الصين تفتح أبواب أفريقيا بشعار «تعاون مربح للجميع»

لم يعد الحضور الصيني اللافت في أفريقيا قاصرا على البعدين الاقتصادي التقليدي وتوسيع نطاق الاستثمارات في هذه القارة، بل أصبح يتمدد تدريجيا على الصعيدين السياسي والأمني.
وقد أثار هذا التمدد توقّعات وتكهّنات وتخمينات كثيرة، بعضها ذهب إلى أنه جزء من البرغماتية الصينية المعروفة، ويخدم مصالحها الاقتصادية التي تنامت بشكل كبير، لكن هناك من ذهب في تقديراته إلى حد القول إنه جزء من سياسات بكين وبوادر انتفاح عالمي يخطط لأن تتواءم التصورات السياسية والأمنية مع الطموحات الاقتصادية.
وفي الحالتين، يستحق النموذج الصيني الوقوف عنده والإمعان في جوانب مهمة من تفاصيله، لأن بعض المراقبين تحدثوا عن عملاق صيني سياسي يمكن أن يغير منظومة التوازنات الراهنة.
وهناك من شكّك في جدوى هذا التوجه، لأن الولايات المتحدة الأميركية، القوة الكبرى في العالم وأفريقيا، لا تزال تقبض على زمام أمور كثيرة على الساحتين الإقليمية والدولية، وبالتالي من الصعوبة أن تناطحها الصين، التي رأت في أفريقيا ساحة انطلاقها نحو العالم. وتجسّد ذلك في اختيار مدينة جوهانسبورغ بجنوب أفريقيا لاحتضان أعمال قمة المنتدى الصيني الأفريقي السادسة بحضور 37 رئيس دولة وحكومة أفريقية، إضافة للرئيس الصيني شي جين بينج.
تكتسب القمة، التي انطلقت اليوم الجمعة، تحت شعار “الصين وأفريقيا تتقدمان معا- تعاون مربح للجميع- من أجل التنمية المشتركة”، أهمية خاصة، كونها الأولى التي تنعقد في أفريقيا، حيث عقدت القمم الخمس السابقة في بكين، والثانية التي يحضرها رؤساء الحكومات والدول منذ 15 عاما. وتأتي في أعقاب تهديدات مباشرة من الجماعات الإرهابية لمصالح الصين ورعاياها في القارة السمراء، ما سيدفع بكين إلى تغيير استراتيجيتها التي كانت تفضل البقاء بعيدا عن الصراعات المباشرة للحفاظ على استثماراتها، ما يفرض عليها وقف سياسة العزوف عن التدخل الأمني.
وأكد وانج يي، وزير الخارجية الصيني، أن بلاده ستعزز تعاونها مع أفريقيا في مكافحة التطرف، بعد هجوم شنّه متشددون في مالي مؤخرا، أودى بحياة 19 شخصا، بينهم ثلاثة مواطنين صينيين.
وأشار وانج إلى طلب الرئيس الصيني، من الإدارات المعنية تعزيز إجراءات الأمن خارج الحدود، بعدما هاجم مسلحون فندقا في باماكو عاصمة مالي في الـ20 من شهر نونببر الماضي. والصينيون الثلاثة الذين قتلوا في الهجوم كانوا يعملون مديرين تنفيذيين في مالي بشركة تشييد السكك الحديد الصينية.
وصرّح السفير أمجد عبدالغفار، مساعد وزير الخارجية المصري للمنظمات الأفريقية، أن القمة ستصدر عنها وثيقتان الأولى “إعلان جوهانسبورغ” وهي وثيقة سياسية تعكس مبادئ وأهداف الشراكة الصينية-الأفريقية وأولويات تعزيز التعاون بين الجانبين، بالإضافة إلى المواقف المشتركة بينهما تجاه القضايا الدولية ومتعددة الأطراف. وتتناول الوثيقة الثانية خطة العمل، وهي ترجمة للإعلان السياسي الذي دعا إلى وضع رؤية لكيفية تعزيز الشراكة بين الجانبين.
وأشار عبد الغفار إلى أن خطة العمل تتضمن سبعة مجالات أساسية يتطلع الجانبان لتعزيز التعاون فيهما خلال السنوات الثلاث المقبلة، سياسيا واقتصاديا، واجتماعيا، وأمنيا فضلا عن العلاقات على مستوى التعاون الدولي.

