يشتهر سوق القريعة بمدينة الدار البيضاء بالمتاجرة في الكلاب بأصنافها المختلفة، هذه الممارسة تزداد وتتوسع كل يوم أحد من الأسبوع في أوساط بعض الشباب البيضاوي الذين من بينهم من يتخذ هذه التجارة وسيلة لتحدي البطالة، فيما البعض الآخر ممن يشغفون بتربية هذه الحيوانات الأليفة يزاولونها كهواية أو من أجل التباهي أو تنظيم مباريات في المصارعة بعد تدريبها على الشراسة. في الحقيقة هناك أسر تتعيش من هذه التجارة من خلال تربية الكلاب والاعتناء بصغرها منذ الولادة حتى يحين وقت بيعها في هذا السوق. من أجل الاقتراب أكثر من هذا النشاط التجاري قامت بيان اليوم بجولة في هذا الفضاء الاقتصادي ورأت بأم عينيها كيف تتم عمليات البيع والشراء بين الكلاب.
عرض أصناف مختلفة وعلى رأسها “البيتبول” الخطير
سوق القريعة من بين أكبر الأسواق الشعبية في العاصمة الاقتصادية تضاهي شهرته سوق درب غلف. في هذا الفضاء الاقتصادي الاجتماعي قد يجد المرء كل ما يرغب في الحصول عليه من حاجيات بدءا بالملابس، الجديد منها والقديم، المفروشات والتجهيزات المنزلية باختلاف أنواعها، نهاية بمواد البناء من زليج ورخام وأدوات كهربائية وإلى ذلك من سلع وبضائع جديدة ومستعملة.
والظاهر أنه إلى جانب هذه الاقتصاديات المتنوعة، هناك أنشطة أخرى يعرفها هذا الفضاء الشاسع من تراب عمالة الفداء درب السلطان، أنشطة لا تقل شأنا عن باقي المتاجرات، يتعلق الأمر هنا ببيع وشراء بعض الحيوانات الأليفة كالكلاب والقطط بالإضافة إلى الطيور.
في الواقع تجارة الكلاب هي الأكثر انتشارا في هذا السوق الشعبي ونشاطا أيضا، إذ يحج إليه جمهور غفير من مالكي الكلاب ومحبيها والمضاربين فيها، وكلهم رغبة في الظفر بأجود صنف من هذه الحيوانات، وبأحسن الأثمنة.
بيان اليوم قامت نهاية الأسبوع المنصرم بجولة في هذا السوق الطويل العريض، حيث وقفت على بعض عمليات البيع والمساومة في هذا الصنف من التجارة بين بائعين متلهفين للحصول على هامش وفير من الربح ومشترين يرغبون في كلاب انيقة من النوع الجيد ولكن بأثمنة مناسبة.
وفي سياق هذه الجولة، سجلت بيان اليوم موقفا مؤثرا لطفل صغير بصحبة والدته، تمسك بجرو من نوع “الكلاب الألمانية” بل ورفض تركه لمالكه الذي لم يقبل بالثمن المقترح أثناء المساومة من قبل والدة الصبي التي رضخت في النهاية لتوسلات طفلها ودموعه المنهمرة. نعم، لقد أخرجت الأم 2500 درهم من حافظة نقودها وهو المبلغ الذي ظلت ترفضه طيلة المساومة، ودفعت به للبائع الذي كان راضيا على عملية البيع.
وبعد تلبية الأم رغبة فلذة كبدها حمل الصغير بين ذراعيه الجرو منتشيا على ما يبدو بما حققته دموعه من انتصار لرغبته، ليخرجا معا من بين الجمهور الذي كان يتابع عملية البيع، وقبل ان يغادرا السوق
اقتربت بيان اليوم من الأم وسألتها عن الهدف من شراء هذا الجرو للصبي، خصوصا، وأن الأمر يتعلق هنا بنفقات إضافية لميزانية الأسرة التي لا تهم فقط الكلفة المالية لشراء هذا الحيوان الأليف بل متطلبات تغذيته والعناية به.
وفي ردها أجابت هذه الأم (ف.س) والتي تعمل مهندسة، بأنه ليست المرة الأولى التي تشتري الأسرة كلبا وإنما سبق وأن قصدت هذا السوق واقتنت منه جروا مماثلا لإسعاد أطفالها، غير أن هذا الجرو تاه منها في ظروف غامضة بعد خروجه في الصباح الباكر من المنزل.
وتابعت أنها تحتاج للكلب، لاسيما، من النوع الجيد والذكي لتربيته على الحراسة، فهي وأسرتها، تقول المتحدثة، يقطنون بفيلا بالوازيس، مبرزة من خلال كلامها دور هذه الحيوانات الأليفة في تحسيس أصحابها بالأمن، خصوصا الذين يقطنون الفضاءات السكنية الواسعة.
وأضافت (ف-س) أن الحراس الليليين كثيرا ما يخذلون أرباب عملهم سواء من خلال الغياب عن الشغل أو النوم خلال فترة الحراسة وهذا يزيد من خطر التعرض للسرقة، أما الكلاب، تقول، فتتميز بدقة عالية في استشعار الخطر ولو عن بعد، بالإضافة إلى أنها تبقى وفية لأصحابها وملتزمة بدورها في مجال توفير الأمن.
