حلت منتصف الشهر الجاري الذكرى السادسة عشر لوفاة الكاتب المغربي محمد شكري، الذي اشتهر بتأليفه لرواية الخبز الحافي، باعتبارها كانت سباقة في اختراق طابو الجنس، وإن كانت هناك كتابات لأدباء مغاربة آخرين تناولت الموضوع نفسه، لكنها لم تكن بالجرأة نفسها التي أبدع فيها شكري روايته الشهيرة، مع العلم أنها بمثابة جزء أول من سيرة ذاتية روائية تتألف من ثلاثة أجزاء: زمن الأخطاء، وجوه.. غير أن الكثير من القراء لا يكادون يذكرون سوى الخبز الحافي.
في حدود اطلاعي، يبدو أنه لا شيء من كتابات محمد شكري مبرمج ضمن المقررات الدراسية للسنوات الأولى من التعليم الابتدائي، ولعل ذلك راجع إلى الانطباع السائد لدى المربين ومهندسي هذه المقررات، مفاده أن محمد شكري كاتب وقح وأن كتاباته إباحية ولا تصلح بتاتا لأن تلقن للنشء، وقد رأينا كيف تم الاحتجاج على رواية لكاتب آخر معروف بتمرده هو محمد زفزاف حين تم إقرارها للتدريس في أحد أسلاك التعليم، ربما الثانوي، مع أن الأمر يتعلق بعمل أدبي له خصوصياته الإبداعية والجمالية التي تستحق أن تدرس.
لكن لماذا ذكرت الإنتاج الأدبي لمحمد شكري وربطته بالضرورة بالمقررات الدراسية وبالتدريس، خاصة السنوات الأولى منه؟
ليس ذلك راجع إلى أن إنتاجه في حد ذاته هو ما يستحق التدريس، ولكن حياة محمد شكري بالذات، هي ما ينبغي أن يكون التلاميذ في السنوات الأولى على علم بها، فمن الأسف أن كل ما هو معروف عن الراحل محمد شكري هو أن له رواية تحمل عنوان الخبز الحافي، تتعرض للجنس، ويتم إغفال جزئية هامة كامنة في هذه الرواية نفسها وفي بقية أجزائها كذلك، وهي حياة محمد شكري، وكيف أنه تحدى الفقر والتأخر في الالتحاق بفصول الدراسة – لم يلتحق بها إلا بعد تجاوزه سن العشرين- مع ذلك استطاع أن يتفوق في دراسته، ويكسب مزيدا من المعرفة من خلال اطلاعه الواسع على الإنتاج الأدبي والفكري الكوني.
بفضل مثابرته إذن، استطاع أن يحارب أميته، ليس ذلك فحسب، بل أوجد لنفسه مكانا مرموقا بين الأدباء العرب، وحظيت كتاباته بالترجمة إلى العديد من اللغات، وعلى ذكر اللغات، فمحمد شكري متعدد الألسن، حيث يتحدث بطلاقة بأكثر من أربع لغات، فضلا عن اللهجات، الريفية على سبيل المثال.
إذن نحن أمام نموذج يقتدى به لدى أجيال من المتعلمين، خاصة في سنواتهم الأولى، غير أنه مع الأسف يتم إغفال هذا الجانب، ويتم الاحتفاظ فقط بفكرة أنه يكتب عن الجنس والخمر وأن إنتاجه بالتالي لا يصلح للتدريس.
تبقى مسألة أخرى لا تخلو من أهمية كذلك، وبها أختم، وهي تركة هذا الكاتب، أقصد كتبه ومسوداته ومقتنياته الخاصة وصوره مع أصدقائه والرسائل التي كان يتبادلها مع الأدباء وغيرهم والهدايا التي كان يتلقاها والشهادات التي كان يحصل عليها في مناسبات مختلفة وقطع الأثاث وغير ذلك مما له علاقة به، ونحن نعلم أنه تم التفكير في إنشاء متحف خاص بكل ذلك، غير أنه لحد الساعة، أي بعد مرور أزيد من عشر سنوات، لم يتم تطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع، مع أنها قد تعود بالنفع ليس على الكاتب فقط وقد رحل، بل على المدينة ككل من الناحية السياحية، سيما إذا علمنا أن محتوى المتحف يعود إلى كاتب ذائع الصيت، إنتاجه مترجم إلى أكثر من عشرين لغة.
عبد العالي بركات