شهادات مؤثرة لرفاقه وأصدقائه وحضور وازن للفعاليات الثقافية والفنية والحزبية في حفل التكريم
وفاء لروح جمال الدين الدخيسي الذي توفي قبل شهرين بالرباط، نظم قطاع الثقافة والاتصال لحزب التقدم والاشتراكية الخميس الماضي بالرباط، حفلا تأبينيا للراحل، أداره بسلاسة واقتدار الكاتب المسرحي الفنان محمد امين بنيوب عضو قطاع الثقافة والاتصال للحزب.
وتميز هذا الحفل الذي حضرته العديد من الوجوه الفنية وثلة من المسرحيين المغاربة بالإضافة إلى مناضلي ومناضلات حزب التقدم والاشتراكية وعائلة الفقيد، بإلقاء العديد من الشهادات التي نبشت في خصال الفقيد وعددت ميزاته.
وكان من أبرز الصفات التي ميزت الراحل والتي حددها المتدخلون في شهاداتهم، صفة النضال والثبات على المبادئ والوفاء للقيم.. وكذا صفة الموهبة والكفاءة والحكمة والتبصر والإبداع وصفات أخرى متعددة.
حزب التقدم والاشتراكية، وفي شخص أمينه العام محمد نبيل بنعبد الله كان أول من ألقى الشهادة، تلاها بالنيابة عنه سعيد سيحيدة عضو اللجنة المركزية للحزب. واستعرض الأمين العام في شهادته السيرة الغنية والمسار المتميز للراحل، باعتباره مسرحيا وفنانا قبل كل شيء، وباعتباره أيضا مناضلا شهما إلى جانب الحزب، منذ فترة السبعينيات من القرن الماضي.
هذا واعتبر الأمين العام الراحل جمال الدين الدخيسي مرجعا أكاديميا ومهنيا في المجال المسرحي، “خصوصا وأن طلبته لا زالوا يستحضرون تجسيده لمدرسة مسرحية بكل المقاييس النظرية والميدانية”، يقول بنعبد الله.
إلى ذلك ذكرت كلمة الحزب بأول نشاط مارسه الراحل بعد عودته إلى أرض الوطن، وهو العمل في المركز الثقافي لمناجم الفحم في جرادة، رفقة المخرج التلفزيوني عبد الرحمان ملين خريج أحد معاهد التكوين بالاتحاد السوفييتي، لتجسيد أفكاره بصيغة فنية، أو لنقل استثمار الفن لتطبيق معتقداته الفكرية. وأوضح بنعبد الله أن جمال ظل مرتبطا بمسقط رأسه، من خلال عودته المستمرة إلى جذوره، عبر المداخل الفنية دائما، سواء عبر ورشات المسرح للشباب، أو مهرجانات فنية أو مناسبات ثقافية..
كما أشاد المسؤول الحزبي بدور جمال الدين الدخيسي كمثقف ملتزم، سخر مواهبه الذهنية ومعارفه الفكرية لخدمة المثل العليا التي اختارها وهو في ريعان شبابه والتي استمر بالتعلق بها طيلة حياته إلى أن لفظ نفسه الأخير، ولم يزحزحه عن هذا الاختيار لا إغراءات مادية ولا مناصب سامية، يشير بنعبد الله في شهادته. (أنظر نص كلمة الأمين العام في الصفحة الثانية من هذا العدد)..
من جانبهم أيضا، استعرض رفاق وأصدقاء الراحل شهادات مؤثرة أوضحوا فيها طبيعة العلاقات التي جمعتهم مع الراحل والطرائف التي عاشوها، وقدم كل من الأساتذة محمد الحرفي، محمد الحمري، ويحيى بودلال، (وكلهم من أصدقاء الفقيد بوجدة) في شهاداتهم التي تليت أيضا بالنيابة، خطا زمنيا للعلاقات التي جمعتهم بالراحل والتي انطلقت بثانوية عبد المومن بوجدة وتكللت بانخراطهم ضمن حزب التحرر والاشتراكية والشبيبة المغربية للتقدم والاشتراكية، مبرزين المسار النضالي الذي خاضوه انطلاقا من وجدة إلى حين قدومهم لاستكمال الدراسة بالكلية بالرباط.
