في أفق اليوم العالمي للكتاب وحقوق التأليف

 لن يمر شهر أبريل دون احتفالات، حيث يقترن الثالث والعشرون من هذا الشهر باليوم العالمي للكتاب وحقوق التأليف، ولا شك أن الجهات المعنية بهذا القطاع ستنخرط في الاحتفال بهذا اليوم الذي يعد مناسبة للوقوف عند ما آل إليه وضع النشر والتأليف ببلادنا، في هذا الأفق كان لنا اتصال بمجموعة من الباحثين والمبدعين للإدلاء بآرائهم ووجهات نظرهم حول الاحتفال ودلالالته.  

الباحث الأكاديمي خالد التوزاني: الكتاب الورقي زادت قيمته باستعماله للوسائل التكنولوجية الحديثة

الكتاب ضرورة وليس ترفا

من الأكيد أن الكاتب لا يستغني أبدا عن الكِـتاب اقتناءً وقراءةً وإنتاجًا، وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بكاتب يجد متعة خاصة في العمل الثقافي ويشتغل برؤية علمية تؤطرها خلفية أكاديمية ومنهجية وثقافة متجددة ومنفتحة، هنا يصبح الكِتابُ ضرورة وليس ترفا، وتغدو العلاقة مع الكتاب حميمية، واليوم الذي لا أقرأ فيه لا أعتبره حياة ولا أعيشه، حياتي بين الكتب، وأصدقائي مكتبتي، ولذلك فإن علاقتي بالكتاب الورقي وثيقة جدا، ولن يجدني الآخر دون كِتابٍ في يدي أو حقيبتي ومحفظتي، هو إدمان جميل، ولكنه رائع، لأنه يمكّنك من خلق علاقات صداقة غير مألوفة مع مؤلفين وعلماء عاشوا في عصور سابقة ومن بلدان مختلفة، وأيضا لأن الكتاب آلة السفر عبر الفكر والإحساس والانتقال في عوالم لا يعرفها إلا مَنْ قرأ أزيد من أربعة آلاف كتاب، في حقول معرفية متباينة ولكنها أيضا متكاملة، فقد قرأتُ في علم النفس وفي التربية وفي النقد والتصوف والفلسفة والجماليات وعلم الاجتماع والابستمولوجيا.. وغيرها من العلوم الإنسانية، وذلك في دراساتي الجامعية ومن خلال قراءاتي الخاصة، ولعل هذا الانفتاح على الكتاب الورقي وفي مجالات علمية وثقافية متعددة، قد أفادني كثيرا في امتلاك أسلوب في التحليل وقدرة على الكتابة المسترسلة والمنظمة، فكان من ثمار هذا المسار القرائي الانتقال من وضع التلقي إلى وضع الإنتاج والإسهام في إبداع الفكر والمعرفة بتأليف الكتب وإنجاز الدراسات.

يزعجني الطابع الضوئي للكتاب الالكتروني
أما عن علاقتي بالكتاب الإلكتروني أو الرقمي، فحديثة نسبيا، ولا تتجاوز قراءة الكتب التي لم أتمكن من الوصول إليها ورقية، وذلك نظرا للطابع الضوئي “المزعج” الذي يميّز الكتاب الإلكتروني، والذي يقتضي استعمال الحاسوب أو اللوحة الإلكترونية أو الهاتف، وهي وسائل تكنولوجية تحتاج لطاقة، بحيث أحيانا قد تتوقف عن القراءة بسبب ضعف البطارية، أو تعب العين جراء الإضاءة أو ربما موجات كهربائية مؤذية للدماغ، ولعل هذه السلبيات التي ترتبط بنوع المستند التكنولوجي الحامل للكتاب، يمكن تجاوزها مستقبلا من خلال استمرار تطوير الأجهزة الإلكترونية لتصبح مرنة مثل الأوراق وتؤدي دور الكتاب الورقي بنوع من الارتياح النفسي، خاصة وأن الكتاب الالكتروني يوفر المساحة في المنزل أو الحقيبة، ولذلك فالمستقبل سيكون لهذا النمط من صناعة الكتاب وهندسة الثقافة، والإعلان عن نهاية عصر الطباعة، ليبدأ عصر جديد إلكتروني بمواصفات أكثر تقدما وأكثر سهولة في الاستعمال والتداول والنشر. ولذلك لا بد للقارئ المعاصر من أن يتابع الجديد في تكنولوجيا صناعة الكتاب وأن يزاوج بين قراءة الكتاب الورقي وأيضا الكتاب الالكتروني، من أجل بناء ألفة قرائية جديدة مع هذا النمط الجديد من الكتب التي لم يعرفها السابقون.