الإرهاب يعزز الدعم

قال إبراهيم الغيطاني، رئيس الوحدة الاقتصادية بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، إن الأمن ومكافحة الإرهاب يعدّان المنحى الجديد في الاهتمامات الصينية بالقارة، عقب حادث مالي الإرهابي.
وأوضح أن المسؤولين الصينيين أكدوا في أكثر من مناسبة أن التحدي الجديد في أفريقيا جيوسياسي، وأكبر الأزمات التي تواجه الاستثمارات والاقتصاد الصيني بوجه عام، تكمن في الإرهاب بما قد يؤثر على حضور بكين في أفريقيا.
وأضاف أن الصين تدرك تماما أن الإرهاب يضر بقوة بمصالحها في القارة، وسط اتجاه عالمي يدرك مخاطر الإرهاب، وضرورة التكاتف لمواجهته. ولفت الباحث المتخصص في الشؤون الصينية إلى أن الاستثمار في القطاع الأمني تترتب عليه قضايا أخرى، وهي فكرة المشاركة الأمنية للصين في أفريقيا، حيث كانت دائما سياسة بكين تعتمد على عدم التدخل في الصراعات، وها هي تدريجيا تشرع في إحلال الأمن والسلام في أفريقيا.
وعن كيفية وطبيعة الدور الصيني، قال الغيطاني إنه سيكون من خلال التدخل المباشر أو عبر المشاركة في حفظ السلام، أو عن طريق بناء قواعد عسكرية، حيث أعلنت الصين مؤخرا نيتها بناء قاعدة عسكرية في جيبوتي، تتيح لها التدخل السريع لحماية رعاياها، كضرورة حتمية، في ظل تهديدات مستمرة وفي مناطق متفرقة بالقارة.
وكانت العلاقات الأفريقية الصينية مرت بأكثر من مرحلة، فخلال ستينات القرن الماضي، دارت في إطار النظام العالمي والعلاقات الأيديولوجية التي كانت تحكمه، ثم جاءت فترة السبعينات والثمانينات، واختلفت النظرة الصينية لأفريقيا، وأصبح الاقتصاد يقود شكل العلاقات بين الطرفين، وشهدت خلالها العلاقات طفرة كبيرة لدرجة أصبحت بكين الشريك التجاري الأول للقارة، برصيد حوالي 220 مليار دولار سنويا من الاستثمارات، وأضحت الصناعة الصينية لها حضور خاصة في منطقة شرق أفريقيا.
وتعد الصين من أكبر المانحين للدول الأفريقية في مجالات تشييد البنى التحتية، وثلث مشاريع البناء الصينية في الخارج يتم إنجازها في أفريقيا. وتطمح الصين إلى أن يزداد التعاون في مجال نقل التكنولوجيا، ودعم وتطوير التنمية الاقتصادية في القارة.
لكن، برأي الغيطاني لن يتم نقل التكنولوجيا بشكل كامل، وإن كانت الصين تدرك أن الاقتصاد في العالم أصبح اقتصادا معرفيا ولا توجد صناعة قوية دون معرفة وتكنولوجيا، وأن الانتقال من مجرد استثمار في قطاعات طبيعية إلى استثمارات تتعلق بنقل التكنولوجيا سيكون على مستوى متوسط، ولن تنقل المعرفة بصورة واسعة.
واللافت أن الشريك الصيني مرحب به بشكل كبير في أفريقيا، لأنه يختلف عن بعض الشركاء الآخرين، وحققت بكين منافع كبيرة لعدد من دول القارة، فلم تكتف بالثمار التي تجنيها بمفردها، بل حرصت على تعظيم فوائد الشركاء الأفارقة، وكان عنوان مساعداتها التنمية للجميع.
تغيرات وطموحات

في تقدير بعض المراقبين ستركز قمة جوهانسبورغ على كيفية تطوير العلاقات، ورفع أرقام التجارة بين الجانبين، لاعتبارات تخص تضامن الصين مع أجندة التنمية، التي أعلنها الاتحاد الأفريقي عام 2013 وتنتهي عام 2063. كما أن هناك مخططا لربط العواصم الأفريقية بخطوط سكك حديدية، وكذلك ربط هذه العواصم بالطرق السريعة، وخطوط الطيران، والتي تساهم بكين في تأسيسها، من أجل الإسراع بوتيرة التصنيع في أفريقيا.
وقد أدركت الصين أن عصر المعلوماتية، يفرض عليها تحركات معينة، فأطلق الرئيس الصيني تشي جين بينج مبادرة “الحزام والطريق” التي ولدت أصلا من رحم طريق التجارة القديم، الذي عرف بطريق الحرير، وأصبح الآن يتضمن عنصرا جديدا، وهو الطريق البحري الذي يمر عبر المحيط الهندي حتى يصل إلى البحر الأحمر ثم قناة السويس ومنه إلى أوروبا، أو عبر طريق رأس الرجاء الصالح ومنه إلى سواحل القارة الأفريقية في الجنوب والغرب.
لكن التطورات التي تشهدها العلاقات الصينية الأفريقية، تواجهها تحديات أيضا، حيث أكد زهانج مينج، نائب وزير الخارجية الصيني، أن علاقات بلاده تحتاج لمزيد من العمل للحفاظ على وتيرتها الإيجابية ومواجهة العقبات.
وشدّد على أن الموقف الدولي أصبح أكثر تعقيدا نتيجة التغيرات التي تجري على الساحة الدولية، إلا أن العلاقات الصينية الأفريقية تسير بخطوات متسارعة وهائلة نحو التنمية، ملمحا إلى أن ذلك يتطلب أن يتم تطوير التعاون لتحقيق تقدم كبير وسط كل هذه تحديات الكثيرة.
في حين، أكدت نوماينديا مفيكيتو، نائبة وزير التعاون الدولي بجنوب أفريقيا، أن الدول الأفريقية تدرك جيدا أن السلام والاستقرار ركيزتان أساسيتان للحفاظ على التنمية والاستثمارات في القارة الأفريقية.
وأثنت، في كلمتها أمام مؤتمر المائدة المستديرة، على الخطوة التي اتخذتها الدول الأفريقية لتفعيل قرار تشكيل “قوات التدخل السريع الأفريقية”، للتعامل مع أزمات القارة كي تتمكن الجماعة الأفريقية من حل مشاكل القارة والتفرغ للبناء والتعمير.
وأشارت إلى أن المنتدى هذه المرة يحمل رؤية جديدة من قبل المشاركين لما يجب أن تكون عليه أفريقيا الجديدة، وبمساهمات مبتكرة من قبل الشركاء الصينيين، وضرورة أن تصبح أفريقيا كتلة تتمتع بالرفاهية.

Related posts

Top