هناك من يتعامل مع الكتب باعتبارها شيئا موسميا، أو فاكهة -إذا جاز التعبير- ينتظر مواعيدها الخاصة ليقطفها ويتذوقها.
ولهذا مع حلول فصل الصيف، تتكرر على مسامعنا تساؤلات حول ما يجب قراءته في هذا الفصل، وفي طيها إشارة إلى أن ما يمكن قراءته يجب أن يكون خفيفا، بالنظر إلى أن الجو الحار لا يطيق النصوص الطويلة والعصية على الفهم.
إنها علاقة غير طبيعية مع القراءة، وتنم عن أن أصحابها ليست لهم دراية بالأهمية التي تضطلع بها، ومن الواضح أنهم يتخذونها مجرد وسيلة لتزجية وقت سائب، لا أقل ولا أكثر.
ليست هناك نصوص ثقيلة وأخرى خفيفة.
صحيح أن للقراءة طقوسها الخاصة، حيث قد يحول المزاج العكر على سبيل المثال، دون القدرة على تصفح كتاب، فبالأحرى قراءة محتوياته واستيعابها.
كما أنه يصعب لدى البعض القراءة وسط محيط ضاج، أو في أثناء سير عربة النقل.. إلى غير ذلك من الظروف، مثلما أننا قد نجد من يتحدى هذه الظروف ويواصل القراءة، ويجد متعة كبيرة في ذلك، ولله في خلقه شؤون.
هناك من تقتصر قراءته خلال الخروج إلى النزهة والاصطياف، على تصفح المجلات وتمتيع النظر بصورها الملونة لا غير.
وهناك من يتحمل عناء حمل كتاب طيلة سفره دون أن يقوم بإتمام قراءة صفحة واحدة منه.
العلاقة إذن مع القراءة، تختلف من شخص إلى آخر، بصرف النظر عن أن هناك من لا علاقة له مطلقا بهذه العادة الراقية الجالبة للمعرفة والمتعة، رغم أنه ليس أميا بالضرورة. وحين تسأله عن السبب، يعتبر الأمر عاديا وأن رأسه -وهذا المثير- يوجعه كلما أمسك بكتاب.
من دون شك، أن من تنتابه هذه الأعراض، لم يترب على القراءة منذ صغر سنه، ومن المستبعد أن تجد في بيت أسرته مكتبة تضم مختلف مجالات المعرفة والفكر والأدب، في المقابل تسود أفكار سلبية كرسها بعض الآباء الجهلاء، من قبيل أن الإدمان على قراءة الكتب، يصيب بالعقد النفسية.
ولهذا من الضروري أن تستهدف البرامج الخاصة بالتربية على القراءة، فئة الطفولة، وأن لا تظل هذه البرامج مجرد تصور هلامي، بل من المفروض النزول إلى الميدان، وإبداع عدة طرق مختلفة لتطبيقها.
بهذا الصدد، أستحضر مبادرة، كانت وراءها إحدى المدارس الخصوصية، تتمثل في تعليق صفحات كتب على أغصان الأشجار، من أجل إغراء الأطفال بقراءتها، كما تحضرني تجربة كتاب على الجدران، حيث يتم لصق صفحاته على امتداد مجموعة من الشوارع من أجل دعوة المارة إلى القراءة وإلى حب القراءة، وهناك كتاب في جريدة الذي توقف مع شديد الأسف..
هناك إذن عدة طرق لإشعار المواطنين على اختلاف مستوياتهم وفئاتهم بأهمية القراءة ودعوتهم لعقد مصالحة مع الكتاب.
غير أنه مع ظهور وانتشار وسائط الاتصال الالكترونية، بات من الصعب إقناع الأجيال الجديدة من القراء بالخصوص، على تغيير عاداتهم في التلقي.
ليست هناك قراءة خاصة بالصيف وأخرى بالشتاء وأخرى برمضان وووو… بل هناك القراءة التي تجلب المعرفة والمتعة، وهذا هو الأهم.
عبد العالي بركات