واستطردت الأم في حديثها، أن الطفل يشعر بالأمان والراحة بوجود كلب في منزله، إذ يعتبره صديقه الوفي ويتكل عليه كثيرا ويصبح بعد فترة من المقربين له، مستشهدة في هذا الصدد، ببعض الدراسات النفسية التي قالت بأنها اثبتت أن الكلب يساهم في تطور شخصية الطفل، ويشعره بالاطمئنان وبأهميته وقيمته كفرد، وكذلك يساعده على التحرر من الضغوطات النفسية والتوترات الداخلية التي يعيشها. وخلال هذه الجولة صادفت بيان اليوم لمصور بوشعيب وهو شاب يقطن بمقاطعة اسباته، وسألته عن سبب ارتياده هذا السوق.
وفي تصريحه للجريدة، أفاد أنه عاطل عن العمل ويتعاطى المضاربة في “الكلاب” التي يجني منها أرباحا مهمة، مبرزا، أن المداخيل التي تدرها عليه هذه العمليات التجارية في هذا السوق كانت سببا في طرده من المؤسسة التعليمية التي كان يتابع فيها دراسته الإعدادية بسبب كثرة التغيبات.
وزاد المتحدث أنه بعد انقطاعه عن الدراسة صار يمتهن بيع وشراء الكلاب، مفضلا هذه التجارة على التكوين لتعلم حرفة أخرى لتأمين مستقبله، رغم ما يحدق بها من مخاطر، مبرزا في هذا الصدد، أنه سبق وأن قضى شهرين حبسا نافذا لتورطه في بيع كلب مسروق تعرف عليه مالكوه.
وأضاف المتحدث، أن المتعاطي لمثل هذه التجارة يجب أن يكون ملما بعدد من التفاصيل بخصوص نوعية “الكلاب” من حيث أصالتها وسنها بالإضافة إلى سلامتها الصحية، وهذا يقول المتكلم، يفرض على صاحب الكلب أن يكون متوفرا على دفتر صحي يثبت هوية الحيوان.
حوالي الساعة العاشرة صباحا، أضحت الساحة المفتوحة على شارع محمد السادس، تضيق بمرتادي سوق الكلاب، أشخاص يتوافدون على هذا السوق من أنحاء مختلفة، بل وحتى من خارج المدينة، الكثير منهم يرغب في اقتناء كلاب من أنواع: بيتبول، بويربول، مولوس، بوربولس، صطافورد، روطويلير، وكلها حيوانات تتميز بقوة عضلاتها وفكيها، وتصير خطيرة جدا أذا ما تم تدريبها على الشراسة.
وتتراوح أثمنة هذه الحيوانات المفترسة ما بين بين 2000 درهم و10000 درهم.
في هذا الوقت أصبحت الساحة تضج بنباح الكلاب الذي يصدر من كل مكان، وصارت الأجواء فيها تنم عن خطورة بالغة، إذ لا أحد يتوقع سلوك هذه الحيوانات التي قد يكون من بينها كلاب غير مروضة أو مزاجية، فتهاجم على بغثة.
عروض مختلفة في هذا السوق، فهنا مساومة، وهناك إتمام البيع، هذه هي أهم سمات هذا السوق الذي يشبه في أكثر تفاصيله سوق الغنم.
أسعار متباينة يحددها نوع الكلب واصالته بالإضافة إلى باقي مميزاته التي من أهمها الاستجابة والانضباط والشراسة …، ومن أجل إكساب هذه الكلاب هذه المعايير يقوم مربوها بالاعتناء بها من خلال التغذية والترويض الجيد.
وفي خضم هذه الجولة التقت بيان اليوم بعبد الرحيم مكري أحد المهتمين بتربية الكلاب وسألته عن مدى قانونية عرض بعض الكلاب المحظورة التي تشكل خطرا على الأمن العام.
وفي حديثه إلى الجريدة أوضح مكري أنه رغم وجود قرار صادر عن وزارة الداخلية يحظر التجول ببعض الكلاب المصنفة خطيرة في الشارع العام أو عرضها أمام العموم، هناك أناس كثيرون يتجولون في الشوارع أو يمارسون الرياضة على الشاطئ مصحوبين بكلاب ضخمة من صنف “البيتبول”، مضيفا، أن ارتفاع أرقام معاملات هذا الصنف الممنوع في هذا السوق، يعكس مدى تنامي تربية هذه الكلاب المحظورة وامتلاكها من قبل الأشخاص.
وتابع المتحدث، أن هناك من يختار هذا الصنف الخطير من الحيوانات وتربيتها على العنف من أجل المراهنة عليها في مصارعة الكلاب الشرسة، بل وهناك قطاع طرق يتخذونها وسيلة لتهديد الضحايا وسلبهم ما بحوزتهم، مبرزا، أنها فعلا تشكل خطرا كبيرا على المواطنين في الشارع العام حيث تسببت في حوادث كثيرة أودت بحياة بعض الضحايا وأصيب بعض أخر بعاهات مستديمة.
ويمنع قرار وزارة الداخلية كل مالك أو حارس لأحد هذه الأصناف الخطيرة من الكلاب، التجول بها في الشارع العام أو عرضها أمام العموم، كما تمنع المادة الخامسة من هذا القرار امتلاك أو تربية وترويض الكلاب المفترسة، لأجل مسابقات المصارعة الخاصة بالكلاب، وكذا المتاجرة فيها أو استيرادها وتصديرها، كما يمنع القانون أيضا بطريقة قطعية وجود هذه الأنواع الكلاب في الأماكن العمومية ووسائل النقل العمومي أو السكن الجماعي والملكية المشتركة، ورغم ذلك يقول المتحدث، تتغاضى المصالح الأمنية ومصالح حفظ الصحة عن اعتقال أصحاب هاته الكلاب الخطيرة وتقديمهم للمحاكمة.
روبورطاج من إنجاز: إفاطمة والهورشمت