قال رشيد حموني رئيس فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، إن الطبقة المتوسطة التي يأخذون منها من المنبع ليس لها أي طريقة للتهرب أو التملص من الضرائب كما تفعل الشركات الكبرى، كأن هذا الموظف ليس لديه مصاريف أو سيارة ومنزل يستلزمان الإصلاح؛ معتبرا أنه إذا كانت هناك عدالة يجب أن يعامل مثل الشركات؛ أن يحصل على راتبه ويزيل المصاريف، وما تبقى يدفع مقابله ضريبة.
وأضاف النائب البرلماني حموني، في حوار مع جريدة بيان اليوم، أن الحكومة تتجه في اتجاه خطاب الطمأنينة، وكأن شيئا لم يقع، وأن الدولة دعمت قطاعات من أجل الحفاظ على القدرة الشرائية…؛ في حين أن الواقع شيء آخر وكل شيء ارتفع ثمنه بسبب ارتفاع المحروقات.
بداية، تشهد تقريبا كل السلع والخدمات زيادات متتالية على مدى الشهور الأخيرة، آخرها خلال الأيام القليلة الماضية زيادات وصلت حتى 50 في المائة على منتجات موجهة أساسا للأطفال (بسكويت، شوكولاتة، أجبان وياغورت…)؛ كيف ترون هذا الوضع وتقيمون المبادرات الحكومية في هذا الصدد؟
< مرحبا، بطبيعة الحال إن ارتفاع الأسعار لا يمكن أن يغيب عنه السياق الدولي، ففي ظل الحرب بين روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى غلاء المواد البترولية، وكل هذا ينعكس على جميع المواد، والمغرب كما بعض الدول الأخرى انعكس غلاء الغازوال والبنزين ومواد أخرى بترولية على جميع المواد، لأن هذه المواد تؤثر بشكل مباشر على غلاء الأسعار بداية من المواد الفلاحية ووصولا إلى المواد الغذائية بأكملها.
اليوم رأينا أن المواد الغذائية، ليس في البيسكويت فقط بل في جميع المواد، بل وكذلك زيادات في النقل، فسيارات الأجرة الكبيرة على سبيل المثال لازالت تعمل بتسعيرة أكبر من التي يجب أن تعمل بها، رغم أن الحكومة تقول بأنها قدمت دعما لأرباب النقل.
الإشكال اليوم هو أن الحكومة تتجه في اتجاه خطاب الطمأنينة، وكأن شيئا لم يقع، وأن الدولة دعمت قطاعات من أجل الحفاظ على القدرة الشرائية…؛ هذا كلام الحكومة، لكن الواقع شيء آخر، فكل شيء ارتفع ثمنه، والسبب هو ارتفاع المحروقات.
هذا الارتفاع يهدد السلم الاجتماعي، وثانيا يضعف القدرة الشرائية للمواطنين والمواطنات، ثالثا فهذه المبادرات والملايير التي دعمت بها الحكومة عدد من القطاعات لم يظهر لها أي أثر على المواد الغذائية والخدمات.
> في ظل هذا السياق الذي تحدثتم عنه، يجري الآن مناقشة مشروع قانون المالية للسنة القادمة؛ فهل الإجراءات التي يطرحها المشروع تتجاوب مع ما يفرضه الوضع الاجتماعي الراهن؟
< للأسف، الحكومة اليوم في مشروع قانون مالية 2023 جاءت بإجراءات جديدة ستفاقم هذا الغلاء، من بينها سن ضريبة جديدة خاصة بالمواد التي تستعمل نسبة معينة من السكر كالمشروبات الغازية والبسكويت والشوكولاتة، ستفرض عليها ضريبة أخرى، وبطبيعة الحال عندما ستفرض الضريبة سترتفع التكلفة على المواطن، هذا أولا؛ ثانيا سيتم تفعيل السجل الاجتماعي في سنة 2023، وتصبح الطبقات الهشة تستفيد من الدعم المباشر في البوطة والسكر والطحين، فاليوم ليست الطبقة الهشة والفقيرة فقط من تحتاج للدعم، فالفلاح مثلا يستهلك كمية كبيرة من “البوطا”، فإن كان ينتج كلغ جزر بدرهم ونصف الآن سيختلف الأمر، فإنه سيرفع من ثمن منتجاته، والتكلفة سيدفعها المواطن، لأن المنتج يحسب تكلفة الإنتاج ثم يأخذ أرباحه.
