يتبادل البيضاويون الحديث هذه الأيام المتزامنة والاحتفال بـ»عاشوراء»، عن الإزعاج والمضايقة من الانتشار المهول للمفرقعات والألعاب النارية التي تغزو الأحياء والشوارع بل وتحولها إلى ساحة لخوض المعارك. فمع حلول مناسبة عاشوراء، تبدأ أصوات مجلجلة تصم الأذان صادرة عن ألعاب نارية خطيرة يلهو بها الأطفال والمراهقون، في هذا الحي أو ذاك، مما يخلق الفزع لدى الناس سواء اكانوا في منازلهم أو مارة في الشارع.
في الحقيقة هذه الظاهرة الخطيرة التي صارت ملتصقة بالاحتفال بعاشوراء، تثير الكثير من المخاوف لدى المتتبعين للشأن المحلي، وتدفعهم للمطالبة بمنع تداول هذه الألعاب والمفرقعات النارية وزجر مروجيها ومعاقبة مستعمليها كبارا وصغارا.
وفي تصريح لبيان اليوم دعا بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، إلى الجدية في التعامل مع ترويج الألعاب والمفرقعات النارية، مبرزا أن الظاهرة سادت منذ نهاية شهر رمضان بحيث حولت شوارع المملكة إلى ما يشبه بساحات حرب ومعارك بين الأطفال والمراهقين التي يقبلون على شرائها هذه اللعب الخطيرة، موضحا، أن هذه الظاهرة تفاقمت مع اقتراب مناسبة عاشوراء.
وأضاف أن هناك مشروع قانو 22/16 تقدم به وزير الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة إلى مجلس النواب في شهر يونيو المنصرم يرمي إلى مراقبة استيراد وبيع وشراء ونقل المواد المتفجرة لاستعمال مدني والشهب والألعاب النارية والاصطناعية الترفيهية، مؤكدا على ضرورة الحد ومحاربة هذه الظاهرة
في انتظار مصادقة البرلمان على مشروع القانون الذي ينص على معاقبة بالسجن من سنتين إلى خمس سنوات وغرامة مالية تصل إلى 500 ألف درهم، كل من ضبط بحوزته بدون سند قانوني مواد أولية أو مواد متفجرة أو شهب وألعاب نارية أو من يعمد إلى إدخالها إلى البلاد بطريقة غير قانونية.
بيان اليوم رصدت هذه الظاهرة في مجموعة من الأحياء وتحدثت إلى عدد من المواطنين من بينهم
محمد لكحل الكاتب المحلي لجمعية إشعاع للتنمية بمقاطعة عين الشق، والذي أكد على خطورة هذه الألعاب النارية وتسببها في مجموعة من الحوادث المؤلمة بالدار البيضاء، نتجت عنها إصابات وعاهات جسدية لعدد من الضحايا بل ونجمت عنها حرائق في ممتلكات الغير كاحتراق منزل من ثلاثة طوابق بدرب الكبير بعمالة درب السلطان الفداء. وطالب المتحدث، بالحزم لمنع ترويج الألعاب النارية ومعاقبة المتاجرين بها لأنها تشكل خطرا على أمن وسلامة المواطنين، لاسيما، الأطفال الصغار، مشيرا إلى أن الظاهرة تتضاعف في الأوساط الشعبية والأحياء المهمشة ومنسوب ضحاياها في ارتفاع كل ما حلت مناسبة عاشوراء.
في الواقع تعتبر الألعاب والمفرقعات النارية من أبشع مظاهر الاحتفال بعاشوراء في مدينة الدار البيضاء، حيث الشباب الطائش والمتهور، لا يقبل أي وسيلة أخرى للتسلية سوى هذه الألعاب الخطيرة التي تحدث دويا يشبه صوت المدافع، ويتم الإقبال على شرائها مباشرة بعد عيد الأضحى.
حسن الحمادي، موظف، متزوج وأب لثلاثة أطفال، التقته بيان اليوم بحي بوركون، تحدث عن التساهل الذي تلقاه ظاهرة اللعب بالمفرقعات والألعاب النارية خلال عاشوراء من قبل غالبية الأسر، مما يجعلها تتجدر في المجتمع.
