيعاب والتفاعل الإيجابي.
لم تعد المؤسسات التعليمية التي استنزفت حرمتها وأدبياتها التربوية من طرف المشاغبين والمنحرفين و(المخمولين) من التلاميذ والتلميذات، تشكل أحضانا لصقل الرياضيين الموهوبين، تترعرع داخلها الطاقات والكفاءات البدنية، فرغم ما تقوم به الوزارة الوصية من مبادرات خجولة، وعمليات تحسيسية بأهمية الرياضة التعليمية، وتوفير الفضاءات الرياضية والأطر التربوية، ورغم حرصها الشديد على تنظيم أنشطة ومسابقات رياضية، وتخصيصها مكاتب ومصالح وأقسام خاصة بالرياضة المدرسية والجامعية على مستوى المؤسسات التعليمية والمديريات والأكاديميات والجامعات والوزارة. فإن الحصيلة تبقى جد متدنية. ولعل أبرز ما أثار ويثير استغراب العديد من المهتمين بالشأن المدرسي، طريقة التعامل مع التلاميذ والتلميذات الراغبين في الممارسة الرياضية أو طالبي الإعفاء منها. فطريق الإعفاء لم يعد حكرا على الذين يعانون من أمراض وإعاقات تحول دون قيامهم بمجهودات عضلية، بل أصبحت الشهادات الطبية في متناول كل راغب في الابتعاد عن الممارسة العضلية. وحتى من طرف تلاميذ يمارسون رياضات مختلفة ضمن فرق محلية وجمعيات رياضية، لكنهم يفضلون إعفاءهم من مادة التربية البدنية. وتحتل فئة الإناث النصيب الأكبر من طالبي الإعفاء من مادة التربية البدنية لاعتبارات تعود إلى عدم رغبتهن في ارتداء ألبسة رياضية غير محتشمة، أو الاحتكاك مع الذكور أو بهدف الاستفادة من حصص التربية البدنية في أمور لا علاقة لها بالتعليم. كما أن الراغبين في الممارسة لا يخضعون لفحوصات تبين مدى استعدادهم الجسماني والنفسي لتطبيق البرنامج الرياضي دون التعرض لمضاعفات قد تضر بصحتهم.
ورغم أن مادة التربية البدنية تدخل ضمن المواد المدرسة بالتعليم الابتدائي، وقد خصصت لها الوزارة حصتين في الأسبوع، فإن كل المدارس الابتدائية العمومية لا تتوفر على مدرسين متخصصين في الرياضة المدرسية، ومعظمهم لا يتوفرون على فضاءات لممارسة الرياضة، كما لا يتوفرون على برنامج سنوي يمكن اعتماده لتنمية قدرات التلاميذ الرياضية. بل إن هناك من يخضع التلاميذ لحصص التربية البدنية بملابسهم العادية. وإذا كانت الرياضة شبه غائبة داخل المدارس الابتدائية العمومية، فإنها منعدمة داخل المؤسسات الابتدائية الخصوصية وشبه منعدمة داخل الثانويات الإعدادية والتأهيلية الخصوصية. فالمؤسسات الخصوصية التي يوجد معظمها فوق مساحات ضيقة يستغل معظمها في بناء الحجرات والمرافق الصحية، بالكاد يبادر بعض أصحابها إلى خلق فضاء داخلها من أجل استرخاء التلاميذ أثناء فترات الراحة بين الحصص الدراسية أو ممارسة الرياضة بين الفينة والأخرى بطرق خجولة لا تسمح بتطبيق البرامج السنوية لمادة التربية البدنية. وتزداد خطورة عدم ممارسة التربية البدنية لدى فئة الإعدادي والتأهيلي الذين هم مطالبون باجتياز اختبارات تدخل معدلاتها ضمن مجموع نقط التقييم المدرسي. وإذا كانت بعض الثانويات الإعدادية والتأهيلية تبادر إلى التعاقد مع بعض المؤسسات التعليمية من أجل الاستفادة من ملاعبها الرياضية وتجهيزاتها، فإن هذه العملية المرخصة من طرف الوزارة الوصية ناذرا ما يتم تفعيلها بسبب الاكتظاظ الحاصل أصلا داخل الثانويات العمومية. والنتيجة أن تلاميذ الثانوية بسلكيه الإعدادي والتأهيلي لا يستفيدون من مادة التربية البدنية وتمنح لهم نقطا تقييمية خيالية تحتسب في المعدل العام للمراقبة المستمرة. كما يجدون صعوبة في اجتياز اختبار الباكالوريا رغم سلامتهم العضوية والنفسية، فيضطر معظمهم إلى الحصول على شهادة طبية لإعفائهم من الاختبار ومن نقطة مادة التربية البدنية.
بقلم: بوشعيب حمراوي