كذلك قدم كل من الأساتذة نور الدين بلماحي، محمد باكريم، محمد فؤاد المالطي، مسعود بوحسين، نور الدين زوال، لمحة عن علاقاتهم بالراحل وعادوا بالحاضرين إلى فترات شيقة من حياة الفقيد جمال الدين، بين فترة ثانوية عبد المومن بوجدة في سبعينيات القرن الماضي وبين الكلية بالرباط والإقامة بحي الليمون مع مجموعة من الرفاق، أو بعد ذلك بالاتحاد السوفياتي حيث أكمل الراحل دراساته المعمقة في المسرح.
واستعرض المتدخلون في اللقاء الذي احتضنه المقر الوطني لحزب التقدم والاشتراكية بالرباط، “العلاقات الرفاقية” والدفء العائلي والودي الذي جمعهم بالراحل، بالإضافة إلى الطرائف التي عاشوها، خصوصا وهم في كنف حزب التحرر والاشتراكية وبعدها التقدم والاشتراكية.
وتذكر كل واحد من رفاق الفنان جمال الدين العلاقة التي جمعته به على مستوى النضال ومستوى المسرح. ومن جملة الطرائف تلك التي حكاها نورالدين بلماحي، أشار في معرض حديثه عن خصال الراحل جمال الدين الدخيسي إلى تعلق هذا الأخير بالنضال لدرجة أنه أقدم في إحدى الليالي وفي تمام الساعة الثالثة صباحا على إيقاظهم من النوم، موجها لهم لوما شديدا بسبب التكاسل والتفريط في النضال في الوقت الذي يوجد هناك عدد من ماسحي الأحذية والفقراء لا زالوا يعانون.
في حين اختار الناقد السينمائي محمد باكريم الحديث عن الراحل من الزاوية الفنية، التي خلف فيها العديد من الأعمال السينمائية المتميزة. وعرض المتحدث مقطعا للراحل من فيلم “يما” مبرزا تألقه في الأداء والتجسيد معتبرا أنه خلف إرثا في المجال السينمائي. كذلك تحدث باكريم عن إنسانية الدخيسي قائلا إنه “كان صلبا وقويا لكن جوهره كان متسامحا وطيبا”. ووصفه بمن “يمتلك يدا من حرير في قفاز من حديد”.
بدوره ذكر مسعود بوحسين نقيب المسرحيين المغاربة ومهنيي الفنون الدرامية بمسار الراحل وإبداعاته، مشيرا إلى أن الثقافة المغربية تعززت بأستاذ كبير اسمه جمال الدين الدخيسي الذي ترك وراءه إرثا لا يمحى.
نور الدين زيوال صديق الراحل والأستاذ بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، ومديره الحالي بالنيابة، استعرض أيضا جزء من سيرة الراحل والفترة التي عايشه فيها، مشيدا بالإسهامات التي قدمها الراحل، لاسيما وأنه أخرج أجيالا من الفنانين وساهم في النهوض بدراسة الفن، سواء بتلقينه الطلبة مادة التشخيص أو مادة التجسيد أو مادة الارتجال، معتبرا أن الراحل كان مرجعا في المجال الفني والمسرحي.
وكان من الميزات التي أجمع عليها رفاق وأصدقاء جمال الدين الدخيسي، موهبته الشعرية، حيث ذكر الجميع بهذه الموهبة التي لم تكن معروفة بشكل كبير عند الجميع، وأبرز المتدخلون جميعا أن الراحل كان شاعرا متميزا باللغة الفرنسية، إذ كانت أشعاره تنشر بالملحق الأدبي والفني لجريدة البيان بالفرنسية.
كذلك ذكر العديد من أصدقائه بموهبته الفنية، حيث أجمعوا على كفاءته المهنية والتي تجلت بإدارته لمسرح محمد الخامس بالرباط، أو كأستاذ ومدير بالمعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، منوهين بنزاهته وخصاله الحميدة التي تميز بها طيلة مساره.
