الرياضة كمؤشر للنجاح

خلف قرار استئناف مباريات بطولات المغرب لكرة القدم، بجل الأقسام، ردود فعل مختلفة صادرة عن مختلف الأوساط التي كانت تنتظر بشغف الخبر اليقين، فحتى الذين لا علاقة بهوس كرة القدم وانشغالاتها وتفاصيلها، كانوا يطرحون تساؤلات من جانبهم حول مصير البطولة المتوقفة منذ أكثر من ثلاثة أشهر، فما بالكم بالذين ينامون ويصحون على أخبارها وتفاعلاتها وما أكثرهم.
هذا الاهتمام يؤكد إلى أي حد تحظى هذه الرياضة بالأولوية على الصعيد الوطني، إلى درجة أن الوزير نفسه سعى الى تخليص الجميع من حجم هذا الانتظار ، عندما بادر في مستهل كلمته أمام لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، قبل الدخول في أية تفاصيل أو مقدمات، بالإعلان رسميا عن استئناف التدريبات الخاصة بالأندية هذا الأسبوع، وبداية البطولة خلال الأسبوع الأخير من يوليوز القادم. 
صحيح أن قرار الحكومة يشمل كل الأنواع الرياضية على الصعيد الرياضي، إلا أن الاستثناء تركز على كرة القدم بالدرجة الأولى، لاعتبارات عديدة، لا تربط فقط بشعبيتها الجارفة، ولكن أيضا بأبعادها المختلفة على الكثير من مناحي الحياة، نظرا للتأثير الكبير الذي تلعبه ما اسماه رئيس الجامعة فوزي لقجع، في مداخلته التقديمية خلال الاجتماع الافتراضي عصر أول أمس الثلاثاء ب “العائلة الكروية”. 
ويعتبر منح الضوء الأخضر من طرف الحكومة بعودة المنافسات الرياضية على الصعيد الوطني، والمتوقفة اضطراريا بسبب أزمة كورونا، قرار شجاعا من طرف الدولة عموما، اولا بالنظر الى توقيته، وثانيا ما رافقه من تفاصيل وبروتوكلات وقفت كل التفاصيل، ودققت في العديد من الجوانب، حتى تلك الصغيرة منها، وهذا يحسب لمختلف الأجهزة، التي عبرت عن وعي ومسؤولية في التعاطي مع قطاع، لم يعد هامشيا ولا ثانويا.
قرار يعد بالفعل شجاعا، كسب فيه المغرب قصب السبق أفريقيا وعربيا، الشيء الذي يؤكد على المنحى الإيجابي الذي قطعته الحالة الوبائية بالمغرب، وما السماح بعودة الأنشطة الرياضية، إلا مؤشرا إيجابيا، لما يحمله من دلالات ومقاصد، تعزز حالة الانفراج الملحوظ، بالعديد من القطاعات التي تحظى بالأولوية كالاقتصاد والصناعة، والمرافق الاجتماعية و مختلف الخدمات.
فالمغرب بكل التدابير الاحترازية والاستباقية التي اتخذها منذ بداية الأزمة الوبائية، مكنته من تفادي الأسوء، عززها باتخاذ تدابير مهمة بنوع من الاستقلالية، سواء من حيث اتباع بروتوكل صحي خاص به، أعطى نتائجه الصحية، والدليل نسبة الشفاء العالية، والتقليل من عدد الوفيات، وإعطاء الأهمية للإنسان قبل الاقتصاد، وتحمل التبعات المكلفة لإغلاق الحدود الجوية والبحرية والبرية، وقطع كل اتصال بالعالم الخارجي، وجعل كل القرارات المصيرية شأن مغربي داخلي. 
كل هذه المميزات كان من الضروري أن تظهر على مستوى إشاعة نوع من الروح الإيجابية، وتعميم التفاؤل والرفع من المعنويات، بعد أسابيع طويلة ومكلفة من الناحية النفسية والمعنوية والذهنية، والرياضة تعتبر في مقدمة القطاعات التي تلعب هذا الدور المرتبط بمشاعر الناس، تخاطب وجدانهم وأحاسيسهم، وتؤثر في تعاملهم وثقتهم في المؤسسات، تماما كما وصفت ذلك الصحافة الدولية، عندما أبرزت أن نجاح المغرب يعود إلى توليفة تتكون من ثلاث مرتكزات حددتها في ” تعبئة مبكرة وتدابير صارمة ووعي مجتمعي…”.
كما أن إطلاق حالة من الانفراج التدريجي والمتحكم عبر مراحل محددة، يعطي صورة إيجابية عن مغرب المؤسسات، ويمنح ثقة أكبر في قراراته وتدبيره الحكيم، وفي طريقة قيادته، رغم الظروف الصعبة، وثقل المسؤولية في اتخاذ مثل هذه القرارات التي تتطلب الكثير من الجرأة والاستقلالية والرزانة والتتبع الدقيق والحاسم.
إلا أن المطلوب في هذه المرحلة بالذات أن تظهر الأوساط الرياضية عموما، وكرة القدم على وجه الخصوص، رد فعل إيجابي، والتصرف بمزيد من روح المسؤولية والوعي، وإظهار نوع من المثالية في احترام تام لكل التدابير والإجراءات المنصوص عليها، حتى ننجح جميعا في العودة للحياة الطبيعية، وننتصر للقيم والمبادئ العليا والسامية للفعل الرياضي.

محمد الروحلي

Related posts

Top