هز حادث غرق الوحدة الصناعية السرية للنسيج، الكائنة بمرآب تحت أرضي بفيلا سكنية بحي الإناس، بمنطقة المرس بطنجة، الرأي العام المحلي، حيث صدمت الفاجعة جميع المغاربة الذين تفاجأوا من الحصيلة الثقيلة لغرق المصنع الذي تغيب عنه أدنى شروط السلامة الصحية.
وشهد الحادث تفاعلا واسعا من قبل جميع مكونات المجتمع المغربي الذين طالبوا بمحاسبة المتورطين في هذه الواقعة الأليمة التي راح ضحيتها حوالي 28 عاملا وعاملة، 4 عاملات من أسرة واحدة، كن يشتغلن في ظروف يرثى لها، لاسيما وأن هذا الورش الصناعي سري، وتغيب عنه المراقبة من قبل السلطات المحلية ومصالح وزارة الشغل بطنجة.
وحمل الرأي العام المغربي سلطات طنجة ووزارة الشغل مسؤولية هذا الحادث المأساوي، على اعتبار أن هذه الوحدة تشتغل لأزيد من عدة سنوات في هذا الحي السكني، دون أن تكلف السلطات المحلية نفسها عناء التنقل إلى عين المكان، وأخذ قرار يقضي بغلق هذه الورشة غير القانونية.
ويطالب الرأي العام بأن يأخذ التحقيق الذي فتحته النيابة العامة المختصة، مجراه القانوني، وأن يتم الكشف عن المتورطين في الحادث، والعمل على محاسبتهم، بدل طي الملف وجعل مساره شبيها بالتحقيقات التي فتحت سابقا في الأحداث المماثلة له، حيث لم يكشف عن نتائجها إلى اليوم.
وتعتبر هذه الوحدة السرية مثالا لمئات الآلاف من المعامل التي تشتغل في الخفاء دون التوفر على الوثائق القانونية المتعلقة بقطاع الصناعة، حيث لا يتم التصريح بالأرباح، ولا بالعمال والعاملات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، فضلا عن غياب شروط السلامة الصحية الخاصة بالعمل.
وعزت ساكنة حي الإناس سبب غرق المرآب إلى اختناق بالوعات الحي، نتيجة تراكم الأزبال وقطع الأشجار، وهو ما ساهم في الزيادة في منسوب مياه الأمطار التي تساقطت بالمدينة التي أصبحت بؤرة للفياضانات تهدد حياة ساكنتها.وفور علم عائلات الضحايا بخبر غمر هذه الوحدة الصناعية بمياه الأمطار الغزيرة التي شهدتها طنجة، انتقل العديد من الأفراد إلى عين المكان لمعاينة آثار ما أحدثه الفيضان في أرواح أقربائهم، الذين تم انتشال جثتهم بعد عدة ساعات من إفراغ المرآب من المياه.
وعبر أفراد عائلات الضحايا عن حزنهم وأسفهم للفاجعة التي راح ضحيتها العديد من العمال والعاملات الذين كانوا يعيلون أسرا من هذا الورش السري، محملين المسؤولية لصاحب هذا المصنع غير القانوني، وللسلطات المحلية ووزارة الشغل باعتبارهما المسؤولان عن منح الرخص لمثل هذه الورشات، وكذا مراقبتها.
وطالبت أسر الضحايا بمعاقبة المتورطين في هذا الحادث، وتشديد العقوبة في حقهم، لرد الاعتبار ولو بشكل رمزي لعائلات العمال والعاملات الذين توفوا، بعد عجزهم عن النجاة من حادث الغرق، بسبب غياب منافذ للخروج من المرآب، الذي يخصص في الأصل لركن السيارات أو يستعمل كخزان لساكني “الفيلات”.
وذكرت مصادر صحافية محلية أن صاحب المعمل السري يعتبر من بين الضحايا، حيث يرقد بقسم الإنعاش بإحدى المصحات الخاصة بطنجة، كما أن بعض العاملات والعمال لا زالوا يرقدون بأقسام العناية المركزية لمستشفى “الدوق دو طوفار” بالمدينة ذاتها، في حين تم نقل جثامين الضحايا 28 إلى مسقط الرأس لتنظيم مراسيم الدفن والعزاء.
مسؤولية مشتركة
وفي هذا الصدد، حمل مرصد الشمال لحقوق الإنسان ONDHمسؤولية الحادث المفجع، إلى السلطات المحلية “ولاية طنجة والجماعة الحضرية”، متسائلا ” كيف يمكن لعشرات العمال والعاملات أن يلجوا لسنوات مرآب بناية سكنية وسط حي سكني دون انتباه ومراقبة السلطات المحلية والاقليمية؟”.
وأضاف المرصد في بلاغ صحافي، “كيف يمكن لوحدة صناعية بمرآب فيلا الحصول على التيار الكهربائي المرتفع دون الحصول على الرخصة من السلطات المختصة والتي تكون بناء على تقرير لجنة تضم مختلف القطاعات منها الوقاية المدنية، ومكتب حفظ الصح، والسلطات المحلية.. ؟”.
