حكومتنا اليوم، على ما يبدو، لم تستوعب بعد انتهاء مرحلة الانتخابات وتسويق البرامج وتلميع الصور، لتبدأ مرحلة التنزيل والوفاء بالوعود، وممارسة السياسة باعتبارها العمود الفقري للعمل الحكومي، بدل اتباع نهج التدبير والتسيير الإداري للشركات والإدارات العمومية، أو حتى الحملات الانتخابية…
هذه الحكومة، بدل دعم القدرة الشرائية للمواطنين، في سياق اشتعال الأسعار، والخروج للتواصل مع الشعب الذي وضع فيها ثقته، ثم الوفاء بوعودها التي سوقتها على مدى سنوات عن طريق “مؤثرين”، خصصت ملايير السنتيمات لهذه الفئة الأخيرة التي تعتبرها ممثلة للشعب، بدل نواب الأمة، للترويج لمبادرة “فرصة”.
استبعدت الحكومة نواب الأمة وبعدهم الخبراء والمختصين لمناقشة القضايا الاستراتيجية، لتعمل أخيرا على إعدام الصحافة الوطنية، مفضلة من يعتبرون أنفسهم وتعتبرهم “مؤثرين”، ليحلوا محل كل هؤلاء، وذلك لوعيها بحقيقة برامجها ومستويات وزرائها، وبالتالي تلجأ لهذه الفئة التي تبارك وتسوق ولا تسائل وتحلل، إنهما – الحكومة والمؤثرون – وجهان لعملة واحدة، يفتقدان القدرة على التمحيص والتحليل والمواجهة.
حكومتنا اليوم، ومن خلال برنامجها الأخير “فرصة”، الذي كلفت به – بشكل غير مفهوم – وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، بدل وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، التي يفترض أن تكون معنية بهذا البرنامج، أبانت عن عدم قدرتها على الإجابة عن الأسئلة الحقيقية التي يمكن أن يطرحها المعنيون الحقيقيون، الضابطون لكرونولوجيا المشاريع.
من المؤكد أن لا جواب لها، على حصيلة مشروع “مقاولتي لدعم حاملي المشاريع”، الذي أعلن على خلفيته عدد مهم من الشباب عن إفلاسهم، ومنهم من أصبحوا متابعين من طرف العدالة في قضايا تتعلق بعدم تسديد الديون، كما هو الحال بالنسبة لضمان “أكسجين” الذي خصص لدعم المقاولات والشركات باعتباره قرضا بفائدة منخفضة، إلا أنه ألزم المستفيدين دفع المبلغ كاملا قبل 31 من دجنبر 2021، ومن لم يتمكن من ذلك فالقرض الذي كان بنسبة فائدة لا تتجاوز 2.5 أضحى تلقائيا بدخول السنة الجديدة بفائدة تتجاوز 14٪ في السنة، وهو ما أدى إلى إفلاس العديد من المقاولات والشركات، والأمر سيان بالنسبة لعدد من البرامج، التي تفتقر إلى غياب المواكبة، إضافة إلى عدم قدرة المستفيدين على المنافسة أمام الشركات الكبرى.
إن برنامج “فرصة” لا يعدو أن يكون “وليمة” للمؤثرين والمكلفين بالتواصل، الذين خصصت لهم ملايير السنتيمات، كان يمكن أن يتم اعتمادها في مشاريع حقيقية تتيح فرص شغل مهمة، وبأجور محترمة، بدل برنامج لن يكون إلا قبرا لكثير ممن يحلمون أن يصبحوا “باطرونات” في ظل غياب التجربة والتكوين.
على الحكومة، أن تكون صادقة مع الشعب، وتنهج سياسة تواصلية حقيقية، وتفي بوعودها للمواطنين، وتطلق برامج حقيقية تساهم في القضاء على البطالة ودعم القدرة الشرائية، بدل تقديم مشاريع صورية بوصلات إشهارية، وفخاخ تنهي أحلام الشباب.
إن حكومتنا اليوم، ملزمة بتقديم حصيلة البرامج السابقة، والوقوف على مكامن الخلل، كما عليها أن تكون واضحة مع الشباب المستفيدين من البرنامج الأخير، في جوانبه المتعلقة بالمساطر القانونية التي سيتم اللجوء إليها في حالة عدم قدرتهم على دفع مستحقات الأبناك، فضلا عن ضرورة مواكبتهم ومتابعتهم المستمرة.
ختاما، هؤلاء “المؤثرون” – إن كانوا كذلك – لا غرو أن لديهم دورهم في الحياة الاجتماعية أيضا، في ظل التطور التكنولوجي والرقمنة، وليس من المطلوب إبعادهم، بل عكس ذلك، يجب أيضا مواكبتهم وتكوينهم كل وفق مجال اختصاصه، كما أنه يمكن الاعتماد عليهم في التسويق لبرامج توعوية من قبيل “محاربة السيدا والإدمان والسرطان…”، وإشراكهم في مناقشة القضايا التي تخصهم أو ترتبط بمجال اختصاصهم شريطة أن يكونوا أهلا لذلك – الأهلية ليست بعدد المتابعين بل بالتكوين والمحتوى المقدم – أما اعتماد الحكومة على هذه الفئة لمناقشة قضايا وطنية مهمة – من قبيل التعليم – أو لتسويق برامج يجب أن يروج لها مختصون وخبراء عن طريق قنوات رسمية باعتبار أنها تحتاج للشرح والمناقشة وليس الإشهار، لا يعني إلا أن حكومتنا تدبر وزاراتها ومؤسساتها بأسلوب الشركات وليس المؤسسات المنتخبة.
< عبد الصمد ادنيدن