في المناطق الجبلية مثلا والتي تعاني من البرد، الأسر تقوم بالتدفئة بالاستعانة بالبوطة وكذلك تطبخ بالبوطة فهي تحتاج أربع قنينات من “البوطة” في الشهر، حتى وإن كانت من الطبقة المتوسطة، كيف ستدفع ثمن ثلاث أو أربع “بوطات”؟، ويمكن اليوم في ظل غياب تام للزيادة في أجور هذه الطبقة أن يؤدي إلى تفقير الطبقة المتوسطة، علما أنها اختفت في الواقع، حيث لا يمكن أن نحتسب صاحب 5000 درهم أو 6000 درهم ضمن الطبقة المتوسطة، فقد أصبح مع الطبقة الهشة، مما يعني أنه لا توجد الشروط الكافية من أجل إلغاء صندوق المقاصة.
المسألة الثانية التي غابت عن مشروع قانون المالية وكنا نطالب بها منذ البداية، ولو تم التجاوب مع مطلب المعارضة ربما ما احتجنا لكل هذا، فمنذ أن ارتفعت أسعار المحروقات، طالبنا كما قامت دول أخرى، من قبيل بعض الأنظمة الليبرالية أو أكثر، بإزالة الضريبة عن القيمة المضافة وإزالة الضريبة الداخلية للاستهلاك، هذا الأمر أعطاهم ما بين 3 دراهم و3 دراهم ونصف أقل من ثمن الغازوال، فحافظوا على الأثمنة التي كانت قبل هذه الارتفاعات، فظلت بهذا الأثمنة مستقرة، لأن الإشكال لا يرتبط بالغازوال بل بالتجار والفلاحة، الذين يسمعون بغلاء الأسعار؛ فليس النقل من يرتفع ثمنه فقط، بل أيضا يزيدون في ثمن المنتجات جميعها في ظل غياب المراقبة، فمثلا “صاحب المتجر الذي كان يربح 24 ريال يضيف 8 ريال ليربح أكثر”، لأنه لا توجد مراقبة، والدولة لا تحدد أثمنة لبعض المنتجات كالبسكيوت، فتسعيرتها تكون حرة، لذلك يستغلون الأمر بدعوى أن الأسعار ارتفعت في العالم، فيزيدون الأثمنة دون وجه حق.
بالإضافة إلى أن أثر الإجراءات المنجزة اليوم في الميدان، من قبل المكتب الوطني للكهرباء والماء من أجل الحفاظ على ثمن بيع الكيلووات أو المتر مربع لم يظهر، فبعض المصانع ترفع ثمن منتجاتها بدعوى ارتفاع ثمن الكهرباء، رغم أنها تحصل على الدعم الخاص بهذا الاستهلاك حتى تحصل عليه بثمن مستقر.
إن الملايير التي تعطى هي من جيب المواطنين، فتلك 43 مليار درهم التي حصلت عليها الدولة في قانون مالية 2022، دون أن تكون متوقعة بفعل ارتفاع الأسعار والضريبة على الاستهلاك الداخلي فقد دفعها المستهلك والمواطن، فبدل أن تعيد استغلالها في تدعيم المحروقات كي يحافظوا على استقرار الثمن، قاموا بإعطائها لمؤسسات عمومية والتي تعاني أساسا من مشاكل مالية قبل الحرب أو قبل ارتفاع ثمن البترول…
اليوم بالفعل الحكومة قامت بإجراءات، لكن هذه الإجراءات ليس لها أي أثر نهائيا، هي أموال تم رميها لأناس معينة لا يستحقونها ولم تعد بالنفع على المواطنين والمواطنات، واليوم نقول بأنه يجب إعادة النظر في طريقة استهداف بعض الفئات كأرباب النقل…؛ فهذا الدعم لا يوجه لتخفيض الأسعار على المواطنين والمواطنات، بل بالعكس تستفيد منه طبقة معينة، حيث هناك من حصل على الدعم وجلس دون عمل، وهذا لم يعط أكله، لهذا على الحكومة أن تقوم بتقييم لهذه الإجراءات التي أنجزت وتحاول أن تجد حلول أخرى وإجراءات أخرى، والتي ستأتي في قانون المالية الذي سنقترح على الحكومة، ونتمنى أن تتجاوب معه.