وذهب المصدر ذاته، إلى تحميل المسؤولية أيضا لشركة “أمانديس” في ما يخص تدبيرها لقطاع الماء والكهرباء والتطهير السائل، و”التي تفرض على المواطنين والمواطنات إتاوات مالية شهرية عالية مقابل عدم التزامها بالاستثمارات المنصوص عليها في دفتر التحملات الخاص بقطاع التطهير، وهو الأمر الذي كشف عنه تقرير سابق للمجلس الأعلى للحسابات”، على حد تعبير البلاغ.
وطالب مرصد الشمال لحقوق الانسان بـ “التوقيف الفوري للمسؤولين الإداريين المباشرين على الحادث، بدءا من والي جهة طنجة تطوان الحسيمة، لمسؤوليتهم المباشرة في تدبير المجال الترابي الذي وقع فيه الحادث المؤسف”، إلى جانب “فتح تحقيق مع جميع الجهات المتدخلة في الحادث”.
وتفاعلا منهم مع هذا الحادث الأليم، قرأ النواب البرلمانيون الذين اجتمعوا أول أمس الاثنين، في الجلسة الأسبوعية للبرلمان، الفاتحة ترحما على ضحايا لقمة العيش، وذلك بطلب من جميع رؤساء الفرق والمجموعة النيابية.
وحمل نواب الأمة المسؤولية إلى الحكومة والمسؤولين عن القطاع غير المهيكل بالمغرب، داعين إلى الضرب بيد من حديد على أرباب المصانع المخالفين لقانون الشغل، لاسيما في الشق المتعلق باحترام السلامة الصحية للعاملين.
2000 وفاة سنويا
وكان رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أحمد رضى شامي، قد دعا، يوم الخميس الماضي بالرباط، إلى إصلاح منظومة الصحة والسلامة في العمل.
وقال أحمد رضى شامي، في كلمة له، خلال لقاء تواصلي افتراضي خصص لتقديم رأي المجلس تحت عنوان “الصحة والسلامة في العمل: دعامة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية”، إن الجميع معرض للعديد من المخاطر في أماكن العمل، سواء أكانت حوادث شغل أو أمراضا مهنية.
وكشف شامي أن المغرب يسجل، حسب مكتب العمل الدولي، 2000 وفاة سنويا ترتبط بحوادث الشغل، وهو ما يعد من بين أعلى الأرقام المسجلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ويقترح المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في دراسته حول الصحة والسلامة في العمل، إحداث وكالة وطنية للصحة والسلامة في العمل، لدى رئيس الحكومة، تتكلف بإعداد وتنفيذ السياسة الوطنية للصحة والسلامة في العمل.
وأوصى المجلس بإلحاق المعهد الوطني لظروف الحياة المهنية بالوكالة الوطنية للصحة والسلامة في العمل، وإحداث مرصد وطني للمخاطر المهنية، وإحداث مراكز خاصة بطب الشغل من أجل تأمين تغطية شاملة وفاعلة لكافة العاملين في النسيج الاقتصادي الوطني.
وفي الجانب التشريعي، شدد على ضرورة مراجعة مشروع القانون-الإطار المتعلق بالصحة والسلامة في العمل الذي يتعذر إخراجه منذ 10 سنوات، وتحيين مدونة الشغل، والنظام الأساسي للوظيفة العمومية، وباقي النصوص التشريعية ذات العلاقة بالصحة والسلامة في العمل والحماية الاجتماعية.
ويفتح حادث طنجة الأليم، من جديد، ملف القطاع غير المهيكل بالمغرب، وتأخر الحكومة المغربية في مباشرة إصلاح هذا المجال الذي يشكل مصدر قوت العديد من الأسر المغربية، في ظل ظروف اجتماعية متردية، حيث تغيب الحماية الاجتماعية والصحية.
وفي هذا الصدد، كشفت دراسة حول “قياس وتطور الاقتصاد غير المهيكل بالمغرب”، نشرت نتائجها على البوابة الإلكترونية لبنك المغرب، شهر يناير الماضي، بأن الاقتصاد غير المهيكل بالمغرب شكل نسبة 30 بالمائة من الناتج الداخلي الخام خلال الفترة ما بين 2009 و2018.
واعتبرت دراسة بنك المغرب أن استمرار الأنشطة غير المهيكلة يستلزم إصلاحات هيكلية إضافية، لاسيما تلك المتعلقة بالتعليم، ومنظومة العدالة، والسياسة الضريبية، وسوق العمل، منبها، في هذا الصدد، إلى أنه لا يمكن لسياسة واحدة أو معزولة أن تفضي إلى تسجيل انخفاض ملموس في وزن القطاع غير المهيكل.
