“التجربة الشعرية لبوعلام دخيسي” محور الجلسة الأدبية التي عقدها فرع اتحاد كتاب المغرب مؤخرا، بقاعة الاجتماعات بمؤسسة الأعمال الاجتماعية للتعليم بالناظور.
استهلت الجلسة بكلمة لمنسقها الأستاذ جمال أزراغيد، رحب فيها بالحضور الكرام وبالمشاركين، شاكرا إياهم على تلبية الدعوة مبينا أن هذا النشاط الثقافي يأتي في إطار الانفتاح على التجارب الإبداعية عموما والشعرية خاصة داخل المغرب، والهدف منه استقراء واستجلاء المتون الشعرية للشاعر بوعلام دخيسي التي توزعت بين ثلاثة دواوين: هديل السحر(2012) ، الحرف الثامن (2014)، وكي أشبه ظلي (2016).
ثم عرف بالشاعر الذي ينحدر من مدينة وجدة، عضو رابطة الأدب الإسلامي، وشارك في تأسيس مجموعة من المنتديات الأدبية وفي كثير من الملتقيات الشعرية الجهوية والوطنية. عانق الشعر بحب وشغف منذ أن تفتقت هويته الشعرية، وهو يحاول أن يكون الشاعر الحق الذي “يعبر عن القريب والبعيد والأبعد في كلمة واحدة” غير أنه يحس عكس ذلك عندما يقول: “ألف قصيدة قلت وما قلت الشعر”.
بعدئذ، قدم الأستاذ الباحث عبد الغني حسني مداخلة موسومة بـ “آفاق الكتابة في تجربة بوعلام دخيسي” التي ابتدأها بإجزال الشكر للجهة المنظمة، مقسما موضوع مداخلته إلى العناصر التالية:
• الموضوع الشعري:
يعد موضوع الكتابة أحد أهم عناصر الإبداع الشعري، كما يعد أحد أوجه الأزمة التي تعاني منها القصيدة الحديثة لدى بعض التجارب الناشئة التي تحولت في كثير من الأحيان إلى انطواء على الذات وانسحاب من الواقع.
وفي دواوين بوعلام دخيسي الثلاثة حضور جلي للذات. نلمس ذلك من خلال ثنائية الصمت والبوح التي تحتل مساحة واسعة من ديوانيه: “هديل السحر” و”الحرف الثامن”، كما نلمسه من خلال ديوانه الأخير الذي يعلن عن نفسه بوصفه ارتدادا إلى الذات (كي أشبه ظلي)، وتؤكد ذلك عناوين قصائده التي تعبر عن هذا الارتباط بالذات (أنا والمساء – أشتاق إلى شيء – لستُ بخير – أخشى الربيع – حدثني جدي – سئمتُني – أكرهك…). وفي هذا الديوان الأخير بالذات يختار الشاعر إعطاء مساحة أكبر لهمومه الذاتية.
غير أن حضور الذات في تجربة بوعلام دخيسي تؤسس له رؤية نقدية متمردة إلى الواقع. فهو انسحاب إلى عالم الداخل، لكنه انسحاب “واع” بتناقضات الواقع وشكل من أشكال رفضه والتمرد عليه. ونلمس في ديوانه الأخير تطورا في أسلوب التعبير عن هذه الرؤية حيث يكتسي بُعدا أكثر عمقا بانفتاحه على القيم الإنسانية، مع تخليص اللغة الشعرية من طابعها المباشر
• التناص:
للتناص في شعر دخيسي أربعة مصادر هي: النص الديني والنص الشعري والأغنية العربية والخطاب الإعلامي:
– النص الديني: يتمثل في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف. وهو أكثره حضورا في شعره.
