حل هذه السنة اليوم الوطني لمحاربة الرشوة، الذي يصادف سادس يناير كل سنة، ضمن سياق الأزمة الوبائية وتداعياتها الصحية والمجتمعية والاقتصادية، وعاد ورش مكافحة الفساد بمختلف تجلياته إلى الاهتمام، وتجددت المطالب بضرورة تقوية منظومة النزاهة والشفافية ببلادنا.
لا يتعلق الأمر هنا فقط بتعزيز قيم النزاهة ورفض الفساد والرشوة على صعيد قناعات وسلوكات الأفراد والتزاماتهم الأخلاقية الذاتية في معاملاتهم وحياتهم اليومية، وإن كان هذا الأمر أيضا يمتلك أهمية محورية كبيرة، ولكن الأمر أيضا يتصل بالمنظومة القانونية والمؤسساتية وميكانيزمات تدبير الشأن العام، والممارسة القضائية، وعلى صعيد الصفقات والسياسات العمومية، وأثناء العمليات الانتخابية، وبالتالي الأمر يتعلق بالإرادة السياسية، وبضرورة تجسيد ذلك في الممارسة التدبيرية وسلوك الإدارة والفعل اليومي، وعلى مستوى القوانين والقرار العمومي.
بالفعل، التقارير الدولية تشير إلى أن عديد بلدان في العالم تعاني من الفساد والرشوة وانعكاس ذلك على التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص، وبلدان إفريقيا تتصدر الإحصائيات بهذا الخصوص، وينعكس ذلك من خلال معاناة شعوبها من الفقر والتراجعات العديدة، وضعف كل مؤشرات التنمية.
ومن المؤكد أن المغرب بذل جهودا في السنوات الأخيرة على مستوى الشفافية العامة ونزاهة الأعمال ومحاربة الفساد، لكن تنقيط ومؤشرات التقارير الدولية ذات الصِّلة لا زالت تضعه في مراتب أقل من المعدل العالمي، ويضع ذلك أمامه تحديات أساسية يفترض الانكباب عليها.
ويمكن تلخيص هذه التحديات في ضرورة تطوير دينامية وطنية معبئة تقوم على الجدية والاستمرارية، وخصوصا على مقاربة التقائية وتكاملية بين مختلف المؤسسات، وتسعى لتحقيق تغيير حقيقي في الواقع الملموس وإحداث الأثر الذي يحس به الناس في حياتهم اليومية، ويقنعهم لينخرطوا، هم بدورهم، في مسلسل تعزيز النزاهة في الممارسة الوطنية العامة، ولكي تتقوى ثقة المغاربة في بلادهم، وفِي مستقبلها ومؤسساتها.
وإذا أضفنا إلى التحديات العامة المعروفة منذ سنوات، والتي قبل وكتب بشأنها الكثير، وأيضا تحدي التأطير المؤسساتي والقانوني والتدخلي للمنظومة الوطنية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، فإن السياق المجتمعي الصعب الذي تحياه بلادنا اليوم، على غرار كل دول العالم، جراء تداعيات انتشار الوباء، يساهم أيضا في تفشي مخاطر انتشار الفساد وممارسات مخالفة القانون.
وكانت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وشكايات الناس في عديد مجالس حديث، تنقل، طيلة الشهور الأخيرة، كثير تجاوزات وقعت في أقاليم وجهات مختلفة، ويتخوف الكثيرون اليوم أن تتفشى مثل هذه التجاوزات خلال الحملة الوطنية للتلقيح، وكل هذا يجعل تدبير الأزمة الصحية والاجتماعية تحديا حقيقيا أمام السلطات العمومية، ويستوجب الكثير من اليقظة والحزم والصرامة، علاوة على أن بلادنا، وفِي إطار استيعاب دروس زمن “كورونا”، مطالبة بالإنكباب العاجل على أوراش العدالة الاجتماعية والمساواة وتحسين أوضاع الفئات الفقيرة والمتوسطة، ومن ثم إنجاز الإصلاحات الهيكلية الكبرى، وخصوصا المرتبطة بالمسألة الاجتماعية وتحسين مستوى عيش المغاربة وقدراتهم الشرائية وإصلاح الإدارة العمومية ونزاهة الأعمال وتطوير المناخ الاقتصادي الوطني، وذلك لتوفير شروط البيئة المجتمعية المطلوبة لإنجاح النموذج التنموي الجديد.
واضح إذن أن تمتين النزاهة ومحاربة الفساد ليس له محتوى أخلاقيا مجردا، وإنما له تداعيات وانعكاسات فعلية على الواقع الاقتصادي ومستوى التنمية وواقع الحياة اليومية للناس، ومن ثم يجب على بلادنا أن تنكب على مواجهة هذا التحدي الاستراتيجي وعدم تضييع الوقت.
<محتات الرقاص