يشهد فصل الصيف انتعاشا كبيرا لظاهرة الوجبات السريعة التي يقبل عليها الكثير من البيضاويين الذين يفضلون قضاء معظم وقتهم خارج البيت، سواء في النزهة الاستجمام بعيدا عن الروتين اليومي. بيان اليوم رصدت هذه الظاهرة ببعض المناطق التي تشتهر بها، ووقفت على مجموعة من التفاصيل التي عبر عنها أصحاب المحلات التي تقدم هذه الوجبات كما استسقت آراء بعض المستهلكين لهذا النوع من الغذاء.

وأنت تتجول في مدينة الدار البيضاء يلفت انتباهك تصاعد دخان كثيف يكاد يحجب الرؤية وكلما اقتربت تتوضح معالم الصورة، يتعلق الأمر بمحلات متنقلة لبيع المأكولات والمشروبات الجاهزة، وكذلك بعربات مجرورة وغير المجرورة لبيع الوجبات السريعة تراها هنا وهناك، حيث يتحلق الناس حول «مسامير» مملوءة بقطع اللحم فوق مجامر ملتهبة، وغيرها من الأكلات التي اعتاد بعض الناس تناولها في الشارع. روائح شتى، تتسلل إلى أنوف المارة. «موائد» الطعام مصطفة تنادي على المتلهفين لها، من بين أصحاب هذه الأكلات، من يثير شهية المارة بتقليب قطع اللحم فوق النار يمينا ويسارا بحركة مغرية وفي مشهد يثير كوامن البطون الجائعة، ووضع بعض الشحم مباشرة على الجمر حتى تحترق وتثير الكثير من الدخان مما يجلب له الكثير من الزبائن. في فصل الصيف تعرف ظاهرة الوجبات السريعة انتعاشا كبيرا حيث تنتشر عربات الشواء و»الكبدة» و»لحم الرأس» و»السندوتشات» المتنوعة، في معظم الشوارع. وحتى لا تبور تجارتهم ويتعرضون للإفلاس، فإن بائعي السندوتشات، يجمعهم هاجس مشترك واحد، هو كيفية استمالة الزبائن وجعلهم يقتنعون بمعروضاتهم ولذتها، ولهذا يقوم هؤلاء الباعة بتشتيت انتباه الزبون وصرف نظره عن كل ما لا يرغبون في رؤيته، إنهم يمتلكون من الخبرة ما يجعل الزبائن تشيح ببصرها بعيدا عن كل ما ينغص عليها لذة الوجبة، لاسيما، وأن أكثر هذه المحلات العشوائية لا تتوفر فيها شروط السلامة الصحية. عموما، فإن محلات بيع المأكولات الخفيفة والعربات التي تقدم هذه الوجبات، أصحابها يجتهدون في ما يخلق الانطباع لدى المستهلكين بعدم وجود أي تجاوزات فيما يخص ظروف إعداد هذه المأكولات السريعة وكذلك تخزينها قبل تقديمها، فهم يبالغون في الحديث إلى الزبائن عن جودة منتوجاتهم وطرق تحضيرها. فهذه الوجبات تتكون من مقليات كالبطاطس أو مواد تحتوي على نسبة عالية من الدهون كـ «النقانق» و»الكفتة» التي تحضر بالكثير من التوابل والبهارات، وهذه الوجبات غالبا ما يترافق أكلها مع المشروبات الغازية ك»الكوكا». بيان قامت بجولة بباب مراكش، حيث رصدت الكثير من باعة هذه الأطعمة الذين تكاثر أعدادهم منذ بداية فصل الصيف، وتحدثت إلى بعضهم حول هذه الأنشطة التجارية التي يتعاطونها، كما استمعت لشهادات بعض مستهلكي هذه الوجبات.
سعيد لكحل، في مقتبل العمر، يقف في زاوية بمحله التجاري، الذي يستغله في بيع الوجبات السريعة، وهو يطهو فوق مجمر قطبانا من اللحم الذي قام بفرمه إلى قطع صغيرة رصها واحدة فوق الأخرى بعد أن ثبتها بقضبان للشواء. يقول سعيد للجريدة، أنه يسهر على الطريقة الجيدة في تحضير هذه المأكولات وجعلها تلبي ذوق الزبون، كما يحترس كثيرا عليها من التلف، خصوصا، وأن الحرارة قد تؤثر في جودتها، لهذا، يقول المتحدث، إنه يستعين بمبردة في حفظ منتوجاته الغذائية واستدامة جودتها. وتابع سعيد، إن صحة وسلامة المستهلكين لا تقدر بثمن، ولهذا يعمل على إعداد وتقديم هذه المأكولات لزبائنه وفق الشروط الصحية التي تتطلبها مزاولة هذه المهنة. وقد رصدت بيان اليوم الإقبال الكبير على الوجبات السريعة عند «سعيد» واقتربت من أحد زبنائه وسألته عما يجلبه لهذا المحل.
