الكتابة المتمردة

قليلة هي الكتابات الأدبية المغربية التي استطاعت أن تفرض تميزها بخروجها عن القوالب الفنية الجاهزة، وتكسيرها للمسكوت عنه سواء في المجال السياسي أو الديني أو الجنسي حتى..
قد يمر أكثر من عقد من الزمن دون أن يظهر كاتب مغربي من هذه الشاكلة التي أتينا على ذكرها. وفي الفترة الحالية، يمكن القول إن الإنتاج الأدبي المغربي يعيش نوعا من الهدنة، بمعنى أنه متصالح مع ما هو متوافق عليه في ساحة النشر، وغير باعث على إزعاج أي جهة من الجهات.
يحدث هذا في وقت نعيش ثورة على مستوى وسائط الاتصال الرقمية، حيث أن حرية التعبير ما فتئت تتوسع وحيث أن سلطة الرقابة باتت عاجزة عن الإحاطة بما ينشر في كل وقت وحين، عاجزة عن مزاولة المنع في حق من تسول له نفسه تخطي الخطوط الحمراء.
في فترة من فترات الزمن المغربي، شكل كتاب الخبز الحافي لمؤلفه محمد شكري، نوعا من التمرد على ما كان سائدا من كتابات في ذلك الإبان، أي في الثمانينات من القرن الماضي، لم يكن أحد من أدبائنا يكتب عن الجنس بذلك الأسلوب الكاشف الذي استخدمه المؤلف، صحيح أن بعض كتابات محمد زفزاف وإدريس الخوري.. كانت تتطرق إلى القضايا الاجتماعية ذاتها، لكن بنوع من التحفظ، على اعتبار أن الرقابة الذاتية كانت فارضة نفسها.
اليوم نجد هذه الرقابة ذاتها تفرض وجودها على العديد من أدبائنا، في وقت كنا نظن أن تطور تكنولوجيا الاتصال سيحررهم من جبنهم المزمن.
غياب الجرأة في الكتابات الإبداعية المغربية، لا يتوقف فقط عند ما هو موضوعي، بل يمتد كذلك إلى البعد الفني لهذه الكتابات في حد ذاتها.
لم يظهر خلال السنوات الأخيرة أي تطور في الأسلوب الخاص بهذا الفن الأدبي أو ذاك، لم يحدث هناك أي تجاوز يسمح لنا بالحديث عن انعطافة ما.
لنأخذ على سبيل المثال القصيدة الشعرية، باعتبارها كانت على امتداد عقود من الزمن، خاضعة لتجارب متعددة في التحديث والتجديد: الشعر العمودي، الشعر الحر، قصيدة النثر..
حاليا نجد أغلب التجارب الشعرية المغربية تكتب وفق الأسلوب الذي كان سائدا في الثمانينات من القرن الماضي، إن لم نجرؤ على القول إن هذه التجارب تعاني من نوع من الانتكاسة، بالنظر إلى وقوعها في التكرار والاجترار. في هذا السياق لا يمكن في اعتقادي اعتبار شعر الهايكو بمثابة تحول في التجربة الشعرية المغربية، على اعتبار أنه غير نابع من جوهر هذه التجربة، وقد تم فقط استنساخه من الثقافة الأجنبية، الثقافة اليابانية على وجه الخصوص، وبسذاجة مفرطة في أغلب الأحيان.
الأدب المغربي المعاصر إذن، بحاجة إلى الكاتب الذي يخلخله، ويحقق بالتالي تلك الانعطافة المأمولة.

عبد العالي بركات

[email protected]

Related posts

Top