فالظاهرة، يقول المتحدث رغم أنها خطيرة والكل يتدمر منها، إلا أن ذلك لم يزدها سوى ثبات متجل مع إطلالة شهر محرم من كل سنة هجرية حيث يزيد الإقبال على شراء واللعب بالمفرقعات النارية، مما يعكس حسبه عدم الجدية في التعامل معها من قبل الأباء والأمهات الذين من المفروض فيهم نهي أبنائهم عن اللعب بها وتحسيسهم بخطورتها على سلامتهم البدنية وسلامة غيرهم وزجرهم عند مخالفة الأمر.
وتابع المتحدث كلامه، أن الكثير من الأباء يرغمهم ابناؤهم على مدهم بالمال لشراء هذه الألعاب الخطيرة، بل من هؤلاء الأباء، يضيف، من يصطحبون أطفالهم لشراء هذه المحظورات، بل يتجشمون عناء البحث عنها وشرائها لأطفالهم معتقدين أن ذلك يخلق السعادة لديهم.
واستطرد المتحدث، أنه في أيام الاحتفال بـ «عاشوراء» التي تصادف ليلة العاشر من شهر محرم، تتحول الشوارع والدروب بكل الأحياء والمناطق إلى فضاءات للتنافس بين الأطفال من خلال الاستعمال المكثف للألعاب النارية والمفرقعات غير مبالين بخطورتها على المارة والأطفال الصغار الذين يلعبون في محيط منازلهم.
وأكد الحمادي أن انتشار الألعاب والمفرقعات النارية خلال عاشوراء، مرده إلى تهاون السلطات الأمنية بالعاصمة الاقتصادية في الحد ومحاربة هذه الظاهرة، وذلك من خلال عدم تشديدها المراقبة على تجار ومستوردي الألعاب النارية والمفرقعات، مشيرا في سياق هذا الموضوع، إلى ارتفاع ضحايا هذه الظاهرة في صفوف الأطفال الذين يصابون بـ»صواريخ» طائشة تنجم عنها حروق خطيرة وفي بعض الأحيان فقدان البصر.
في الواقع، احتفالات عاشوراء في حاضرة كالعاصمة الاقتصادية التي تحلم بريادة المدن الأكثر تقدما ليس على المستوى الوطني فقط، بل الافريقي كذلك، لها طعم خاص بفضل الخصوصية الثقافية المتنوعة والمتعددة لهذه المدينة التي تجمع بين طياتها المتناقضات بين ما هو حداثي تقدمي وما هو هامشي بئيس، هذا ما عبرت عنه، نوال لشهب، طالبة بمعهد عال للتجارة وإدارة المقاولات، والتي تقطن بحي كاليفورنيا. نوال التي التقتها “بيان اليوم” وسط المدينة، أضافت ان الأحياء الراقية لا تشهد أي استعمال للألعاب النارية او المفرقعات خلال هذه الفترة وأن مظاهر الاحتفال بعاشوراء شبه منعدمة بهذا الحي الراقي وأن أي إزعاج من قبل المترددين على هذا الحي، قد يكون موضوع اتصال هاتفي بالشرطة التي تهرع لتطهير المنطقة من الأشرار. تبتسم نوال، وتتابع كلامها، بأن هناك فرقا شاسعا بين الأحياء الراقية والشعبية حيث تتعدد مظاهر الاحتفال بعاشوراء من طقوس وعادات وإن اختلفت تفاصيلها من أسرة إلى أخرى، فإن القاسم المشترك يبقى رسم الابتسامة على وجوه الأطفال وإشراكهم فرحة هذه المناسبة الدينية التي تروم تعزيز وترسيخ التضامن والتكافل بين فئات المجتمع، وليس العكس.
واستطردت المتحدثة، أنها عادة ما كانت تقوم في هذه المناسبة بزيارة احدى قريبتها بحي شعبي بالبرنوصي، ولكنها لم تعد تفعل ذلك، خوفا مما يصدر عن بعض الشباب الطائش الذين يستغلون حلول عاشوراء لإطلاق العنان لسلوك وتصرفات شاذة تحت ذريعة الاحتفال بالمناسبة، حيث يستهدفون الفتيات بالمفرقعات النارية والرشق بالماء الملوث والبيض الفاسد، منددة بهذه السلوكات التي ليست لها اية علاقة بالمناسبة، مؤكدة، أن يوم عاشوراء مناسبة لترسيخ قيم التضامن الاجتماعي وإخراج الزكاة وإعطائها للفقراء والمحتاجين، وهو أيضا فرصة لزيارات الأهل والأحباب وقضاء بعض الوقت الممتع معهم.
