دعا فضاء حزب التقدم والاشتراكية للأطر بالدار البيضاء، أول أمس الخميس، إلى ميثاق اجتماعي قائم على تعاقدات كفيلة بتوفير المناخ السليم، لكسب رهان تحديث الاقتصاد والرفع من تنافسيته وتحفيز الاستثمار المنتج، والانخراط الجماعي في مجهود التنمية وتسريع وتيرتها.
وشدد فضاء حزب التقدم والاشتراكية للأطر بالدار البيضاء الذي نظم مائدة مستديرة حول موضوع « الأوضاع الراهنة ومتطلبات ميثاق اجتماعي ناجح»، بمشاركة عبد الواحد سهيل، الخبير الاقتصادي وعضو المكتب السياسي للحزب، ومحمد عفيفي عن الاتحاد المغربي للشغل، ومحمد الزوانات رئيس اللجنة الاجتماعية بالاتحاد العام لمقاولات المغرب على أن الهدف الأسمى يظل هو تحقيق التوزيع العادل لثمار التنمية في إطار الإنصاف الاجتماعي والتضامن الوطني.
ودعا فضاء حزب التقدم والاشتراكية للأطر بالدار البيضاء، في هذا اللقاء الذي أداره أستاذ الاقتصاد أحمد أزيرار، وشهد حضور عبد السلام الصديقي وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية وعدد من أعضاء الديوان السياسي للحزب، إلى ضرورة إرساء ميثاق اجتماعي فعال أساسه السلم الاجتماعي، وقوامه إيجاد التوازن المطلوب بين ما هو اقتصادي وما هو سياسي واجتماعي.
ففي مداخلة اعتمدها خلالها الاستشهاد بالأدلة المادية، والبرهنة على الشيء انطلاقا من نقيضه، سبر عبد الواحد سهيل أغوار التاريخ ليؤكد للحضور أن فكرة الميثاق الاجتماعي ليس وليدة اليوم، بل تعود إلى مجتمعات ما قبل ظهور الإسلام والتي كانت تحدد قواعد العيش الجماعي وطريقة الحكامة وحقوق وواجبات كل فرد أو جماعة داخل المجتمع الواحد.
وبعد أن أوضح أن هذه المجتمعات انتفت فيها صفة»المجتمعات الديمقراطية» لكون التعاقد الاجتماعي بداخلها كان انعكاسا لعلاقة قوى، نفى عبد الواحد سهيل الصفة ذاتها عن المجتمع المغربي قبل حكم مولاي عبد الحفيظ، لتتطور الأمور ببطء على مدار سنوات الحماية والاستقلال قبل بلوغ دستور 2011 .
واعتبر سهيل أن أولى القيم التي يجب أن يستند إليها الميثاق الاجتماعي هي السلم بمعناه الواسع والواضح، و حماية كرامة الإنسان و مبادئ الديمقراطية الاجتماعية ، والتماسك الاجتماعي و الحد من الفوارق وجعل التنمية البشرية من أولويات السياسات التنموية اتكاء على قواعد واضحة «تشجع خلق الثروات و توزيعها بشكل عادل، لبناء مجتمع قوي و متضامن، يثمن العمل المنتج و يستدمج الأشخاص و الفئات التي هي في وضعية هشة .. مجتمع مبني على الاستحقاق والمجهود ضامن لتكافؤ الفرص» .
واعتبر المتحدث أن الميثاق الاجتماعي، بهذه المقومات، سيستحضر المعايير الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية التي يجب احترامها ، ثم الأهداف التي تعمل على تجسيد المبادئ و الحقوق الأساسية و تتبع تنفيذها، مبرزا أن التعاقدات الكبرى يمكن أن تأخذ شكل اتفاقيات جماعية أو شراكات بين المشغلين و النقابات أو بين الدولة و الفاعلين الاجتماعيين، أو بين الجماعات الترابية ومخاطبيها وبين مختلف الفاعلين.
من جانبه، اعتبر الاقتصادي أحمد أزيرار الذي أدار هذا اللقاء، أن اختيار موضوع « الأوضاع الراهنة ومتطلبات ميثاق اجتماعي ناجح»، لم يكن اعتباطيا، مشددا على العلاقة بين ضرورة تعاقد اجتماعي ناجع وفعال وبين النمو الاقتصادي والسياسي والاجتماعي الذي يعيشه المغرب، ومشيرا إلى أن الوضع الحالي يشهد تطورات هامة يجب تحليلها بدقة منها التطورات الأخيرة لملف الوحدة الترابية وضرورة إنجاح المسلسل الديمقراطي ووضع أسس جهوية متقدمة وفعالة.
وتدفع مسألة تعاقد اجتماعي فعال، بالنسبة للمتحدث، إلى التفكير أساسا من أجل إيجاد توازن جديد بين ما هو اقتصادي وما هو سياسي في إطار علاقات دبلوماسية خارجية، مقدما لمحة وجيزة عن واقع اقتصادي يميزه، منذ سنة 2008 ، ميل تنازلي رغم انتعاشة بعض القطاعات، وتدبير حكومي أفلح في إصلاح
ويعتبر ازيرار أنه من الضروري تحري الموضوعية في التحليل، بالرغم من تجربة حكومية وصفها إجمالا بالايجابية، مشددا على أن كل هذه عناصر التفكير المذكورة أعلاه، تفرض إرساء أسس ميثاق اجتماعي فعال يكون السلم الاجتماعي أساساه المتين، لأن «الغاية التي نرجوها جميعا هي تعزيز الديمقراطية الاجتماعية و تقوية التماسك الاجتماعي في ظل سياسة تنموية مستدامة، آخذين بعين الاعتبار مجموعة من الانتقالات يعيشها المجتمع المغربي.. السياسية و الاقتصادية و الديموغرافية».
وهي غايات لا يمكن تحقيقها، بحسب محمد خفيفي الذي تحدث في هذا اللقاء باسم الاتحاد المغربي للشغل، دون تحقيق الوقوف عند الحقوق الجماعية و الحوار المدني والشراكات المجددة .، مشيرا إلى أن الدولة التي اختارت مقاربة جديدة في مجال التشاور و الحوار الاجتماعي في العشرية الأخيرة، لم تتمكن اليوم استكمال الحوار الاجتماعي.
وقال خفيفي إن المغرب يشهد بالفعل انتقالا سياسيا تؤطره دينامية وطنية لإصلاحات ديمقراطية عميقة تمس ومست هياكل الدولة، وهو ما يتطلب الحسم الجدي في الحوار والعمل أساسا على الحد من الفوارق، وتحسين مستوى عيش المواطن المغربي، وحماية الحقوق المشروعة للشغيلة.
وارتباطا بهذه الحقوق وعلاقتها بالمقاولة، شدد محمد الزوانات ، رئيس اللجنة الاجتماعية بالاتحاد العام لمقاولات المغرب، على الأهمية التي يكتسيها، ليس فقط السلم الاجتماعي في إقرار ميثاق اجتماعي سليم وفعال، بل أيضا على ضرورة إقرار سياسة معلنة و حقيقية لحماية المقاولة كخالقة لفرص الشغل ومحترمة لمسؤوليتها كمؤسسة انتاجية مواطنة ومراعية لحماية البيئة، وذلك بالعمل على تخليق الحياة العامة والتأسيس لمبادئ المسؤولية والمساءلة و التطبيق الفعلي للقانون و صياغة خطة عمل وطنية تروم الرفع من أداء كل الروافد التي تصب في اتجاه خدمة المقاولة.
مصطفى السالكي