حاوره: عبد العالي بركات
أكد محمد الشريف الطريبق، مخرج الشريط السينمائي الطويل «أفراح صغيرة» على أن هذا الشريط يعد توثيقيا وتخييليا في آن واحد. تخييلي على اعتبار أن هناك قصة مصورة وهناك ممثلون، لكن بموازاة مع ذلك هناك جانب كبير من التوثيق اشتغل عليه، مما منحه بعدا توثيقيا واضحا. بمناسبة العرض ما قبل الأول لهذا الشريط، كان لبيان اليوم حوار مع مخرجه.
الوفاء لفضاء الشمال
لم يخيب المخرج السينمائي الشريف الطريبق أفق انتظار المشاهد، على اعتبار أنه بقي وفيا لميوله الفنية المتمثلة في نقل فضاء شمال المغرب، بكل خصوصياته المعمارية والحضارية، في فيلمه السينمائي الطويل أفراح صغيرة الذي تم تقديم عرضه ما قبل الأول مساء الثلاثاء الماضي بسينما ميغاراما بالدار البيضاء.
اعتاد هذا المخرج على هذا الاتجاه الفني في تجاربه السابقة، خصوصا ما يتعلق منها بالدراما التلفزيونية، كما أن الهم التوثيقي الذي ميز شريطه السابق «زمن الرفاق» كان حاضرا في هذا الشريط كذلك، بل يمكن اعتباره شريطا توثيقيا؛ فقد كانت مدينة تطوان حاضرة بكل حمولتها التاريخية: معمار ولباس وتزيين وطبخ وأثاث ونمط عيش.. علما بأن الأحداث تدور في عقد الخمسينات من القرن الماضي.
فيلم نسائي بامتياز
يمكن القول إن هذا الفيلم يندرج كذلك في خانة السينما النسائية، بالنظر إلى تركيزه على قضايا المرأة، على رغباتها وأحلامها وشقائها. كان موضوع الحب والزواج وتداعياته مهيمنا بقوة على جل أحداث الشريط، كان ذلك بمثابة خطها الدرامي الرئيسي. إنه بمثابة تكريم للمرأة المغربية، على اعتبار أنه حرص على إبراز الجوانب الإيجابية فيها بصفة أساسية: ذكاؤها، أناقتها، عنايتها ببيتها وأولادها، لهجتها الجذابة، مهارتها في الطبخ، حفاظها على التقاليد العريقة، موهبتها في الغناء والطرب.. إلى غير ذلك من المظاهر التي أضفت بعدا جماليا على الشريط، وخلقت بالتالي متعة لدى المشاهد.
الموسيقى والحنين
كانت الموسيقى -وهنا بيت القصيد- العنصر البارز بقوة في الشريط، بهذا الصدد صرح المخرج في حوار مع بيان اليوم أن نقطة انطلاق هذا الشريط هي الموسيقى، لقد سحرته الموسيقى الأندلسية وقرر أن ينجز فيلما سينمائيا حولها.
بين مشهد وآخر، كان يتم نقل حصة من الطرب الأندلسي مصحوبا بأداء غنائي جذاب لصوت نسائي موهوب. غير أن ما يتم مؤاخذته على هذا الجانب بالخصوص، هو بروزه على شاكلة فواصل موسيقية، ولم ينصهر في الحبكة السينمائية، غير أن المخرج كان له رأي آخر، حيث أوضح أنه قرر أن يجعل الفيلم على شكل كوميديا موسيقية، بمعنى أن يتم الغناء وفي الآن نفسه يكون هناك حوار، لكنه حسم الأمر بأن جعل هناك فواصل بين المقاطع الموسيقية من الناحية الشكلية، تكون على شكل كورال في المسرح، فكل مقطع من الفيلم يتم عرضه تعمل الموسيقى على حكيه.
