> بصفتكم أحد مجايلي الراحل علي يعته وأحد رفاق دربه، نود أن تحدثونا عن هذا الرجل العظيم الذي جمع بين السياسة والصحافة والبرلمان والفكر.. في البداية ماذا يمكنكم القول عن سي علي الصحافي؟
< كان علي يعته رحمه الله، صحافيا مقتدرا بشهادة الجميع، حتى خصومه في الساحة السياسية كانوا يعترفون له بذلك، فسي علي كان يتميز بالدقة والموضوعية على مستوى المعلومة، علاوة على حرصه الكبير حتى لا يسقط في المسلك السهل، على اعتباره كان يسعى دائما إلى ما وراء الحدث، بالإضافة إلى ذلك كان أيضا صحافيا حريصا على احترام هذه المهنة الشريفة، فحبذا لو نهل من سيرته عدد من صحافيي اليوم الذين يخلطون بين الإثارة والمهنية.
> وماذا عن علي يعته النائب البرلماني؟
< طبعا كان علي يعته رحمه الله، يشتغل بجد واجتهاد في كل الواجهات التي ناضل فيها، لقد كان دائما حسه السياسي المرهف يمكنه من تحمل مسؤوليات كبيرة وبشكل كامل، نظرا لإصابته الهدف وعدم سقوطه في الجزئيات، فالرفيق يعته كما يعرفه الجميع كان “يدوخ” كما يقال بالدارجة المغربية الفرق البرلمانية برمتها، حيث كان يقوم بما لا تستطيع القيام به فرق لها عدد كبير من النواب، والشاهد على ذلك ما قاله في حقه الملك الراحل الحسن الثاني وهو يصفه بـ “الرجل الذي كان رجلا بمعنى الكلمة”.
ففي الواقع المرحوم يعته لم يكن رجلا واحدا بل كانت في شخصه رجالات كثر، فهو الصحافي، والسياسي، والبرلماني، والمسير لمؤسسة إعلامية مهمة، كما كان أمينا عاما لحزب تبوأ مكانة هامة في الحقل الحزبي بالمغرب، جعل له مرتبة مرموقة وهامة في الحياة السياسية.
> كيف تنظرون إلى سي علي كقائد سياسي يساري؟
< الرفيق علي يعته، كان دائما ينادي بوحدة اليسار، شعورا منه بأنه لا يمكن ربح رهان الديمقراطية، إلا من خلال توحيد الصف مع كل من له إحساس بأهمية دور اليسار في هذا الوطن، فقد كان يتجاوز كل الذاتيات والحيثيات التي يمكن أن تسقط بالمرء في تفاصيل لا تليق في المواقع التي يمكن أن تكون للمناضل في اليسار.
بالإضافة إلى هذا كان يتعامل مع كل من ينادي بالديمقراطية، من خلال الدفاع المشترك عن كل الحريات والحقوق الاجتماعية، من قبيل؛ الحق في الحياة الكريمة، والمناداة بالمساواة بين جميع المواطنين رجالا ونساء، استنادا إلى هذا كان رحمه الله حريصا أيضا على أن يكون نضال اليسار دائما مرتكزا على المزيد من الديمقراطية التمثيلية، التي تقتضي العمل من أجل الوصول إلى مرحلة يتمكن من خلالها كل المواطنين بأن يكونوا سواسية في الحقوق والواجبات، وهذا معناه أنه كان يهتم بالقضايا التي تتصل بالشغل والتعليم وكرامة المواطن على جميع المستويات، فعلي يعته كان فعلا مدرسة في حد ذاته، لذا فلنا دين يجب أن نقضيه في حقه، من خلال الوفاء لما علمنا إياه في الدفاع عن مصالح شعبنا من الكادحين والمستضعفين.
