مصادرة الذاكرة المغربية:
حاول الاستعمار محو وتهريب الذاكرة التاريخية للشعب المغربي، من خلال أرشيفها ووثائقها المختلفة التي تؤرخ لمراحل مهمة، فقد جعل من “مصادرة الذاكرة” جزءا من طمس الهوية، ورغم جهود الحركة الوطنية أثناء الاستعمار وما بعد الاستقلال، واعتبار الحفاظ على التراث جزء من مشروع التحرر، فلازالت حلقات مفقودة من تاريخنا المسرحي.
ومن تقليد التاريخ المغربي منذ الأدارسة اعتبار الأرشيف قاعدة لبناء الدولة، حيث كانت الخزانات الرسمية وخزانات العلماء والفقهاء والمسؤولين مجالا لحفظ التراث، كما لعبت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية دورا في الحفاظ وإحياء المخطوطات والمطبوعات والوثائق المختلفة، إضافة إلى دور الزوايا والخزانات الخاصة في الاهتمام بذلك، وقد أحدثت مؤسسة حكومية تعنى بأرشيف المغرب، ووضعت اليونسكو بيروتان Perotin الخبير في الأرشفة رهن إشارتها لوضع خطة عمل مع المسؤولين.
وتبقى المبادرات الفردية من الفاعلين في الثقافة والفن إنعاشا للذاكرة، حيث حاول كل فنان أن يسجل تجربته الخاصة مع فرقة أو جمعية أو مؤسسة، ومن هنا صعوبة الحصول على الوثيقة سواء المكتوبة أو المسموعة أو المصورة، فالجهود الفردية قد يكون لها أثر على مستوى التوثيق أما الأرشفة فمسألة مؤسسات.
إن مسيرة المسرح المغربي تبدأ تقريبا منذ 1923، لحظة تزامنت مع زيارات فرق مسرحية مشرقية للمغرب، لم يعط لها الاهتمام التوثيقي، أو قد يكون المستعمر هربها أو عبث بها، لكن ما يؤسف له أن مسرح محمد الخامس لا يمتلك أرشيفا مسرحيا منظما وفق علم الأرشيف، مع إمكانية تحقيق ذلك، والقانون الأساسي لهذه المؤسسة المسرحية يؤكد على التوثيق وعلى الريبرتوار المسرحي.
إن المداخل التاريخية للأرشفة تبدأ من الإعلام ومن الفرق المسرحية والمدن والأجيال والمؤسسات والحساسيات والاتجاهات، كل هذا بتوحيد الجهود بين المؤسسات الرسمية والباحثين والفنانين والنقاد، من توفير المادة الخام والإمكانيات المادية واللوجستيكية.
عبد الله شقرون ذاكرة توثيق المسرح المغربي:
حافظ الأستاذ عبد الله شقرون على الذاكرة المسرحية من مطبوعات ونصوص وصور ووثائق سمعية بصرية وذكريات ومذكرات همت بداية الاستقلال إلى اليوم، وقد مكنته تجربته المسرحية من ذلك، فهو كاتب ومخرج ومؤسس فرق مسرحية، اشتغل في الإذاعة والتلفزيون، وتميز بتجربة “المسرح الإذاعي” و”مسرح التلفزيون”، وجمع بذلك بين الإبداع والإدارة، أي أسس لـ “مسرحة الإدارة” وهو تخصص يجب أن يدرس في مدارس ومعاهد التكوين، وقد كانت له تجارب متعددة حرص على توثيقها بنفسه وعبر عنها في كتبه الذاتية والتأريخية التوثيقية والإبداعية، نذكر منها: مسرح في التلفزيون والإذاعة 1985، حديث الإذاعة حول المسرح العربي 1988، فجر المسرح العربي بالمغرب، حياة في المسرح (مذكرات، وثائق.. ذكريات) 1997، سنوات في كتابة المسرحيات، ونصوصه المسرحية: المجموعة الخضراء والمجموعة الحمراء 2002. إضافة إلى كتب بالفرنسية.
يتحدث في كتابه “حكاية خزانة شخصية” عن ولعه في جمع الكتب والوثائق منذ مرحلة مبكرة في المدرسة الابتدائية بسلا، وفي كتابه “حياة في المسرح يتحدث عن ذكريات شخصية، مدعمة بالوثائق، وعن المسرح الإذاعي وعن الجولات والمهرجانات والفرق والمنجزات والشهادات، وعن التفاصيل التي يمكن أن تكون مرجعا لذاكرتنا المسرحية وربطا بين الجيل الماضي والحديث في إطار استراتيجية وطنية مؤسسية تحفظ الذاكرة المغربية.
أما بعد:
يشير د حسن اليوسفي في كتابه “المسرح المغربي مداخل للتأريخ والتوثيق والأرشفة”، أن ذاكرة المسرح المغربي هشة في ظل غياب إرادة واضحة للتوثيق وأرشفة المسرح المغربي التي تتعرض للإهمال والضياع. فأين أرشيفات المسرح المغربي المرتبطة بالمؤسسات، ومراكز الأبحاث، وأرشيف تجربة المعمورة والتلفزة المغربية؟ أين أرشيف المغرب في الخارج، المتفرق هنا وهناك، كيف يمكن مأسسة أرشيف المغرب للحفاظ على الذاكرة الثقافية؟
يعتبر كتاب اليوسفي خريطة طريق للذاكرة المسرحية المغربية، باعتبارها مجمع الصور الذهنية وتنظيم للنسيان واستعادة للماضي، وترميم للذاكرة والتئام للإرادات الحية. فبالعودة إلى التاريخ يلاحظ فقدان العديد من الحلقات وغياب التوثيق سيفقدها أكثر.. فالمسرح المغربي يحتاج إلى إعادة الكتابة من مداخل أساسية كالمدن والفرق.. وهذا عمل مؤسسي يتطلب تدخل الدولة.
بقلم: إدريس مستعد