– النص الشعري: أقل حضورا من سابقه. يتمحور في عمومه حول استحضار نصوص شعرية لنزار قباني كقصيدتي “إلا أنت” و”لا تسألوني” من ديوان الحرف الثامن، وقصيدة “صاحبة التبغ” من ديوان “كي أشبه ظلي
– الخطاب الإعلامي: يتمثل أيضا في نموذج وحيد هو عبارة “هرمنا” التي كانت رمزا لانتصار الثورة التونسية، حيث اتخذها الشاعر عنوانا لإحدى قصائده.
– الأغنية العربية: يعد حضورها قليلا إذا قورن بحضور النصين الديني والشعري، إذ تحضر أغان لفيروز وملحم بركات، إضافة إلى حضور بعض قصائد نزار قباني المغناة.
أما فيما يخص طريقة توظيف التناص فقد وفق الشاعر في صهر بعض النصوص المستحضرة ضمن تجربته الشخصية ليجعلها معبرة عن رؤيته الشعرية، لكنه ما يزال بحاجة إلى الاستفادة من التجارب الشعرية المعاصرة في أساليب توظيفها للتناص.
• الإيقاع:
تمدنا المعطيات الإحصائية المتعلقة بالشكل الشعري والأوزان المستعملة بعدة نتائج أهمها:
-1 بدأ بالعمودي ثم توجه نحو التفعيلي؛
-2 تخلى تدريجيا عن الأوزان الممزوجة بشكل يلائم توجهه نحو شعر التفعيلة؛
-3 الأوزان الممزوجة ترتبط بالقصائد العمودية؛
-4 الأوزان الصافية ترتبط بقصيدة التفعيلة؛
-5 توجه تدريجيا نحو الاهتمام بوزنين صافيين هما: الخبب والكامل؛
-6 ظهر المتدارك لأول مرة في ديوانه الأخير، وحظي بالمرتبة الثالثة من حيث نسبة الاستعمال؛
هذه العناصر التي وقفنا عندها في دراستنا تؤكد انفتاح التجربة الشعرية لبوعلام دخيسي من خلال ديوانه الأخير خاصة على آفاق التجديد على مستوى المضامين وعلى مستوى أساليب الكتابة التي وقفنا منها على عنصرين هما التناص والإيقاع.
ثم أعقبته الأستاذة الباحثة دة. إلهام الصنابي بمداخلة عنوانها “الشعر في زمن العولمة بين الإبداع والتلقي: التجربة الشعرية لبوعلام دخيسي أنموذجا” استهلتها بالحديث عن العولمة في عصرنا الحديث التي أصبحت تشكل جزءا من المسلمات التي ترسخت في الثقافة الفردية في المجتمع الإنساني ككل ما ألزم الأدباءعلى الانخراط في هذا العالم باعتباره قفزة نوعية في مجال التواصل، ولذا خصص الشعراء لأنفسهم صفحات تواصلية ينشرون من خلالهانصوصهم منتظرين تفاعل القراء معها. طرحت الباحثة مجموعة من الأسئلة تتعلق بالقارئ والقراءة وماعرفا من تحول مؤكدة أن الشاعر بوعلام لم يشذ عن هذه القاعدة إذ ينشر على صفحته الزرقاء سيلا من المقاطع الشعرية التي تجد طريقها إلى دواوينه الثلاثة وخاصة ديوانه الأخير”كي أشبه ظلي”. وهذا هو مبرر تخصيصها موضوع المداخلة للعلاقة القائمة بين الشعر والعولمة. قسمت مداخلتها إلى عنصرين:
• الميتا شعر في تجربة الشاعر بوعلام:
المقصود به الكتابة عن الشعر بالشعر. يقدم الشاعر من خلاله مفهومه للشعر ونظريتهحول مقاصده وغايته وحول المتلقيوموقفهمن النصوص الشعرية. ورأت أن الحديث عن هذه الظاهرة في شعر الشاعر بوعلام لا يتأتى إلا انطلاقا من مستويين اثنين، هما:
أ- مستوى العتبات: إن الإطلالة على عناوين الدواوين الثلاثة والعناوين الداخلية للنصوصتكشف لنا عنمفهوم الشعر عند الشاعرالذي ما هو إلا “مزيج شعور وإحساس إنسان مسكون بالوجع والألم، وهو تطريز من حبر الدموع وطقطقات الضلوع ولحن موشوم بأشجان آخر الليل على صفحات الزمن”.