إلى ذلك تميز اللقاء الذي احتضنه المقر المركزي لحزب التقدم والاشتراكية بفقرة فنية راقية من تقديم الموسيقي الرائع الحاج يونس الذي أتحف الحاضرين بنغمات معزوفات على العود، قبل أن يتم عرض شريط مسجل لشهادات العديد من الفنانين على غرار عبد الكبير الشداتي، عبد الكبير الركاكنة، رشيد الوالي، عادل أبا تراب، سعاد خيي، سعيد آيت باجا، عبد الجبار خمران، بالإضافة على عدد من الأساتذة أصدقاء الراحل بالمعهد، والذين أجمعوا بدورهم على الكفاءة والموهبة والاحترافية الفنية التي تميز بها الراحل، إذ كان متألقا بجميع أعماله المسرحية والفنية، معتبرين أنه أغنى الفضاء الثقافي بالمغرب بمجموعة من الأعمال الفنية المتميزة.
هذا وقدمت عائلة الفقيد جمال الدين الدخيسي أيضا كلمة بالمناسبة، ألقتها نجلته، دنيا دخيسي كشفت فيها عن جزء من حياته الشخصية التي طبعها الود والتسامح والمحبة، مستحضرة العديد من الوقائع التي عاشها الراحل. كما نوهت نجلة الفقيد بالمبادرة التي نظمها حزب التقدم والاشتراكية والتي قالت إنها تؤكد على مدى العلاقة القوية التي جمعته بالحزب من جهة، ومع رفاقه من جهة أخرى.
جدير بالذكر أن الفنان الراحل جمال الدين دخيسي قدم عبر مساره الحافل الذي يمتد لأزيد من ثلاثين عاما، العديد من المسرحيات، أشهرها إخراجه لمسرحية “مهرجان المهابيل” للراحل محمد مسكين، وفي السينما والتلفزيون شارك في أفلام مثل “يما” لرشيد الوالي، و”الوشاح الأحمر” لمحمد اليونسي و”أوركسترا منتصف الليل” لجيروم كوهين أوليفار و”حياة بريئة” لمراد الخوضي ثم “الذئاب لا تنام” لهشام الجباري.. وكان آخر عمل ظهر فيه الراحل هو فيلم “نوح لا يعرف العوم”، من إخراج رشيد الوالي، وهو الشريط الذي عرض في الدورة الأخيرة من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة.. كما تميز مساره بالدور الرائع الذي لعبه في الفيلم التلفزيوني “حياة بريئة” لمراد الخودي والذي استحق معه جائزة أحسن ممثل في المهرجان الأخير للدراما التلفزيونية بمكناس (مارس 2017).
وكان الراحل الذي تلقى تكوينه في فن التمثيل والإخراج بالأكاديمية الروسية لفن المسرح، قد حظي بتكريم مؤثر في افتتاح الدورة 18 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، يوم 3 مارس الجاري، حيث بدت عليه علامات المرض التي لم تنل من حيويته وإيمانه برسالة الفن.
كما سبق أن حظي بتكريم كبير من قبل وزارة الثقافة في افتتاح المهرجان الوطني للمسرح بتطوان السنة الماضية.. وبتكريم مماثل في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، في دورته الثامنة عشر في فبراير الماضي، قبل وفاة الراحل في 24 من مارس 2017.
وتخرج على يد الفقيد العشرات من أبرز نجوم التشخيص في المغرب، إبان تدريسه للفن المسرحي بالمعهد الوطني للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، كما حظي بتقدير واسع سنوات إدارته للمسرح الوطني محمد الخامس.
وكان الراحل قد التحق في سن مبكرة بالعمل السياسي كمناضل في صفوف حزب التحرر والاشتراكية، ثم في حزب التقدم والاشتراكية حيث كان عضوا في لجنته المركزية ومناضلا نشيطا في قطاع الثقافة والاتصال التابع للحزب.. كما كان من أنشط طلبة الحزب في الخارج حين كان يستكمل دراسته العليا بالاتحاد السوفياتي (سابقا)، وبعد عودته من ديار الهجرة أبلا البلاء الحسن في الحياة الحزبية بالمنطقة الشرقية خصوصا بمدينتي وجدة وجرادة.. قبل أن يستقر في الرباط.
محمد توفيق امزيان