أعلنت بلادنا عن مشروع استراتيجي مهيكل يتصل بالصناعة الصيدلانية والسياسة الدوائية بشكل عام، ويتعلق بمشروع تصنيع وتعبئة اللقاح المضاد ل»كوفيد-19»ولقاحات أخرى، وذلك بشراكة مع المجموعة الصينية:»سينوفارم»، والذي جرى التوقيع على اتفاقياته تحت رئاسة جلالة الملك، وهو يمثل خطوة مهمة يقدم عليها المغرب في سياق معركة مواجهة الجائحة.
هذه الخطوة الشجاعة تأتي داخل السياق الزمني المتسم باستمرار تفشي الفيروس ومتحوراته، وأيضا وسط الحرب والسباق المشتعلين عبر العالم من أجل التزود باللقاح، والذي لا زال لم يعرف انتظاما في الأسواق أو انسيابية في عمليات التزود والاقتناء، وذلك يعني أن المملكة تلج اليوم مرحلة أخرى تسعى، من خلالها، لتأمين السيادة على هذا المستوى، وأن تنكب على الإنتاج والتصنيع الذاتيين، وبالتالي تطوير قدراتها الصناعية للتصنيع المحلي للقاحات.
يمكن أيضا أن نقرأ الموضوع ضمن استمرار الانخراط المغربي في الجهد الدولي العام منذ البداية، ذلك أن بلادنا حرصت على المساهمة في التجارب السريرية لعدد من اللقاحات، وتمتين حضورها ضمن مختلف المساعي التي تبذل عبر العالم لتوفير اللقاح والتزود به، وكذلك لاكتساب المعرفة والخبرة العلميتين والتقنيتين، والنجاح المتنامي لحملتها الوطنية من أجل تطعيم السكان، وكل هذا تعزز بالموقع الجغرافي الإستراتيجي والحضور السياسي والديبلوماسي والتنموي داخل القارة الإفريقية، علاوة على توفر البنيات التحتية المطلوبة والخبرة في الصناعات الدوائية والصيدلانية، وتلاقت كل هذه المعطيات المعطيات لتعزز الصورة العامة للمملكة باعتبارها فاعلا آمنا ومؤهلا في المجال، وبإمكانها تأمين التزويد لفائدة الشعوب الإفريقية والمغاربية والعربية، ومن ثم هي تقدم ضمانات لإنجاح المشروع الإستراتيجي الكبير مع الشركة الصينية المعروفة في صناعة الأدوية واللقاحات، وأن ترتقي بتجربتها المحلية لتصير قطبا متميزا في الصناعة البيو صيدلانية بإفريقيا كلها.
من المؤكد أن مشروعا بهذا الحجم يقتضي مدى زمنيا لبروز ايجابياته على أرض الواقع، ويتطلب استثمارات ضخمة وضمانات تمويلية، وأيضا تدبيرا ناجعا ومتابعة حثيثة، ولكن هندسته العامة لم تغفل التأكيد على هدف استعجالي يتمثل في تعبئة لقاح كورونا الصيني وتوفيره في المدى القريب، وبالموازاة مع ذلك مباشرة المراحل الأخرى للمشروع، وهذا ما يجعل السعي لتحقيق» السيادة اللقاحية» مهمة للمدى القريب، وهي أيضا مهمة تندرج ضمن التخطيط الاستشرافي والاستباقي للمستقبل، وتقوية الاستعداد للتصدي لأي مخاطر وبائية جديدة في المستقبل.
مثل هذه المشاريع الرائدة والإستراتيجية تضع البلاد كذلك أمام ضرورة تدبيرها ضمن عقلية مختلفة تقوم على النجاعة والفاعلية، كما أنها تكرس أهمية انخراط المغرب في برامج وسياسات صناعية أساسية، والحرص على تحقيق الاكتفاء الذاتي والسيادة الوطنية في مختلف المجالات الحيوية والأساسية، إضافة إلى أهمية إدراج كل ذلك ضمن نموذج تنموي عام جديد، من شأنه تعزيز مكانة بلادنا إقليميًا وقاريا ودوليا.
<محتات الرقاص