لم يعد للكتب المدرسية أي دور في التحصيل الدراسي بالنسبة لمجموعة كبيرة من الأطر التربوية، بعد أن أصبحت الوزارة الوصية تعتمد الكم عوض الكيف في تدبير برامجها التربوية ومناهجها الدراسية، وتسببت في إثقال كاهل التلميذ والإضرار بمالية الأسر.. وبعد أن فقد المدرس والتلميذ الثقة في تلك الكتب، واقتصاره على استغلال بعض أنشطتها وتمارينها. كتب أفقدت التلاميذ شهية القراءة والحفظ والرغبة في التحصيل. وبعضها رسخ لديهم أفكارا وسلوكيات غير متزنة. كتب مدرسية من المفروض أن تساعد التلميذ في تعليمه وأن تشكل إلى جانب المدرس، حضنا دافئا لضمان تحصيل جيد. إلا أن تنوعها ومحتوى بعض مضامينها بات يشكل عائقا وسدا يزيد من تأزم العملية التعليمية.
كتب مدرسية من المفروض أن تمر عملية اعتمادها من مراحل، تبدأ بتجريبها داخل مدارس نموذجية، والتأكد من صحة محتوياتها اللغوية والبيداغوجية ومدى موافقة برامجها بالمناهج التعليمية اللازمة. لا شيء من هذا يطبق. بل إن بعض مؤلفي وناشري تلك الكتب، يتأخرون حتى في إصدارها مطلع كل موسم دراسي. حيث يمر الدخول المدرسي ويبقى التلاميذ يترقبون صدور تلك الكتب والتي غالبا ما تكون بها أخطاء لغوية أو معلوماتية أو بيداغوجية. لتبدأ رحلة التصحيح من طرف المدرسين والمفتشين التربويين. وانتظار صدور طبعة ثانية معدلة. أكثر من هذا فالوزارة الوصية ترغم على القبول بعدة كتب مدرسية لنفس مادة التدريس خاصة بنفس المستوى الدراسي. عوض اعتماد كتاب مدرسي واحد. وهناك تبدأ عملية إرضاء المؤلفين والناشرين على حساب التلاميذ والأساتذة. علما أنه كان من المفروض أن يجتمع كل هؤلاء المؤلفين لإعداد كتاب مدرسي واحد موحد، لكل مادة بكل مستوى تعليمي. وأن يعلموا ومن خلفهم أنه لا يحق المتاجرة في الكتاب المدرسي.
مع الأسف فإن بعض الكتب المدرسية تجعل التلاميذ يتشبعون بالعنف، بتلقيهم دروسا فضفاضة في المواطنة باعتماد أحداث وتجارب خيالية تتعارض مع الأخلاق والتربية وحتى دستور البلاد. لم يعد الكتاب المدرسي يشكو فقط من الهفوات والأخطاء اللغوية والمعرفية، والمضاربات التي أرغمت الوزارة الوصية على الاستجابة للمؤلفين، وفرض التدريس بكتب مختلفة لنفس المستوى التعليمي، ولم يقتصر على معاناة المدرسين والتلاميذ وأولياء أمورهم في البحث بداية كل موسم دراسي على تلك الكتب، التي تتغير أسماؤها من مدرسة لأخرى. تجعل من التلاميذ فئران تجارب. وترغم المدرسين على بدل جهود أكبر من أجل إصلاح مضامينها وتصحيح أخطائها المطبعية والإملائية، ومحاولة تكييفها مع البرامج والتوجهات الدراسية المعتمدة. فقد تبين أن للكتاب المدرسي نصيبا من المسؤولية في انتشار ظاهرة عنف بعض التلاميذ ضد مدرسيهم وداخل أسرهم ومحيطهم، إلى جانب كل الأطراف المعنية بتربية الأطفال وتخليق الحياة العامة. وأن هناك نصوصا وصورا ورؤى وتصورات ترسخ مفاهيم العنف والانحراف والتطاول على الأستاذ والوالدين. وتغذي التلاميذ بأفكار ومعان تتعارض مع الأخلاق والقوانين والأنظمة التربوية والإدارية. وكنموذج لبعض النصوص والمواضيع الغريبة والغامضة التي تتضمنها بعض الكتب المدرسية المعتمدة من طرف الوزارة الوصية، يمكن الإشارة إلى الكتاب المدرسي الجديد للمستوى الخامس ابتدائي والمسمى (المنير في التربية الفنية). وهو كتاب مصادق عليه من طرف الوزارة الوصية. حيث أنه يسوق لتطبيق (سناب شات) في صفوف الأطفال، علما أن عدة هيئات دولية أوصت بمنعه على الأطفال في غياب مراقبة لصيقة من الراشدين. كما أنه تسبب في عدة جرائم.
