ينوع الكاتب المغربي فؤاد العروي في كتاباته؛ فإلى جانب كونه روائيا وقصاصا أصيلا وباحثا أكاديميا، نجده حريصا على تخصيص حيز من وقته لكتابة نصوص ذات طابع نقدي، نقد المجتمع ومشاكل الهجرة والعادات والعلائق الإنسانية بوجه عام.
هذا الكاتب المقيم بالمهجر، وتحديدا بهولاندا، الذي اختار اللغة الفرنسية وسيلة للتعبير عن آرائه وما يختلج في وجدانه والذي حظيت إنتاجاته الأدبية بالتتويج في محافل دولية، على سبيل الذكر: «القضية الغريبة لسروال الداسوكين» الفائزة بجائزة الغونكور للقصة القصيرة.. ظل محافظا على روحه الخفيفة حتى وهو يكتب نصوصا ذات طابع جدي، كما أنه لم يضح بالبعد الجمالي والإبداعي لهذه النصوص، رغم منحاها التقريري.
الحلقة11
- شتيمة مجانية وعنصرية
تم التأكيد مرارا على أن المتاحف خاصة بالبيض وأن الموسيقار “باخ” ينتمي إلى الألمان.
في ذلك اليوم، كنت جالسا تحت الشمس على مقعد في مدينة الضفاف الصغيرة لـ “غارون” حيث استعادة الحماس والفرح بالحياة، حين سمعت مهرجين غير مرئيين، لأنهما كانا ممددين على العشب ورائي، يتبادلان الحديث الآتي:
ـ قل إذن، كنت في المتحف بالأمس، ولم أصدق عيني، كان هناك شخصان أسودان بصدد زيارته. إنها المرة الأولى في حياتي أرى فيها السود في متحف.
ورد عليه المرهج الآخر:
ـ لم يكونوا سودا حقيقيين، بل كانوا شكلاطيين.
ـ شكلاطيون؟
ـ أجل، إنهم سود من الخارج لكنهم بيض من الداخل.
ـ ها ها ها..
هذا الحوار القصير وضعني في حالة تيه. بالتأكيد، لم تكن مسألة الدخول في شجار مع هذين الشخصين السافلين على عشبهما (التوتر التوتر)، لم أقل إذن أي شيء. لحسن الحظ أنه بقيت لي أعمدة الجريدة للتنفيس عن غضبي أو توقع ردود الفعل.
أولا، لنشرع باستحضار جورج أويل:
“الأول الذي شبه المرأة بالوردة كان شاعرا. الثاني استنسخ ذلك أو مارس السرقة الأدبية”.
هذا لأجل أولئك الذين يشوهون صورة اللون الشكولاتي، السارقون الأدبيون السفلاء، اخترعوا أنتم بأنفسكم تحولاتكم ومجازاتكم، أو اخرسوا أفضل لكم.
من جهة أخرى، هذه الصورة هي في العمق عنصرية بشكل لا يصدق.
هكذا، فالأسود الذي يرتاد المتاحف أو المغاربي الذي يحرص على التحدث بطلاقة باللغة الفرنسية سيكونان غير طبيعيين؟ لن يكونون هم أنفسهم؟ الإعجاب بموسيقى باخ (أكبر ملحن في كل العصور، على كل حال..).
سيكون ذلك ممنوعا عن شخص يدعى حميدو أو الضاوية؟
إجمالا فإن المتاحف مخصصة للبيض، وأن الموسيقار باخ ينتمي للألمان وأن التعبير الجيد بالفرنسية ليس مشروعا إلا لمن كان يتحدر من منطقة تورين الفرنسية..هذا غير معقول.
محمد لفتاح أو محمد خير الدين أو كاتب ياسين، كانوا ضليعين في اللغة الفرنسية. هل كانوا شكلاطيين؟
أتذكر صديقي حميدو صال، السينغالي الفذ، أبدى لي ملاحظة حول وجبة كسكس في الجديدة، أن كلمة “سينوبسيس” أي مجمل، ينبغي أن تكون مؤنثة، بالنظر إلى الكلمة الأغريقية التي اشتقت منه.
سينغالي يقوم بتصحيح اللغة الفرنسية، لم لا؟ لماذا يتم شتمه، لماذا يتم الاستهزاء به؟
ينبغي أن يكون المرء غبيا لمجاراة القول بأن الحلوى الشكلاطية توجد في مكان آخر وليس لدى بائع الحلويات.
> ترجمة: عبد العالي بركات