في الواقع، البيضاويون يجلون هذه المناسبة الدينية ويفردون لها طقوسا خاصة، ويظهر ذلك من خلال الاستعدادات التي يخصصونها لاستقبال عاشوراء مع بداية شهر محرم، حيث تكثر محلات ييع الفواكه الجافة او ما يصطلح عليه بـ»الفاكية» التي تعد إحدى المقومات الضرورية للاحتفال، وتتحول الشوارع لفضاءات لبيع لعب الأطفال من دمى ومسدسات مائية وآلات موسيقية وغير ذلك من هذه المنتوجات الصينية الصنع.
غير أن كل هذه الاحتفالية تبقى دون طعم في أجواء يكدر صفوها اللعب بالمفرقعات والألعاب النارية، التي تصدر دويا شبيها بصوت المتفجرات التي تستخدم في المناجم، فهي تذهل الناس وتحول حياتهم إلى جحيم لا يطاق، خلال هذه الفترة.
ناجية أحرير، والتي صادفتها بيان اليوم بصدد اقتناء بعض الفواكه المجففة بمحل بسوق باب مراكش، تحدثت عن أجواء الاحتفال بهذه المناسبة وعن العادات التي مازالت الأسر تحافظ عليها في إحياء ليلة عاشوراء، من تحضير للكسكس بـ»الديالة» (لحم «القديد» من أضحية عيد الكبير)، التي تبقى من أهم مكونات هذه الوجبة، مبرزة، أن اللمة العائلية تضفي طابعا خاصا على ليلة الاحتفال والتي يتم فيها توزيع الفواكه الجافة على أفراد العائلة. المتحدثة في سياق كلامها، لم تفتها الإشارة إلى المظاهر السلبية التي تسود هذه الاحتفالات، ومنها اللعب بالمفرقعات والألعاب النارية الخطيرة، التي صارت كابوسا مزعجا يقض مضجع الأسر البيضاوية، مشيرة إلى المآسي التي تسببت فيها هذه الألعاب الخطيرة، من بتر لأصابع أطفال وفقئ لأعين تلاميذ، وحروق وإصابات مختلفة لضحايا من بينهم أناس ذنبهم الوحيد أنهم كانوا في الزمان والمكان «الخطأ» يتواجدون في شارع أو زقاق هنا أو هناك، حيث كان شباب طائش يرمون المفرقعات في الهواء غير مكترثين بأمن وسلامة الآخرين.
فبالرغم من رفض البيضاويين للألعاب النارية والمفرقعات، فإن أصواتها تبقى مدوية بالأحياء الشعبية حيث تقلق راحة المواطنين وتشعرهم بالخوف، الشيء الذي يشكل تناقضا صارخا.
بيان اليوم تحدثت في هذا السياق مع بوشعيب الراقي، شاب في مقتبل صادفته بـ» درب عمر» فكان جوابه أن الألعاب النارية والمفرقعات، تباع بـ»المكشوف» بهذا السوق وبغيره من الأماكن المعروفة بالمدينة، مشيرا، إلى أن هناك دوريات للشرطة تقوم بحملات من حين لآخر لمنع تجارة هذه الألعاب الخطيرة، إلا أن ذلك يبقى دون جدوى. وأكد هذا الشاب أن هناك إقبالا على شراء الألعاب النارية والمفرقعات ويبدأ ذلك مباشرة بعد عيد الأضحى، مشيرا، إلى وجود مهربين يجلبونها إلى هذا السوق، حيث يبيعونها لباعة يقومون ببيعها بالتقسيط للشباب وللأطفال الصغار.
ومن بين أسماء هذه المفرقعات الخطيرة، التي ذكرها هذا الشاب، «داعش» و»زيدان» و»ميسي» و»كراناد»، مشيرا إلى أن «الزيدانية»، فتعتبر من أخطر أنواع هذه الألعاب المتداولة بالسوق، فهي شبيهة بالمتفجرات التي تستعمل في المناجم وصوتها يصم الأدان، واللعب بها يشكل خطورة كبيرة على الأطفال والمارة الذي قد يصابوا بأجزائها المتطايرة وتتسبب لهم بعاهات مستديمة.
سعيد أيت اومزيد