كما استحضر الفيلم الأغاني العصرية التي كانت سائدة في ذلك الإبان، الخمسينات من القرن الماضي، وهي في الغالب مشرقية، فريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب وغيرهما، وهي أغاني لا تخرج عن الموضوع الرئيسي للشريط، أي الحب وهمومه، ويتجلى من خلال ذلك أن الفترة كانت فترة رومانسية بامتياز.
يمكن لهذا الشريط أن يحمل عنوانا آخر، هو جمال تطواني، حيث تم تركيز الانتباه على الجمال الأخاذ للمرأة التطوانية، هناك أناقة تطفح من هذا الشريط، لمسنا ذلك في كل جزء من جزئيات العيش في تطوان، أناقة في اللباس والمعمار والكلام والغناء وتأثيث البيوت وكل شيء، لكن حرص المخرج على موقعة أحداث الشريط في الزمن الماضي، في الخمسينات من القرن العشرين، يمنح الانطباع بأن الوقت الراهن اندثرت فيه العديد من مظاهر الجمال، وبالتالي حاول استعادة هذه المظاهر من خلال التذكير بزمن محدد.
كثير من التقاليد والعادات عمل هذا الشريط على توثيقها، خصوصا ما تعلق منها بالزواج، إلى حد أن المشاهد قد يعتقد أنه بصدد متابعة فيلم وثائقي. والمخرج بدوره لا ينفي هذه الصفة عن شريطه، موضحا أن هناك مزيجا من التوثيق والتخييل.
سطح البيوت كمتنفس
حضور لسطح البيوت، باعتباره مكانا له خصوصياته، كان حاضرا هو كذلك بكل ثقله في الشريط، وينطوي على دلالة معينة، إذ يشكل متنفسا، باعتبار أنه مفتوح على رحابة السماء، إنه فضاء للانفراج النفسي، للبوح ولتقاسم الأسرار.
هذا الفضاء المفتوح والبعيد عن قلب البيت، كان مجالا لإبراز كيد المرأة، ففيه يتم نسج الخطط الشيطانية إذا جاز التعبير، كما أنه يعد المجال الأنسب للتلصص على الآخرين، والتزود بأخبار الجيران، غير أن هذه الجوانب تظل مجرد جزئيات صغيرة وثانوية، وإن كانت تخلق أفراحا صغيرة، تناولها المخرج لأجل إضفاء حركية وكسر رتابة الحكي الدرامي، على اعتبار أن أهم ما سعى الشريط إلى إبرازه هو الحضارة المغربية بمختلف تجلياتها.
بطاقة تقنية
العرض الوطني الأول انطلاقا من 6 أبريل 2016
مدة الفيلم 85 دقيقة
سيناريو وإخراج:محمد الشريف الطريبق
إنتاج: كليبير فيلم
مدير التصوير: كرينغوطا بنزارو
مهندس الصوت: فريريريك لوث
المونتاج: أورليان مانيا
مدير الإنتاج: محمد الكغاط
مساعدة المخرج: إعتماد الزخنيني
الملابس: بشرى كاين الله
المكياج: كريمة بوشراع
إنتاج: 2015 ألوان /1س 26د
مكان التصوير: تطوان
تشخيص: أنيسة العناية، فرح الفاسي، مهاداوود، سمية أمغار، فامة الفراح، سناء الركراكي، فاطنة الخماري. وبمشاركة جوق العربي التمسماني الأندلسي لمدينة تطوان برئاسة الأمين الأكرمي، وغناء زينب فيلال.
تمت كتابة وتطوير مشروع «أفراح صغيرة» في إطار إقامة المخرجين «من المكتوب إلى الشاشة» في منطقة كرونوبل بفرنسا، بدعم من الصندوق العربي للثقافة آفاق بلبنان.
كما حصل على منحة الكتابة للجنة التسبيق على المداخيل للمركز السينمائي المغربي.
تم تتويجه بجائزتي السيناريو والأندية السينمائية بالمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، وكذا جائزة الجمهور بالمهرجان الدولي لسينما البحر الأبيض المتوسط بتطوان.