> تحدثت عن الإجراءات الضريبية، فإلى أي حد يمكن الحديث عن إصلاح ضريبي بمشروع قانون المالية 2023؟
< بداية، لا يوجد إصلاح ضريبي مع هذه الحكومة، هذا شعار ترفعه، لكن الإجراءات التي نلامسها في قانون المالية لا يوجد فيها نهائيا أي إصلاح. لأن الإصلاح الضريبي الذي جاء في المناظرة وفي النموذج التنموي وفي القانون الإطار، هو العدالة الجبائية، وهذا لا يوجد، بل بالعكس يخدمون لوبيات كبرى، وأعطيك أمثلة، فمثلا الشركات التي تجني 300 ألف درهم في أرباحها، كانت تدفع 10%، وهذه الشركات تمثل 80% من الشركات في المغرب، وهي الشركات الصغرى والمتوسطة، اليوم هذه الشركات أصبحت تدفع 20% ضرائب، بينما الشركات التي تجني أكثر من 100 مليون درهم في الأرباح، كانت تدفع 30% وأصبحت الآن مطالبة بـ 20%، فالإصلاح إذن لم يأت ليدعم هذه المقاولات الصغرى، وتكون هناك عدالة، بل بالعكس زاد الضرائب على الشركات الصغرى، بينما خفض ضريبة الشركات الكبرى إلى 20%، لكي يوحدوا قيمة الضريبة.
الإجراء الثاني الذي جاء بالدفع المسبق أو الاقتطاع من المنبع لبعض الفئات كالمحامين والمهندسين والموثقين، هو إجراء غير دستوري بحيث هذه الشركة يجب أن تعطي للدولة مسبقا كل شهر 20% من رقم معاملاتها، وفي نهاية السنة تقدم الميزانية العامة ويتم القيام بالمحاسبة، سيكون كل هؤلاء دفعوا ما يجب أن يدفع حقيقة مضروب في ثلاث مرات، وتقول لهم أنني سأعيد لكم أموالكم فيما بعد؟!.
وكم من ملف يجب أن يحذف منه كلفة الماء والكهرباء والإصلاحات، ثم يجني الأرباح ويدفع 20%، أما هم الآن فيقولون لا، ادفع 20% ثم في نهاية السنة نتحاسب، ونعيد لك ما يلزم! فكم من ملف يجب أن يعالجوه…؟ فبأي وجه حق سيستخلصون الضرائب مسبقا؟.
تحدثتم عن الشركات وعدد من الهيئات المهنية التي تعد قطب الرحى في المجتمع، فهل يعد المشروع كفيلا بحماية بوصلة المجتمع وصمام أمانه أي الطبقة المتوسطة؟
< قبل الحديث عن الطبقة المتوسطة، أريد أن أشير أيضا إلى طبقة المتقاعدين التي لا تزال الدولة المغربية هي الوحيدة التي تحصل منها على ضريبة الدخل؛ ثم طبعا الطبقة المتوسطة التي يأخذون منها من المنبع ليس لها أي طريقة للتهرب أو التملص كما تفعل الشركات الكبرى، كأن هذا الموظف ليس لديه مصاريف أو سيارة ومنزل يستلزمان الإصلاح؛ فإذا كانت هناك عدالة يجب أن يعامل مثل الشركات؛ أن يحصل على راتبه ويزيل المصاريف، وما تبقى يدفع مقابله ضريبة…
هذا بالإضافة إلى الضرائب غير المباشرة التي يؤديها بشكل يومي، بحيث كل ما يشتريه من أي محل يدفع مقابله 20%، وحين يذهب عبر الطريق السيار أيضا يدفع مجددا الضريبة حتى وإن لم يستفد منها بقدر الشركات، بحيث لا يحصل لا على فاتورة ولا أي شيء، بينما صاحب الشركة يحصل عليها ويسترد قيمتها…
إذن هذا حيف ينضاف إلى غلاء الأسعار؛ يريدون بهذه الإجراءات سحق الطبقة المتوسطة وتفقير الطبقة المتوسطة وهو ما سيؤدي إلى زعزعة السلم الاجتماعي.
حاوره: عبد الصمد ادنيدن
تصوير: رضوان موسى