كما يمكن الحديث (وقد سبق لي التنبيه إليها إعلاميا)، إلى مضمون (الوثيقة واحد) بالصفحة 162 من كتاب (في رحاب الاجتماعيات)، الخاص بمستوى السنة الأولى إعدادي. النص المفروض من الطفل استيعابه والإجابة على مجموعة من الأسئلة، واستخلاص المبادئ المرتبطة بحقوق الإنسان. يحكي بطريقة لا تمت للتربية والتعليم ولا للقوانين المنظمة للبلاد بصلة، عن حادث اعتداء تلميذ على أستاذة ضبطته في حالة غش (لم يحدد نوعيته) فطردته. ويضيف أن الضحية رفعت دعوى (لم يحددها)، وأنه تم اعتقال الطفل من طرف جهة (لم يحددها). وأن الأستاذة تنازلت عن الدعوى (؟؟) استجابة لتوسلات أسرته. شريطة اعتذار التلميذ أمام زملائه. وانتهى النص بحادث آخر أغرب. حيث أحضر الضابط المكلف بالقضية التلميذ مكبلا داخل الفصل الدراسي ليعتذر للتلاميذ والأستاذة. وهي المبادرة التي وجدت فيها أسرة التلميذ إهانة لولدها. فقدمت شكوى ضد الضابط، انتهت بتعرضه لعقوبة تأديبية. لم يحدد النص نوعية الغش، الذي لن يكون بالضرورة في الامتحانات. ولم يعر النص اهتماما لمجلس الانضباط (المجلس التأديبي)، والإدارة المشرفة على المدرسة، الجهة الضامنة لحقوق الأستاذة. ولا لدور ولي أمر التلميذ، المفروض إحضاره قبل اتخاذ أي إجراء عقابي داخلي أو خارجي. ولم يقم النص وزنا للإهانة التي وجهها لجهاز الأمن. باعتبار فرضية أن يستجيب ضابط لشرط الأستاذة، وأن يصطحب التلميذ مكبلا إلى داخل الفصل. علما أن ما تم من اتفاق بين الأستاذة والأسرة، لا علاقة له بالإجراءات القضائية، التي تشرف عليها النيابة العامة وليس جهاز الأمن القضائي الذي مهمته التنفيذ فقط. فقد أصبحت بعض الكتب المدرسية مستباحة التأليف من طرف من هب ودب. ومنتشرة كالفطر والأعشاب الضارة وسط الحقول التربوية. كتب تطبخ في الخفاء، لتفرض على التلاميذ والمدرسين، بأسماء مختلفة، ومضامين منسوخة بأساليب ركيكة ومعان متعارضة.. جعلت التلميذ يفقد التركيز من أجل التحصيل الدراسي، ويرغم على صب تفكيره حول الطريقة التي سينقل بها محفظته الثقيلة ما بين المنزل والمدرسة. أصبح تائها يبحث عن الطريقة التي تمكنه من الاطلاع كل ليلة على عشرات الكتب والدفاتر. وإنجاز فروضه المنزلية.
بقلم: ذ. بوشعيب حمراوي