وفي رده قال خالد، وهو شاب في العشرينات من العمر، أن الأكلات الخفيفة أمست شرا لابد منه، خصوصا، بالنسبة للعمال والموظفين وغيرهم ممن يتعذر عليهم الالتحاق بمساكنهم ساعة الغذاء، وأضاف أنه اعتاد على هذه الوجبات الغذائية التي يعدها صاحب المحل المذكور، نظرا لذوقها المتميز، مردفا أنه لم يسبق أن تعرض لأي ضرر صحي لدى تناوله هذه الوجبات. لاحظت بيان اليوم باعة متجولين يبيعون الوجبات السريعة بالقرب من المحطة الطرقية أولاد زيان، حيث يبقون المواد الغذائية فوق طاولات خشبية معرضة لأشعة الشمس والملوثات، لاسيما، عوادم السيارات وغبار الاتربة وغيرها، مما يعرض هذه المواد للتلف ويشكل بالتالي خطرا على صحة المستهلكين.
وفي حديث لبيان مع احد الباعة المتجولين بالقرب من هذه المحطة، قال رضوان بعلى، إنه اعتاد ممارسة هذه المهنة الموسمية بداية كل فصل صيف، وأنه يسهر على نظافة المكان حيث يزاول نشاطه كل يوم، هذا بالرغم مما لاحظته الجريدة من أوساخ ونفايات تحيط بعربته المجرورة، كما لا حظت الذباب الكثير الذي يحيط بها. وقد أفاد «بعلى» بأنه يقتني منتوجاته من أماكن معلومة تتوفر فيها شروط الجودة وانه يحفظها في «الظل» من التلف!؟. بدا هذا الشاب الذي يرتدي بذلة بيضاء ملطخة، مترددا كثيرا في الحديث عن شروط السلامة المفروضة في هذا النوع من الأنشطة التجارية التي لها علاقة بصحة المستهلكين، خاصة، وأنه لا يتوفر على أي ثلاجة أو وسيلة لحفظ المواد والمكونات التي تدخل في إعداد الوجبات الغذائية، مما يطرح علامات الاستفهام حول نشاطه؟.
بيان اليوم، صادفت أحد المواطنين الذي كان يجوب المنطقة والذي لاحظت أنه كان متدمرا من الانتشار الكثير لهذه العربات المخصصة في بيع الأكلات السريعة، وسألته عن سبب تدمره. وقد أفاد هذا المواطن بأن هذه الأنشطة العشوائية التي لا تخضع لأي مراقبة صحية ولا يتوفر أصحابها على أي ترخيص، هي ممنوعة في الأصل. واستطرد هذا المواطن، أن أحد أبنائه سبق له وأن قضى أياما عدة بالمستشفى بعد تعرضه لتسمم غذائي جراء تناول لوجبة سريعة من أحد باعة السندوتشات، وقد كلف علاجه ثمنا باهظا.
بمنطقة مولاي رشيد تنتشر أنواع كثيرة من هذه المحلات بالحي الصناعي، حيث تبيع سندويشات «الطون والحار» والبيض المسلوق، وسندوتشات الكفتة والصوصيص. غالبا ما يلجأ العمال الى هذه المحلات لاقتناء الوجبات الغذائية، حيث سرعان ما يتحولون إلى زبناء قارين لهؤلاء الباعة.
وبمنطقة درب السلطان، هناك محل ارتبط اسمه ببيع سندوتش الطحال، يعرف إقبالا كبيرا كما يظهر ذلك من كثرة الزبناء الذين يترددون عليه وينتظرون دورهم لأخذ الوجبة التي لا تتجاوز10 دراهم. وكلما تسأل زبونا انتهى من التهام «كسكروطه»، يجيب بمدح عابر.
عدد كبير من حالات التسمم يحكي عنها زبناء، تحدثوا للجريدة عن فلان سقط مباشرة بعد تناوله لوجبة صوصيص، وعن فلانة دخلت المستعجلات لغسيل المعدة، لكنه وبالرغم من كل ذلك، فبعض الناس لا يتعضون، بل يستسلمون لهذا الواقع، ويعتبرونه جزءا من مخاطر الحياة التي يواجهونها كل يوم، وسلاح تحديهم لهذا الوضع هو «اللي ما قتل يسمن».
وبالرغم من وجود لجن بكل عمالة مهمتها حفظ الصحة، وبالرغم من وجود آليات متعددة سواء على مستوى المراقبة ومنح التراخيص ومحاربة البيع العشوائي، فإن المؤكد هو أن هذه التجارة تمارس بشكل عادي أمام أعين السلطة، ولا تعرف تدخلا إلا في الحالة التي يحصل فيها تسمم، وقد يعود البائع المتسبب في الحادث لممارسة عمله بعد أن تهدأ العاصفة…

عبد القادر بدامو (صحافي متدرب)