ب- مستوى المتون: نجد بعض نصوص الدواوين تعد بحق بيانا تنظيريا يقدم الشاعر من خلاله موقفه النقدي حول الشعر مستعرضا الكثير من مقومات الكتابة الشعرية مثل: مصادر الشعر وموضوعاته، التناص،وصف المعاناة النفسية والروحية، الحكمة … وغيرها.
• الشعر بين التلقي التقليدي والرقمي في تجربة بوعلام:
اعتبرت الباحثة قطب المتلقي في العملية الإبداعية من أهم المرتكزات التي يقيس من خلالها المبدع مدى تقبل الوسط الفني لإبداعه.كما أشارت بأن المتلقي حاضر في تجربة بوعلام بشكل لافت مادام الشاعر ينظر لشعره بشعره وفي شعره، حيث يقسم المتلقي إلى: متلق تقليدي ومتلق رقمي، فالأول يراد به ذلك القارئ الذي استقبل نصوصه ورقيا وإنشادا في ملتقيات شعرية وجلسات إبداعيةبما فيه الشاعر الذي يتقاسم معه المعاناة الشعرية كالشاعر محمد علي الرباوي. وقد تقصت حضور هذا المتلقيفي النصوص من خلال توظيف الشاعر لرزمة من المفردات الدالة عليه: الغاوون، السامعون، الأقلام، الورق، الشدو، الإلقاء في النوادي، القارئ.. أما الثاني الناتج عن النشر الورقي فحضوره خافت في الديوانين الأوليينوبارز في الديوان الأخير، نظرا لانخراط الشاعر في العوالم التواصلية التفاعلية، تكوينه العلمي وتعامله اليومي مع التقنيات الحديثة. وإصدار هذه الأحكام ناتج عن تتبع الباحثة للمفردات الرقمية في متونه الشعرية الثلاثة، مثل: الحاسوب، الأزرار، الشاشة، علامة إعجاب “جيم”، الجدار.. وغيرها.
وفي الأخير استخلصت مجموعة من النتائج، أبرزت فيها بعضا من سمات تجربة الشاعر بوعلام:
• قوة حضور القصيدة العمودية في الديوان الأول لاطلاعه على المتون الشعرية القديمة؛
• الاهتمام بقضايا اجتماعية وسياسية في مرحلته الشعرية الأولى؛
• مواكبة شعره بالتنظير؛
• حضور المتلقي التقليدي والرقمي في تجربته الشعرية…وغيرها.
ثم فتح باب النقاش أمام الحضور المهتمالذي ساهم بأسئلته وإيضاحاته وإضافاته النوعيةالتي أغنت المداخلتين وأنارت تجربة الشاعر أكثر. وبعده أعطيت الكلمة للشاعر المحتفى به بوعلام دخيسي الذي عبر عن سعادته لتواجده بين أصدقائه وقرائه، وعن شكره لفرع اتحاد كتاب المغرب بالناظور على هذا الالتفاتة الإبداعية الراقية التي سيفخر بها على طول مساره الشعري والإنساني. ولتواضعه رأى أن كتابته الشعرية لم ترتق بعد إلى مرتبة التجربة لقصر عمرها، ولكن مادام الباحثون والنقاد يسمونها التجربة فلهم كامل الصلاحية ثم عرج على مفهومه لكتابة الشعر التي ماهي إلا فضفضة عن شيء بداخله، وعلى بعض المحطات البارزة في مسيرته الإبداعية. وختم كلمته بقراءة أربعة نصوص شعرية تحتضن غالبيتها دواوينه الثلاثة التي صفق لها الجمهور الحاضر.
متابعة: جمال أزراغيد