الحلم بكتاب رقمي ذي مواصفات ورقية
على الرغم من اتساع نطاق استعمال وسائط الاتصال الرقمية، إلا أن الكتاب الورقي ظل محافظا على مكانته التاريخية، بل زادت قيمته باستعماله لوسائل العصر في صناعة الكتاب بآلات طباعة متطورة وأنواع من الورق فاخرة وهندسة جمالية بديعة لأنواع الخطوط والألوان والصور، والعناية الفائقة بالغلاف، حتى أصبح الكتاب الورقي مجالا إبداعيا حقيقيا، أعاد للقراءة سحرها وبهجتها، وخلافا لما توقّعه الباحثون في بداية ظهور وسائط الاتصال الرقمية من انقراض للكتاب الورقي ونهايته، إلا أن الملاحظ هو استمرار حضوره بل تعززت مكانته مع السلبيات الكثيرة التي يطرحها تداول وسائط الاتصال الرقمية واستخدامها المكلّف ومحدودية آثارها على مستوى الذاكرة البصرية، خلافا للكتاب الورقي الذي يُدمج حاسة اللمس إلى جانب البصر في القراءة، فتصبح المعلومات أكثر رسوخا في الذاكرة ويسهل استعادتها، وربما يتم تجاوز هذه الثغرات في المستقبل إذا نجحت التكنولوجيا في صناعة ورق إلكتروني مرن شبيه بالورقي، هنا سيلج العالم عصرا جديدا، ومع ذلك يبقى التساؤل وجيها حول مصير الكتب الورقية، والتي يتم حاليا في كثير من المكتبات العالمية رقمنتها بتصويرها وتحويلها إلى ملفات إلكترونية، فشلال المعرفة لا يمكن التحكم فيه كما لا يمكن قراءة كل ما يصدر في تخصص معين، فتكون وسائل الاتصال الرقمية السبيل الأمثل لضبط المعلومة ومحاصرتها، وذلك لما تتيحه هذه الوسائل التقنية والبرمجة الحاسوبية أو الذكاء الاصطناعي من إمكانيات البحث السهل والسريع عن أي معلومة داخل الكتاب، فلم يعد ضروريا تصفح الكتاب من الغلاف إلى الغلاف، إلا بالنسبة للكتب الأساسية أو التعليمية التي تعطي المهارة والقدرة اللازمة، وفي انتظار تحقيق هذه الطفرة، من “الكتاب الورقي” إلى ” الكتاب الرقمي بمواصفات ورقية” فإن حضور الكتاب الورقي يظل قويا ويحتل مكانة مرموقة في المكتبات ودور النشر ومعارض الكتاب..

حصيلة دعم وزارة الثقافة للنشر إيجابية وفعالة
لا شك أن مبادرة دعم النشر التي نهجتها وزارة الثقافة قد أسهمت في إخراج العديد من الكتب والمؤلفات إلى حيز الوجود، كما أنتجت حركة ثقافية واسعة، ويظهر ذلك جليا في حجم الدعم الذي رصدته الوزارة لنشر الكتاب ودعم المؤسسات الثقافية في المغرب، ولذلك ينبغي أن ننظر إلى هذه المبادرة بعين الإنصاف وتقدير الجهود المبذولة في مجال دعم نشر الكتاب، خاصة وأن مسؤولي وزارة الثقافة على وعي تام بدور التشجيع والتحفيز في تنشيط الحياة الثقافية في المغرب، ولذلك أعتبر حصيلة دعم وزارة الثقافة للنشر إيجابية وفعالة، وتسمح للكُتّاب والمبدعين المغاربة من الترشح لنيل الدعم بمعايير موضوعية وعلمية تأخذ بعين الاعتبار جودة العمل وقيمة الكتاب والإضافة التي يمكن أن يقدمها لحقل المعرفة، وتحسم في ملفات الدعم لجان علمية متخصصة ومؤهلة للحكم على الأعمال المقدمة، ولذلك فإن سياسة دعم النشر التي تنهجها وزارة الثقافة قد أتت أكلها ونجحت في تحقيق غاياتها، ويبقى أن تضيف للدعم عناصر أخرى تتعلق بتحفيز المؤلفين ماديا ومكافأة الأعمال الجيدة، ومن شأن هذا التعديل أن يخلق حركية أقوى وفعالية أكبر، لأننا نلاحظ أن بعض الكتاب المغاربة ينشرون أعمالهم خارج المغرب نظرا لما يلقونه من دعم مادي ومعنوي في بعض البلدان العربية والأجنبية التي تخصص للمؤلف مكافأة مادية.

الكتب تخرج من رحم المعاناة
 جديد إصداراتي هو كتاب: “الرواية العجائبية في الأدب المغربي: دراسة نفسية اجتماعية” والذي صدر عن مؤسسة مقاربات وبدعم من وزارة الثقافة، وأيضا كتاب: “الرحلة وفتنة العجيب بين الكتابة والتلقي” والذي فاز بجائزة ابن بطوطة للأدب الجغرافي هذا العام، وحاليا عندي كتاب في المطبعة ينتظر النشر، وهناك أعمال أخرى أعمل على إنهائها، حتى تأخذ طريقها في النشر، مواضيعها مرتبطة باهتماماتي الفكرية وانشغالاتي النقدية وخاصة في أدب الرحلة والتصوف والنقد الثقافي وتحليل الخطاب، وهي مجالات تقتضي قراءات متعددة ومتكاملة من أجل الإحاطة بكل الإشكالات التي تفتحها أو تثيرها، وبالطبع فإن إصدار كتاب معين لا يكون بالسهولة التي يعتقدها الكثيرون، وإنما الكتب تخرج من رحم المعاناة، ولكنها آلام لذيذة ما دامت تصنع المسرات عند مَنْ يقرؤها.
 إعداد: عبد العالي بركات

Related posts

Top