ليست أعداد المصابين بجائحة “كوفيد “19 هي التي تتزايد لوحدها، بل هناك أعداد وافرة من المتسولين، من أعمار مختلفة، ما فتئت تتضاعف يوما بعد.
إن انعكاس هذه الجائحة اللعينة على الحياة الاجتماعية بشكل مأساوي، أدى بالعديد من فئات مجتمعنا، نساء ورجالا وأطفالا.. إلى التعاطي للتسول مكرهين.
قطاعات واسعة من النشاط الاقتصادي المغربي تضرر بفعل التدابير الاحترازية الصحية التي انطلقت منذ مارس الماضي ولا ندري متى سيتم رفع حالة الطوارئ هاته.
العديد من المعامل والمصانع والمشاريع الخدماتية الصغرى أعلنت إفلاسها واتخذ أصحابها القرار الصعب والحرج: تسريح الأجراء، أو في أفضل الأحوال التقليص من نسبة الأجور إلى مستوى النصف.
وبالتالي أصبحت القدرة الشرائية مفتقدة، حتى لدى الطبقة المتوسطة التي يعول عليها للحفاظ على دوران عجلة الاقتصاد.
أين المفر؟
المعيل الوحيد للأسرة، إذا لم يمت بسبب الوباء، يفقد شغله، وفي كلتا الحالتين، تنصب لعنة الفقر على الأسرة، سيما إذا كان معيلها غير منخرط في صندوق الضمان الاجتماعي، وما أكثر النماذج من هذه الشاكلة.
صرنا نصادف في مختلف مدننا، العديد من الوجوه النسائية الجديدة التي باتت تتعاطى للتسول، ونكتشف أنهن أرامل، كان أزواجهن ضحايا “كوفيد 19″، أو أنهن كن يتحملن إعالة أسرهن، وبالنظر إلى فقدانهن الشغل، لم يعد أمامهن خيار آخر غير التسول.
العديد من القطاعات الصناعية والخدماتية تضررت بسبب حالة الطوارئ الصحية، مع العلم أن المدن الكبرى، من قبيل الدار البيضاء ومراكش وطنجة ووو.. سجلت بها أعلى الإصابات بالفيروس الوبائي، وبالتالي تضاعفت جيوش العاطلين، ولا شك أن الآثار السلبية للوباء على نسبة النمو الاقتصادي ببلادنا، ستكون كارثية، وقد لا يستعيد عافيته إلا بعد مرور زمن ليس باليسير، فاللقاح المضاد لهذا الفيروس لن يكون بإمكاننا الاستفادة منه إلا في منتصف السنة القادمة، حسب الخبراء في هذا الميدان.
وبالتالي سوف نكون أمام معضلة اجتماعية خطيرة، أبرز تجلياتها: البطالة وانعدام القدرة الشرائية.
لقد كان الخطاب الملكي الأخير حاسما، وهو أنه لا يمكن الاستمرار في دعم المتضررين من كورونا إلى ما لا نهاية.
إن جولة في شوارع مدننا، تعطي مؤشرا قويا على أن الوضع غير مطمئن تماما: أعداد المتسولين ما فتئت تتكاثر. ونحن عندما نتحدث عن المتسولين، نقصد تحديدا أولئك الذين سدت في وجوههم كافة أبواب اكتساب الرزق، وليس أولئك الذين يتخذون التسول وسيلة لإشباع نزواتهم الشاذة، علما أنهم في غنى عن الصدقة.
إننا نعيش أزمة اجتماعية حقيقية، ربما غير مسبوقة في تاريخنا المعاصر.
وإذا طال أمد الوباء، دون القيام باتخاذ قرارات حكيمة لمعالجة المعضلة الاجتماعية، فلن يقف الحال عند التعاطي للتسول، بل سيمتد إلى ما لا تحمد عقباه.
> بقلم: عبد العالي بركات > تصوير: طه ياسين الشامي