جرت، أول أمس الخميس، مراسيم افتتاح مقر حزب التقدم والاشتراكية بالدار البيضاء بحضور الأمين العام للحزب نبيل بنعبدالله، وأعضاء بالمكتب السياسي واللجنة المركزية، ومجموعة من القيادات المحلية والجهوية، للحزب، والعديد من مناضليه.
ويعتبر مقر الدار البيضاء الذي يحمل اسم “فضاء عبد الله العياشي”، حلم ظل يراود عبد الله العياشي الذي كانت وصيته قبل وفاته، أن توظف مدخراته، على قلتها، لبناء مقر يلتئم فيه رفاقه بالدار البيضاء. فتم ذلك بتظافر جهود رفاق حملوا على عاتقهم الأمانة.
وخلال حفل الافتتاح، كان الانشراح واضحا على محيي الحاضرين الذين انخرطوا، وهم يتابعون إزاحة نبيل بنعبدالله لشريط أسقط ستارا كان يحجب صورة عبد الله العياشي ورفاق عديدين قضوا نحبهم، في حديث ذي شجون. حديث عن ماضي حزب التقدم والاشتراكية أيام رجل لم يكن كباقي الرجال. انخرط كل من جايل عبد الله العياشي في سرد وقائع لازالت محفورة في الذاكرة، تحدثوا عن رجل مبادئ يبهر الجميع بتواضعه ولطفه وأدبه، كثير الإنصات للآخرين، مختصر الكلام في اجتماعات قيادة الحزب، آخذا بعين الاعتبار كل التلوينات والإضافات والآراء والاقتراحات.
توقف نبيل بنعبد الله مليا عند صور مناضلين من قامات كبيرة، علي يعته، عبد السلام بورقية، محمد بنبلا، محمد أوبلا القوقجي، ميمون حبريش، محمد أنيق، ندير يعته، عبد المجيد الذويب، حميد الحبابي، أحمد السربوتي… كانت ملامح الرجل تلخص الإعجاب والاعتزاز برجالات جايلوا علي يعته حين كان هو نفسه شابا يتابع دراسته ومناضلا في مختلف محطات الحزب الزمنية والنضالية.
انتهت جولة نبيل بنعبد الله في المقر الجديد. لكنه عاد ليقف أمام صورة من الحجم الكبير لعبد الله العياشي. الرجل الذي ظل على الدوام حاملا، بمعية عبد السلام بورقية أسرار المرحوم علي يعته، رفيقا في الحياة السياسية والنضالية وعلبة أسرار لم تنفتح قط.
ولد المرحوم عبد الله العياشي بالرباط سنة 1923، وتوفي يوم السبت 9 شتنبر 2006، تربى في أحضان جديه لوالدته في ظروف معيشية صعبة، خصوصا بعد وفاة والده. تلقى تعليمه الأولي بالكتاب القرآني تم التحق بالتعليم العصري، ومن أجل التغلب على مصاريف إعالة نفسه وإعالة جديه العجوزين مارس مهنا مختلفة وهو لايزال طفلا صغيرا… كما اشتغل كموزع للبريد بمدينة سلا في بداية الأربعينيات من القرن الماضي. وبعد طرده من البريد، استمر في متابعة تعليمه بصفة شخصية، وذلك بقراءة أمهات كتب الأدب الفرنسي بالخزانة العامة بالرباط. وبعدها تم اختياره كمعلم ملحق بالخميسات ومنطقة اللاميمونة بالغرب، ثم عين بعد ذلك بقرية تروال بضواحي سيدي قاسم، وكان ذلك سنة 1944.
في بداية الخمسينيات التقى لأول مرة مع علي يعته وشرعا معا في تأسيس الحزب الشيوعي المغربي. إلا أن اعتقال علي يعته من طرف السلطات الاستعمارية الفرنسية بالمغرب حال دون استمرار تنظيم الحزب. وبعد ذلك تم تعيينه مسؤولا بالحزب عن إقليم الرباط، وفي نفس الفترة التقى مع عبد الكريم بنعبد الله المناضل الشيوعي الذي التحق بالمغرب قادما من فرنسا، وعكفا معا على تنظيم وتوسيع خلايا الحزب بعد أن أصبحا معا عضوين في المكتب السياسي، وفي نفس الوقت كان عبد الله العياشي مسؤولا عن النشرات السرية التي كان يطبعها الحزب “espoir” و”حياة الشعب”.
ونتيجة لنشاطه الحزبي المكثف والسري بالدار البيضاء رصدته الشرطة الفرنسية واعتقلته سنة 1953، حيث تم تعذيبه بطريقة وحشية من أجل الحصول على المعلومات المتعلقة بأنشطة الحزب، لكنه لم يعترف رغم تعرضه لتعذيب مستمر طيلة عدة أشهر.
ظل عبد الله العياشي على هذه الصورة، صامدا، حكيما، مربيا للأجيال التي ظلت تحترمه وتقدره وتتمنى التفاتة تكريم تدخل السرور إلى قلبه. لكنه ظل يأبى هذه الالتفاتة، عازما، في دواخله، أن يجعلها، بعد مماته، التفاتة تكريم لحزبه، من خلال مقر تعود ملكيته لهذا الحزب العتيد.
مصطفى السالكي