وعلي يعته كان أيضا مكافحا ضد الوجود الاستعماري في الوطن، ومعلنا المواجهة الصريحة ضد ظاهرة الإمبريالية بمفهومها العلمي، الاقتصادي، والمالي، والتي كانت تطبع الوجود الاستعماري في المغرب، حيث كان في آن واحد مناضلا من أجل رفع مستوى الوعي السياسي لمنتجي الثروة في هذا البلد من عمال منجميين وزراعيين وصناعيين، ومن مستخدمين في القطاعين العمومي والخصوصي ومن مواطنين ومواطنات أحرار، فقد كان الهاجس المركزي لسي علي، هو نصرة الديمقراطية، لا في شكلها المجرد، بل الديمقراطية الحق التي ترعى الحقوق والحريات كلها، وتحتضن الحقوق الاجتماعية الملموسة التي تهم الحياة المادية اليومية لبني الإنسان ولاسيما الكادحين والمستضعفين منهم.
> كيف عشتم مرحلة التنظيم الحزبي مع علي يعته؟
< سي علي يعته كان دائما حاضرا في اجتماعات الحزب، فشخصيا لم أشهد له بغياب معلل بسبب المرض أو ما إلى ذلك، فدائما كان موجودا في عمله يشتغل بشكل كبير على الواجهة الحزبية، والسياسية، والصحافية، والقيادية، فلم يتخل في يوم من الأيام عن المواعيد التي كان يضربها للمواطنين كافة، ويمكنني أن أصفه بـ “الأوركيسترا”، حيث كان يعزف على العود والكمان والبيانو وكل الآلات، في انسجام جميل وتام لشخصه، والسبب يرجع في ذلك إلى التنظيم المحكم لوقته.
> هلا حدثنا أستاذي عن “مؤسسة علي يعته” حديثة العهد؟
< الآن مؤسسة علي يعته رأت النور بعد 20 سنة من وفاته، ونسجل بالمناسبة أنها جاءت متأخرة نتيجة قلة الإمكانات التي كانت بين أيدينا، غير أنه الآن والحمد لله تجاوزنا كل المعيقات الموضوعية والذاتية، حيث وضعنا هذه المؤسسة على السكة، لذا يجب أن نذهب بها إلى تعميق السلوك المتجسد في علي يعته، كما علينا أن نكون خير خلف لخير سلف، من خلال تتبع الأحوال السياسية في الداخل والخارج، من خلال السهر على ترجمة ذلك على شكل تحاليل ودراسات عمل، بإمكانها أن تساعد الجميع على إدراك مغازي الأوضاع التي نحياها، علاوة على كتابة تاريخ النضال السياسي للحزب الشيوعي المغربي ولليسار المغربي ككل.
إن إخراج مؤسسة علي يعته إلى الوجود بمثابة حلم، فبعد انتظار طويل، ها هو ذا حلمنا يتحقق اليوم، ونخرج بمؤسسة علي يعته إلى الوجود، التي تستلهم روحها من تجربة الزعيم الذي سميت المؤسسة باسمه، كما تستلهم روحها من حزبه، حزب التقدم والاشتراكية، آملا في أن تساعد المناضلين داخل الحزب، والمقربين منه، على فهم محيطهم، ومناقشة أوضاعه، قبل تقديم خلاصات على شكل دراسات وأبحاث تنشر للعموم.
ماهي المواضيع التي توجد اليوم على رأس أجندة المؤسسة والتي تنوون الاشتغال عليها؟
< من بين المواضيع والميادين التي ستعمل المؤسسة على تدارسها نذكر؛ “الحياة السياسية المبنية على أسس الديمقراطية”، و”الحياة الاجتماعية المرتكزة على المساواة وحسن توزيع الثروة الوطنية وباحترام الفرد ذكرا كان أو أنثى”، و”الحياة الاقتصادية المعتمدة على شعب عارف وعلى أحدث ما وصلت إليه عبقرية البشر في زمننا هذا كالأنظمة الرقمية”، بالإضافة إلى “الحياة الثقافية المدمجة الأصول والمنفتحة على الغير”، فالمؤسسة ستنكب على إخضاع كل هذه الميادين وغيرها إلى التحليل الموضوعي الرزين والدقيق وتقديم تصور لها، وذلك بغية الإسهام في المزيد من تطور مجتمعنا ووطننا، وتخليصهما من المعيقات التي ما زالت تعترض سبيلهما نحو التقدم والازدهار.
حاوره: يوسف الخيدر