ومن أجل إصلاح القطاع غير المهيكل، دعت الورقة البحثية لبنك المغرب إلى تطوير القدرات والعمليات ذات الصلة بإدارة الضرائب بغية تعزيز الاستهداف في عمليات المراقبة الضريبية، وكذا تحصيل الضرائب والمساهمات الاجتماعية من قبل إدارة ضريبية واحدة، واعتماد إجراءات للتحفيز الضريبي، من خلال مشاورات واسعة بين مختلف الفاعلين.
***
عائشة لبلق لـ بيان اليوم: نحمل الحكومة المسؤولية وسنطالب بحضور الوزراء المعنيين للبرلمان
تفاعلا مع الحادث الأليم لطنجة، وضعت عائشة لبلق، رئيسة المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، نقطة نظام في جلسة للأسئلة الشفوية بالمجلس أول أمس الاثنين، حيث طالبت فيها بفتح تحقيق موسع في الموضوع وتحديد المسؤوليات.
وقالت عائشة لبلق، في تصريح لجريدة بيان اليوم، إن فاجعة طنجة «تذكرنا بمآسي سابقة مثل حادث روزامور بالدار البيضاء، خلال سنة 2008 الذي أودى بحياة 56 عاملا وعاملة»، مشيرة إلى أنه «لحد الآن، لا نتوفر على معطيات دقيقة، لأن التحقيق هو الذي سيقدم المعلومات الحقيقية».
وأوضحت لبلق أن «الأمر المؤكد حاليا هو أن ورشة العمل توجد في مرآب، ولا أظن أن صاحب المصنع يتوفر على رخصة قانونية لإنشاء معمل تحت أرضي، لأنه تغيب فيه شروط السلامة الصحية»، منبهة إلى «أن هناك معامل مرخصة لا تتوفر فيها شروط السلامة الصحية، فبالأحرى حين يتعلق الأمر بهذا الورش السري».
وأفادت رئيسة المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب أنه تم وضع نقطة نظام «لأنه لم تكن لدينا إمكانية أخرى، وللأسف كانت لدي دقيقة واحدة خاصة بالتسيير، وآثرت النقاش حول هذه الفاجعة، وربطتها بغياب وزراء الحكومة عن جلسات الأسئلة بالبرلمان الذين يتهربون من المساءلة. فبعدما كانت في وقت ما تشكل استثناء أصبحت اليوم قاعدة بين جميع الوزراء».
وأشارت النائبة البرلمانية إلى أن النواب لديهم «آليات مثل السؤال الآني، ولكن في ظل اختفاء الوزراء عن جلسات البرلمان، لا يمكن أن يطرح السؤال في مثل هذه الظرفية الحالية، فنحن مع التعاون والتوازن بين المؤسسات، ولكن الذي نلمسه هو وجود استخفاف بالمؤسسات التشريعية، ولكن في الأخير، نحن من نحاسب أمام المواطنين الذين يعتقدون أننا لا نطرح قضاياهم على الحكومة».
وذكرت عائشة لبلق أنه يجب «استخلاص الدروس من هذا الحادث الأليم، بحيث لا يمكن إلا أن نحس بالألم الذي نتقاسمه مع الأسر، لكن هناك أيضا الغضب بداخلنا، على اعتبار أن مثل هذه الأوراش العشوائية لم يعد من المقبول وجودها بعد دستور سنة 2011».
واعتبرت لبلق القطاع غير المهيكل إساءة للعمال والعاملات وللبلاد عامة، في ظل غياب شروط السلامة الصحية والحقوق القانونية، وكذا التهرب من أداء الضرائب لفائدة الدولة، «ومن هنا فإن مثل هذه المصانع تزيد في الهشاشة والفقر، فمن أجل لقمة العيش كان هؤلاء العمال راضين عن أقل شروط الاشتغال» تقول المتحدثة.
وعبرت رئيسة المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية بمجلس النواب عن تأثرها بما خلف الحادث المأساوي، معلنة تضامنها مع عائلات الضحايا، «لاسيما وأن العمال والعاملات لم يجدوا سبيلا للفرار من السيولة المائية الجارفة، بفعل غياب منافذ للهروب من ورش العمل».
وشددت المتحدثة على أن هذا الحادث «لا يجب أن يتكرر، كما لا يجب أن نقف مكتوفي الأيدي كبرلمانيين، حيث سنطالب بحضور الوزراء المسؤولين عن الحادث من أجل تقديم حيثيات الفاجعة، ومعرفة الذي وقع».
ودعت في الأخير إلى مباشرة إصلاح القطاع غير المهيكل، خصوصا وأن جائحة كورونا عرت على هذا الواقع الهش، وإلى التفعيل الرقابي من قبل المؤسسات، منتقدة «ابتعاد الحكومة عن هموم المواطنين، وتنصلها من تحمل مسؤوليتها السياسية أمام الرأي العام المغربي».
> يوسف الخيدر